الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الحياة الآخرة |
وَالْخَوْفُ مِنَ النَّارِ يَدْفَعُ الْمُسْلِمَ إِلَى عَمَلِ الصَّالِحَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْأَخْذِ بِأَسْبَابِ النَّجَاةِ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَقْوَامًا لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فَهُمْ آمِنُونَ، وَلَا يَحُسُّونَ شَمْسَ الْمَوْقِفِ الْقَرِيبَةَ مِنَ الرُّؤُوسِ؛ فَهُمْ مَحْفُوظُونَ، وَلَا يَجِدُونَ حَرَّهَا وَسَمُومَهَا فَهُمْ مُنَعَّمُونَ...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ...
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الْأَحْزَابِ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مُؤْذِيَةٌ، كَمَا أَنَّ شِدَّةَ الْبَرْدِ مُؤْذِيَةٌ أَيْضًا، وَحَرَارَةُ الشَّمْسِ وَلَهَبُهَا يَجْعَلُ الْأَحْيَاءَ تَبْحَثُ عَنْ ظِلٍّ يَقِي حَرَّهَا، أَوْ مَاءٍ بَارِدٍ يُخَفِّفُ لَهَبَهَا؛ وَلِذَا كَانَ مِنْ كَمَالِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ الْحَرَّ، وَلَا يَرَوْنَ الشَّمْسَ، كَمَا لَا يَجِدُونَ شِدَّةَ الْبَرْدِ، ظِلٌّ دَائِمٌ، وَاعْتِدَالٌ فِي الْهَوَاءِ، لَا حَارٌّ يَلْفَحُ، وَلَا بَارِدٌ يَلْسَعُ (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا)[النِّسَاء: 57]، (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)[الْإِنْسَان: 13]، (فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ)[الْمُرْسَلَات: 41].
وَهُوَ ظِلٌّ تَمَيَّزَ بِمِيزَاتٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: أَنَّهُ مَمْدُودٌ لَا يَنْتَهِي، وَدَائِمٌ لَا يَنْقَطِعُ، فَلَيْسَ فِي مَكَانٍ مَحْدُودٍ مِنَ الْجَنَّةِ؛ بَلْ مُمْتَدٌّ فِيهَا (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِئَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا؛ اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (أخرجه البخاري) في التفسير، تفسير سورة الواقعة باب قوله: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (4881)، ومسلم في صفة الجنة ونعيمها باب: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مـئة عام لا يقطعها (2826)، والترمذي، في صفة الجنة باب ما جاء في صفة شجر الجنة (2525)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وجاء مثلُه عن سهل بن سعد في الصحيحين، وعن أبي سعيد في الصحيحين وجامع الترمذي، وعن أسماء بنت أبي بكر في جامع الترمذي وجاء عن غيرهم، حتى قال ابن كثير عنه: "متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النُّقَّاد، لتعدُّد طُرُقه، وقوة أسانيده، وثقة رجاله"، انظر: تفسير ابن كثير (4/452) عند تفسير الآية (30) من سورة الواقعة). وَهُوَ كَذَلِكَ دَائِمٌ أَبَدًا، لَا يَنْقَطِعُ فِي زَمَانٍ مِنَ الْأَزْمِنَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (أُكُلُّهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)[الرَّعْدِ: 35].
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "الْجَنَّةُ سَجْسَجٌ كَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ"(أخرجـه ابن المبـارك فـي الزهـد (1525)، وعبد الله بـن الإمام أحمد في زياداته على الزهد لأبيه (213)). وَالسَّجْسَجُ فِي اللُّغَةِ: الِاعْتِدَالُ فِي الْجَوِّ، يُقَالُ: يَوْمٌ سَجْسَجٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرٌّ مُؤْذٍ، وَلَا بَرْدٌ شَدِيدٌ. (نقل الخطابي عن ابن الأعرابي أن السجسج: أرقُّ ما يكون من الهواء، ونقل عن غيره أنه هواء لا حر فيه ولا برد، انظر: غريب الحديث (2/174)، وقال ابن الأثيـر: أي: معـتـدل لا حرٌّ ولا قُر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/343))، وَبِضِدِّ ذَلِكَ جَهَنَّمُ -أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا- فَإِنَّهَا شَدِيدَةُ الْحَرَارَةِ، ظِلُّهَا يَحْمُومٌ، وَهُبُوبُهَا سَمُومٌ (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)[الْوَاقِعَةِ]، وَالسَّمُومُ: الْهَوَاءُ الْحَارُّ، وَالْحَمِيمُ: الْمَاءُ الْحَارُّ، وَالظِّلُّ الْيَحْمُومُ: هُوَ ظِلُّ الدُّخَانِ، وَهُوَ حَارٌّ أَيْضًا. (انظر: تفسير ابن كثير (4/460))؛ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ حَرَارَةُ الْهَوَاءِ، وَحَرَارَةُ الْمَاءِ، وَحَرَارَةُ الدُّخَانِ، أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا بِعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَمِنَ الْمِنَنِ الَّتِي يُعَدِّدُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ لِرَبِّهِمْ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ -تَعَالَى- أَبْعَدَ عَنْهُمْ حَرَارَةَ الْهَوَاءِ، يَقُولُونَ: (فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (72) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطُّور: 72-82]، وَمِنْ شِدَّةِ حَرَارَةِ جَهَنَّمَ -أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا- أَنَّ بَعْضَهَا يَأْكُلُ بَعْضًا، وَيَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَشَدُّ حَرٍّ نَجِدُهُ فِي الصَّيْفِ مَا هُوَ إِلَّا نَفَسٌ مِنْ أَنْفَاسِهَا، وَأَشَدُّ مَا نَجِدُ مِنْ بَرْدٍ فِي الشِّتَاءِ نَفَسٌ مِنْ أَنْفَاسِهَا؛ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفْسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ"(أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر (536-537)، وفي بدء الخلق (3260)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظُّهْر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه (617)، ومالك في الموطأ (27-28)، وشكواها المذكورة في الحديث حقيقة وليست مجازًا، وأخطأ مَنْ حمَلَها على المجاز، وقد ذكر المحققون من أهل العلم أنها شكوى حقيقية، قال ابن عبد البر: "يعضدِّه عموم الخطاب، وظاهر الكتاب، وهو أولى بالصواب" اهـ. وأثبَت حقيقةَ شكواها الحافظُ ابن حجر وابن المنير والسيوطي والزرقاني وغيرهم من الشُّرَّاح، انظر: الاستذكار (1/353)، وفتح الباري (2/24)، وشرح الزرقاني على الموطأ (1/60)، وهذا الحديث من الأدلة على أن الجنة والنار مخلوقتان، وهو مذهب أهل السُّنَّة من المحدِّثين والفقهاء خلافًا لمن أنكره من المبتَدِعة. انظر: الاستذكار (1/354)، وبوَّب عليه البخاريُّ بقوله: باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة. وباب صفة النار وأنها مخلوقة، وذكَر أحاديثَ كثيرةً تدل عليه. انظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، البابين: الثامن والعاشر)، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا فَسَّرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَخَفِّفْ عَنِّي، قَالَ: فَخَفَّفَ عَنْهَا، وَجَعَلَ لَهَا كُلَّ عَامٍ نَفَسَيْنِ، فَمَا كَانَ مِنْ بَرْدٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ زَمْهَرِيرَهَا، وَمَا كَانَ مِنْ سَمُومٍ يُهْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ مِنْ حَرِّهَا" اهـ. (الاستذكار (1/353)، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: "وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَفَسَهَا فِي الشِّتَاءِ غَيْرُ الشِّتَاءِ، وَنَفَسَهَا فِي الصَّيْفِ غَيْرُ الصَّيْفِ؛ لِقَوْلِهِ: "نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ" اهـ. (المصدر السابق (1/353)، فَصَارَ إِذًا أَشَدُّ حَرٍّ فِي الصَّيْفِ مِنْ نَفَسِهَا، وَأَشَدُّ بَرْدٍ فِي الشِّتَاءِ مِنْ نَفَسِهَا، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "النَّفَسُ الْمَذْكُورُ يَنْشَأُ عَنْهُ أَشَدُّ الْحَرِّ فِي الصَّيْفِ"(فتح الباري (2/42)). وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ جَهَنَّمَ فِي قَرْنِ شَيْطَانٍ وَبَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَمَا تَرْتَفِعُ فِي السَّمَاءِ قَضْمَةً إِلَّا فُتِحَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا كُلُّهَا"(أخرجه الطبراني في الكبير (9/228 ـ 229) برقم (8988)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/307)، والزرقاني في شرحه على الموطأ (1/60))، قَالَ السُّيُوطِيُّ: "وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنَفُّسَ يَقَعُ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَعَلَى أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً" اهـ. (شرح الزرقاني على الموطأ (1/60)).
وَكَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَتَأَذَّوْنَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ -خَاصَّةً حَرَارَةَ الْأَرْضِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا- حَتَّى قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ"(أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر (620))، وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي عِوَانَةَ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا مَخَافَةَ الْحَرِّ"(مسند أبي عوانة (1013))؛ وَلِذَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْإِبْرَادِ فِي الظُّهْرِ، أَيْ: تَأْخِيرِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ"(رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر (533)، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر... (615))، قَالَ الزُّرْقَانِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "أَيْ: مِنْ سِعَةِ انْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا، وَمِنْهُ: مَكَانٌ أَفْيَحُ: أَيْ مُتَّسِعٌ، وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اسْتِعَارِهَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَثَارَ وَهَجِ الْحَرِّ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَيْحِهَا حَقِيقَةً" اهـ. (شرح الزرقاني على الموطأ (1/57)).
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: شِدَّةُ الْحَرِّ فِي الدُّنْيَا تُذَكِّرُ بِحَرِّ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا تُذَكِّرُ بِحَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لِلتَّفَكُّرِ وَالتَّذَكُّرِ، وَعَدَمِ نِسْيَانِ حَرِّ الْقِيَامَةِ، وَحَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الشَّمْسَ تَكُونُ قَرِيبَةً مِنْ رُؤُوسِ الْعِبَادِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ مِمَّا يَجْعَلُ كَرْبَ الْعِبَادِ شَدِيدًا؛ فَيَطْلُبُونَ الْخَلَاصَ بِالْفَصْلِ وَالْقَضَاءِ لِيَذْهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى سَبِيلِهِ: إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا، وَأَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، في الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب صفة يوم القيامة (2864) والترمذي في صفة القيامة والرقاق والورع باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص (2421)).
وَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَتَأَذَّوْنَ فِي الدُّنْيَا مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمِنْ عَرَقِهِمْ؛ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ سَيَغْرَقُ فِي عَرَقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -عَوْذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ- قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ الْعَرَقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيَذْهَبُ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ بَاعًا، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ إِلَى أَفْوَاهِ النَّاسِ وَآذَانِهِمْ"(أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب صفة يوم القيامة (2863))، وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُ: نَارُ جَهَنَّمَ، مَنْ دَخَلَهَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ فَيَمُوتُ، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُ مِنْ عَذَابِهَا، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بُدِّلُوا جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ، إِنَّهَا نَارٌ عَظِيمَةٌ، لَيْسَتْ نَارُ الدُّنْيَا عَلَى شَدَّةِ حَرِّهَا وَاسْتِعَارِهَا، وَعَظِيمِ لَهَبِهَا وَشَرَرِهَا إِلَّا جُزْءًا يَسِيرًا مِنْهَا؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ، قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أخرجه البخاري في بدء الخلق باب صفة النار وأنها مخلوقة (3265)، ومسلم في صفة الجنة ونعيمها، باب في شدة حر نار جهنم (2843)، والترمذي في صفة جهنم، باب ما جاء أن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم (2592)، ومالك في الموطأ (2/994))، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ جُمِعَ كُلُّ مَا فِي الْوُجُودِ مِنَ النَّارِ الَّتِي يُوقِدُهَا بَنُو آدَمَ لَكَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ جَهَنَّمَ الْمَذْكُورَةِ، وَبَيَانُهُ: أَنَّهُ لَوْ جُمِعَ حَطَبُ الدُّنْيَا فَوُقِدَ كُلُّهُ حَتَّى صَارَ نَارًا؛ لَكَانَ الْجُزْءُ الْوَاحِدُ مِنْ أَجْزَاءِ نَارِ جَهَنَّمَ الَّذِي هُوَ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا أَشَدَّ مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا كَمَا بَيَّنَهُ آخِرُ الْحَدِيثِ" اهـ. (المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/187)).
أَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَرْحَمَنَا بِرَحْمَتِهِ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنَّا، وَأَنْ يُجِيرَنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)[الْكَهْف: 29]. بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَخُذُوا مِنْ حَرِّ الدُّنْيَا تَذْكِرَةً لِحَرِّ الْآخِرَةِ، وَارْجُوَا رَحْمَةَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَافُوا عَذَابَهُ، وَلَا تَأْمَنُوا مَكْرَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ خَافَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا أَمِنَ فِي الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَمِنَ فِي الدُّنْيَا فَحَرِيٌّ أَنْ يَخَافَ فِي الْآخِرَةِ، وَكَانَ مِنْ هَدْيِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ الْخَوْفُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، يَقُولُ فَارُوقُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَوْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ دَاخِلُونَ الْجَنَّةَ كُلُّكُمْ إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا لَخِفْتُ أَنْ أَكُونَ هُوَ"(أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/53)).
وَقَالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "لَوْ أَنِّي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلَا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا يُؤْمَرُ بِي؛ لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ إِلَى أَيَّتِهِمَا أَصِيرُ"(أخرجه أحمد في الزهد (685)، وأبو نعيم في الحلية (1/60)).
وَالْخَوْفُ مِنَ النَّارِ يَدْفَعُ الْمُسْلِمَ إِلَى عَمَلِ الصَّالِحَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْأَخْذِ بِأَسْبَابِ النَّجَاةِ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَقْوَامًا لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فَهُمْ آمِنُونَ، وَلَا يَحُسُّونَ شَمْسَ الْمَوْقِفِ الْقَرِيبَةَ مِنَ الرُّؤُوسِ؛ فَهُمْ مَحْفُوظُونَ، وَلَا يَجِدُونَ حَرَّهَا وَسَمُومَهَا فَهُمْ مُنَعَّمُونَ، كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ أَوْصَلَتْهُمْ إِلَى ظِلِّ الرَّبِّ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجِمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقَ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، أخرجه البخاري في الأذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (660) ومسلم في الزكاة باب فضل إخفاء الصدقة (1031).
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ"(أخرجه مسلم في الزهد والرقائق باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر (3006)، وابن ماجه في الصدقات، باب إنظار المعسر (2419)، والدارمي (2588)، وأحمد (3/521)). وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَنْ أَظَلَّ رَأْسَ غَازٍ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(أخرجه أحمد (1/20)، وأبو يعلى (253)، وابن أبي شيبة (1/310)، والبيهقي في الكبرى (9/172)، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبيُّ (2/89)، وصححه ابن حبان (4628))، وَأَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ"(أخرجه ابن المبارك في الزهد (645)، وأحمد (4/147)، وأبو يعلى (1766)، وصححه ابن خزيمة (2431)، وابن حبان (3310)، والحاكم وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي (1/416)).
وَالْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الظِّلِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي"(أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب فضل الحب في الله (2566)، ومالك في الموطأ (2/952)، وأحمد (2/317)، والدارمي (2757))، وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. (جاء ذلك في حديث عائشة عند البخاري في الفتن باب ذكر الدجال (7129)، وحديث أبي هريرة عند مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يُستعاذ منه في الصلاة (588-589)، وحديث ابن عباس أيضًا عند مسلم (590)، وغيرها من الأحاديث)، وَأَمَرَ بِذَلِكَ، وَقَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"(أخرجه البخاري في الدعوات، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ربنا آتنا في الدنيا حسنة (6389))، وَمِنْ دُعَاءِ الْمُتَّقِينَ الْأَبْرَارِ: (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آلِ عِمْرَانَ: 16].
فَنَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُظِلَّنَا فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَأَنْ يُجِيرَنَا مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِهِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ (رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)[الْفُرْقَان: 66].
أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ.