السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | فيصل بن جميل غزاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
وإذا كان مقرَّرًا عندنا أهمية معرفة الله -عز وجل- والثمرة التي يجدها المرء في ذلك، فالسؤال المهم الذي يتبادَر إلى الذهن وينبغي أن يكون شُغلَنا الشاغلَ: كيف نتعرَّف على الله -عز وجل-، ومُجمَلُ الجوابِ عن ذلك هو أن نتدبَّر القرآنَ الكريمَ كلامَ الله -سبحانه- ونعيش مع أسمائه الحسنى وصفاته العليا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتَّصِف بصفات الكمال، المتفرِّد بنعوت الجَلال والجَمال، أحمده -سبحانه- حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له في ألوهيته، ولا نِدَّ له في ربوبيته، ولا نظيرَ له في أسمائه وصفاته، وأشهد أن سيِّدَنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، أعلمُ الناسِ بربه، وأعرَفُهم بحقِّه، صلى الله وسلَّم عليه، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، وسار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- حقَّ تقوى، واعبدوه عبادةَ مَنْ كأنه يراه، فيُحسِن العملَ، ولا يغيب عنه ذكرُ يومِ معادِه وعقباه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].
أيها المسلمون: إنَّ ممَّا يطلبه المؤمنُ ويسعى في تحصيله العلمَ النافعَ؛ فقد كان نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربَّه بقوله: "اللهم إني أسألك علما نافعا"، وبقوله: "اللهم انفعني بما علَّمتني، وعلِّمْني ما ينفعني، وزِدْني عِلْمًا"، وفي الحديثين من التوجيهات أنه لا يُطلب من العلم إلا النافعُ، وفيهما أيضا تعليمٌ للأمة أن يسألوا اللهَ أن يعلِّمهم ما ينفعهم، بل قد جاء الحثُّ مصرَّحًا به في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "سَلُوا اللهَ عِلْمًا نَافِعًا"، ولا يكتفي العبدُ بسؤال العلم النافع، بل يطلب الزيادةَ منه، كما قال عز وجل: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[طه: 114]؛ أي: ربِّ زدني علمًا إلى ما علمتني، فأمَر نبيَّه بمسألته من فوائد العلم ما لا يعلم، ولم يأمره سبحانه بطلب الزيادة في شيء إلَّا في العلم، وفي هذا دلالةٌ واضحةٌ على فضيلة العلم، وأنَّه أفضلُ الأعمالِ، فلم يزل صلى الله عليه وسلم في الزيادة والترقِّي في العلم حتى توفَّاه الله تعالى.
معاشِرَ المسلمينَ: أفضلُ العلومِ على الإطلاق العلمُ بالله، قال ابن رجب -رحمه الله-: "أفضلُ العلمِ العلمُ بالله، وهو العلمُ بأسمائه وصفاته وأفعاله التي تُوجِبُ لصاحبها معرفةَ الله وخشيتَه ومحبتَه وهَيْبَتَه، وإجلالَه وعظمتَه، والتبتُّل إليه والتوكُّل عليه، والرضا عنه، والانشغال به دون خَلْقه"، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "والعلمُ بالله يُراد به في الأصل نوعانِ، أحدهما: العلمُ به نفسِه؛ أي: بما هو متَّصِف به من نعوتِ الجلالِ والإكرامِ، وما دلَّت عليه أسماؤه الحسنى، وهذا العلم إذا رَسَخَ في القلب أوجَب خشيةَ الله لا محالةَ، فإنه لا بدَّ أن يعلم أن اللهَ يُثِيبُ على طاعتِه، ويُعَاقِبُ على معصيته، والنوعُ الثاني: يراد بالعلم بالله العلمُ بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي والحلال والحرام"، وقال ابن القيِّم -رحمه الله-: "فالعلمُ بالله أصلُ كلِّ علمٍ، وهو أصلُ علمِ العبدِ بسعادته، وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهلُ به مستلزِم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها، وما تزكو به وتُفلِح، فالعلمُ به سعادةُ العبدِ، والجهلُ به أصلُ شقاوته، ولا سعادةَ للعباد ولا صلاحَ لهم، ولا نعيمَ إلَّا بأن يعرفوا ربَّهم، ويكون وحدَه غايةَ مطلوبهم، والتعرُّف إليه قُرَّةَ عيونهم، ومتى فَقَدُوا ذلك كانوا أسوأَ حالًا من الأنعام، وكانت الأنعامُ أطيبَ عيشًا منهم في العاجل، وأسلَمَ عاقبةً في الآجِل".
أيها المسلمون: وبحسب معرفة العبد بربه يكون إيمانُه، فكلَّما ازداد معرفةً بربه ازداد إيمانُه، وكلَّما نقص نقص، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا"، فيُستفاد منه أنه كلَّما كان الرجل أقوى في معرفة ربه كان أقوى في دينه، وكونه -عليه الصلاة والسلام- أعلَمَنا بالله يتضمَّن أن علمَه بالله أفضلُ من علم غيره به، وإنَّما زاد علمُه بالله لزيادةِ معرفتِه بتفاصيل أسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، وعظمته وكبريائه، وما يستحِقُّه من الجلال والإكرام والإعظام، ولكونِ عِلْمِه بالله مستنِدًا إلى عين اليقين، فلمَّا زادت معرفةُ الرسول بربِّه زادت خشيتُه له وتقواه، فإنَّ العلمَ التامَّ يستلزِم الخشيةَ، كما قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فَاطِرٍ: 28]، قال أحمد الأنطاكي -رحمه الله-: "مَنْ كان بالله أعرفَ كان من الله أَخْوَفَ"، فمَن بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه أعلمُ كان له أخشى وأتقى، وإنما تنقُص الخشيةُ والتقوى بحسب نقص المعرفة بالله.
أيها المسلمون: العلم بالله وعبادته قضيتان متلازمتان، لا تنفكُّ إحداهما عن الأخرى، وأمران مطلوبان لأنفسهما، مقصودان لذاتهما، لا يقوم أحدُهما مقامَ الآخَرِ، دلَّ على ذلك قولُه -تعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)[مُحَمَّدٍ: 19]، فاعلم: أمرٌ بالعلم، واسْتَغْفِرْ أمرٌ بالعمل.
والعلم بأمر الله أي العلم بحدود الله وأحكام شريعته من الحلال والحرام، إنما يُطلب في الحقيقة بباعثِ العلمِ بالله -تعالى-، فيُريد العبدُ أن يُرضِيَه ويطيعه ويتَّبِع أمرَه، فيُقبل على هذا العلم ليتبع أمرَ اللهِ ويجتنب مساخِطَه، وبهذا يكون العلم بأمر الله دالًّا على العلم بالله، وأمَّا إن طلَب هذا العلمَ لغير وجه الله فلا شكَّ أنَّه يعودُ وبالًا على صاحبه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجهُ الله -عز وجل- لا يتعلَّمه إلا ليُصِيبَ به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ" يعني ريحها، (رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد).
قال الأوزاعي -رحمه الله-: "سأل رجلٌ ابنَ مسعود -رضي الله عنه-: "أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال: العلم، فكرَّر عليه ثلاثا كل ذلك يقول: العلم، ثم قال: ويحَكَ، إنَّ مع العلم بالله ينفعك قليلُ العملِ وكثيرُه، ومع الجهل بالله لا ينفعُكَ قليلُ العمل ولا كثيرُه".
عبادَ اللهِ: وكما أن أعظم علم ينفع الإنسانَ في عاجله وآجله هو العلم بالله -تعالى- وبما يُرضيه فأعظمُ الجهل وأشدُّه وأشنعُه الجهلُ بالله -تعالى- وبدينه الذي ارتضاه لعباده، وَمَنْ عَطَّلَ عقلَه عن تحصيل ما ينفعه من العلوم الشرعية التي بها يُقيم دينَه ويعبد ربَّه فهو من الجاهلينَ، ولو كان مبرَّزًا في علوم الدنيا؛ إذ إنَّ أضرَّ شيء على العباد أن يجهلوا ما ينفعهم وما يضرهم، وما يقرِّبهم من الله -تعالى-، وهو الإيمان به وطاعته واتِّباع رسله، ولذلك امتَدَح اللهُ -تعالى- العلمَ والعلماءَ، وذمَّ الجهلَ وأهلَه، وأخبر أن أهلَ العلم وأهلَ الجهل لا يستويانِ أبدًا: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزُّمَرِ: 9].
والجهل بالله -تعالى- وبدينه وبالحساب يومَ القيامة من أعظم ما يُعيق المرءَ عن الاستجابة للحق، ويدفعه للوقوع في المحرَّمات والمعاصي، مَنْ عرَف اللهَ حقَّ معرفته وآمَن بصفاته الكاملة وقدرته التامة عصَمَه إيمانُه من شرك العبادة؛ إذ لا يُبتلى به إلا مَنْ لم يقدِّر اللهَ حقَّ قدره، فقد ذَمَّ اللهُ -تعالى- عدمَ توقير طائفة من عباده له، فقال تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 74]، فالمشركون لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم فلم يقدِّروه حقَّ قدرِه.
أيها المسلمون: إن موجة الإلحاد قد اجتاحت بلاد العالَم، فاكتسبت أنصارًا وشهدت تمدُّدًا حتى زحفت نحو بلاد المسلمين، وخاصة الشباب، فعصَفَت بقلوب مَنْ جهلوا ربهم، ولم تتأسَّس معرفتُه في نفوسهم، وتسلَّلت إلى عقولهم وفكرهم فجعلتهم حيارى متذبذبينَ، بل قد أفضى ذلك ببعضهم إلى إنكار الربِّ وهَجْر العبادات، وانقطاع الانتماء لمجتمعهم المسلم، حاملينَ ثقافةً دخيلةً مستورَدةً، قائمة على الشكِّ، وناقِمة على الثقافة الإسلامية، وهذه الموجة الإلحادية تستدعي -من باب النصح للأمة ونصرة الحق- قيامَ أهل العلم بواجبهم في التصدي لها، دَحْرًا لجهود حاملي لوائها، وكشفًا لحقائقهم، فدعاةُ الإلحاد يحرصون على نشر باطلهم لدى الفِتْيان والفتيات خاصة، فيُخاف على افتتان الشباب بهم، أكثرَ مما يُخاف من غيرهم من دعاة الباطل، فإنهم لا يألون جهدًا في بثِّ الإلحادِ بأساليب شتى، وصور مختلفة، فكان ضررهم أكثر، وتأثيرهم أكبر.
ومما يجدر ذِكْرُه أن فكر الإلحاد يعني في مضمونه ميلَ الإنسان عن فطرة الألوهية والتدين، وعن المنهج الحق الذي أمرَه خالِقُه باتباعه، والمسلم بحاجة إلى أن تستقرَّ معاني توحيد الربوبية في نفسه؛ لأنه هو معرفة الله -تعالى-، وهو أصل الدين، فقضايا توحيد الربوبية تخفى على كثير من عوامِّ المسلمين.
أيها الإخوة في الله: يجب في مثل هذا الزمن الذي تُعرض فيه موجاتُ الإلحاد لبعض مَنْ لم يتعلم العقيدةَ الصحيحةَ ولم يتشبَّع منها، وضَعُفَ تعظيمُ الله في نفسه يجب أن نحمي مجتمعَنا وشبابَنا من هذا الخطر العظيم الداهم، وهو الكفر بالله -جل وعلا-، وذلك بتأصيل هذه المسألة العقدية العظيمة، وتفصيلها بعرض دلائل توحيد الله في ربوبيته، وإثبات وجوده، وتبسيطها للناس، والتعريف بها والتأكيد عليها، بما يكون حِصْنًا حصينًا للقلوب عن وقوع الشك والرَّيْب فيها، فلا تنطلي عليها شبهاتُ وأوهامُ أهلِ الضلالِ، ودَوْرُ المصلحينَ في هذه الأمة إذا جاءت الآياتُ التي فيها ذِكْرُ اللهِ وذِكْرُ عظمتِه، أن يرقِّقوا القلوبَ بها، وإنَّ عدمَ العنايةِ اللازمةِ بقضية الربوبية يؤدِّي إلى تنامي ظاهرة الإلحاد، وإنكار وجود الربِّ تقدَّس وتعالى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحي القيوم، لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في الْمُلْك، ولم يكن له وليٌّ من الذل، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ لم يزل مُتَسَمِّيًا بأسمائه الحسنى، متَّصِفًا بصفاته العلا، لا تبلغه الأوهامُ، ولا تُدركه الأوهامُ، ولا يشبهه الأنامُ، -سبحانه وتعالى- عما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أفضل الخَلْق، وأخشاهم لربِّه وأتقاهم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، صلاةً وسلامًا دائمينِ إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عبادَ اللهِ، مَنْ عَرَفَ ربَّه فأيَّ شيء جَهِلَ، ومن لم يعرف ربَّه فأي شيء عرف؟ قال ابن القيم -رحمه الله-: "أي شيء عَرَفَ مَنْ لم يعرف اللهَ ورُسُلَه، وأي حقيقة أدرَكَ مَنْ فاتَتْه هذه الحقيقةُ؟ وأي علم أو عمل حصَل لمن فاته العلمُ بالله والعملُ بمرضاته؟ ومعرفة الطريق الموصلة إليه؟ وما له بعد الوصول إليه؟
إن القلوب إذا لم يحركها حادي معرفة الله -عز وجل- وتعظيمه، فإن العطب سيتمكَّن منها، والران سيكسوها، فأيُّ شيء يريده قلبٌ لم يتعرف على الله عز وجل؟
إن الحياة المادية إذا استغرق فيها العبدُ، وابتعد عن تذكير قلبه بمعرفة الله فإنه -ولا شكَّ- سيستجلب الهمومَ والغمومَ ويبتعد عن التوفيق، بل وعن لذة الحياة، فأي لذة في حياة مَنْ لم يتعرف على الله، أو غفل عن سُبُل معرفته؟
وإذا كان مقرَّرًا عندنا أهمية معرفة الله -عز وجل- والثمرة التي يجدها المرء في ذلك، فالسؤال المهم الذي يتبادَر إلى الذهن وينبغي أن يكون شُغلَنا الشاغلَ: كيف نتعرَّف على الله -عز وجل-، ومُجمَلُ الجوابِ عن ذلك هو أن نتدبَّر القرآنَ الكريمَ كلامَ الله -سبحانه- ونعيش مع أسمائه الحسنى وصفاته العليا، ونتعلَّمَها ونتدبَّر معانِيَها وآثارَها، ونُكثر من العبادة وخصوصًا عبادةَ التفكُّر والتقرُّب إلى الله -عز وجل-، بأنواع العبادات.
ألَا ولنعلم -عبادَ اللهِ- أن العلم بالله وعبادته هما الغاية من وضع الكعبة البيت الحرام للناس ببكة، قال تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الْمَائِدَةِ: 97]، فأخبَر سبحانه أنه خلَق الخَلْق، ووضَع بيتَه الحرامَ، والشهرَ الحرامَ والهديَ والقلائدَ ليعلم عبادُه أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، فقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطَّلَاقِ: 12]، فدلَّ على أن علم العباد بربهم وصفاته وعبادته وحده هو الغاية المطلوبة من الخلق والأمر.
ومن عرَف اللهَ وقدَّرَه حقَّ قدرِه عظَّمَه وعظَّم ما عظَّمَه -سبحانه-، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الْحَجِّ: 32]، فالمعظِّم لها يُبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله.
عباد الله: ومن جملة ما اختاره الله -تعالى- وفضله، وعظَّم أمرَه وفخَّمَه، الأشهر الحرم، قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]، والأشهر الأربعة الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم ورجب، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]: في كلهن، ثم خصَّ من ذلك أربعة أشهر، فجعلهن حُرُمًا، وعظَّم حرماتهن، وجعَل الذنبَ فيهن أعظمَ، والعمل الصالح والأجر أعظم، فحريٌّ بمن عرَف الله أن يعظِّم ما عظَّم اللهُ، وأن يستشعرَ شرف الزمان وشرف المكان، فلا يتعدَّى حدودَه، ولا يرتكب محارِمَه.
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة الذي عرَّفنا ربَّنا وعلَّمَنا دِينَنا، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وانصر عبادك الموحِّدين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، اللهم مَنْ أرادَ بلادَنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه، وردَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم احفظ بلاد الحرمين ومقدَّسات المسلمين من شر الأشرار وكيد الفجار، ومن عبث العابثين، وكيد الكائدين، وعدوان المعتدين.
اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّقْ وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيته للبِرِّ والتقوى، اللهم كن لإخواننا المستضعَفين والمجاهِدين في سبيلك والمرابِطين على الثغور وحُماة الحدود، اللهم كن لهم معينا ونصيرا ومؤيِّدا وظهيرا، اللهم علِّمْنا ما ينفعنا، وَانْفَعْنا بما علَّمْتنا وزِدْنا عِلْمًا، وَاهْدِنَا إلى خير القول والعمل، والحمد لله رب العالمين.