الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أركان الإيمان |
عبادَ الله: إنَّه مطلوب من المسلم: أن يستمعَ إلى كلام الله إذا يُتلى، والاستماعُ إلى أحاديث رسوله إذا تُروى استماعَ تفهُّم، وإدراكٍ لمطالبهما، ثم بعد الاستماع والفهم لكلام الله، وكلام رسوله، يتَّجِهُ المسلم إلى العمل بهما، والاستجابة لمطالبهما، وإلاَّ فإن الاستماعَ والفَهْمَ من غير عمل يكونان...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، مَنَّ على المؤمنين ببعثِه النبيَّ الأمين، فقال -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران : 164].
وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريكَ لهُ مُخلصاً له الدين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيُّها الناسُ: اتقوا الله -تعالى-، واستمعوا لندائه، واستجيبوا لأوامره، واجتنبوا ما ينهاكم عنه لعلكم تُرحمون، يقولُ الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:20-24].
في هذه الآيات الكريمة: يأمر الله بطاعتهِ، وطاعةِ رسولهِ، والاستجابةِ له ولرسوله عند سماعِ الأوامر والنواهي الصادرة عنه وعن رسوله.
وينَهْى عن التشبُّهِ بالكافرين والمنافقين في عدمِ الطاعة، والاستجابة لله ولرسوله، فإنَّ الكفار أَبَوا أن يسمَعُوا كلامَ الله، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت:26].
واليهود: (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) [البقرة:93].
والمنافقون: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الأنفال:22].
فهم يُظهرون أنهم قد سَمِعُوا واستجابوا، وهم ليسوا كذلك، فهم يسمَعُون بآذانِهم ولا يسمعون بقلوبِهم.
ثم أخبر سبحانه: أنَّ هذه الأصناف من بني آدم هم شرُّ الخَلْقِ والخليقة، فقال سبحانه: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الأنفال:22].
أي: الصمُّ عن سماع الحق، البُكْمُ عن فهمه، والنطق به.
ووصفهم بأنهم: (لَا يَعْقِلُونَ) أي: ليست لهم عقولٌ صحيحة يفكرون بها في العواقب، وإنما عقولُهم لا تعدو التفكيرَ بحاضرهم الدنيوي، وملاذهم العاجلة، فهم كالبهائم التي لا هَمَّ لها إلا فيما تأكلُ في بطونها، ولا تفكر في مستقبل، ولا تستعدُّ لحياة أخرى، لكنهم شرٌّ من البهائم؛ لأنَّ البهائم مطيعة لله فيما خلقها له، وهؤلاء خُلقوا للعبادة فكَفَرُوا، ولهذا قال سبحانه: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].
عبادَ الله: إنَّه مطلوب من المسلم: أن يستمعَ إلى كلام الله إذا يُتلى، والاستماعُ إلى أحاديث رسوله إذا تُروى استماعَ تفهُّم، وإدراكٍ لمطالبهما، ثم بعد الاستماع والفهم لكلام الله، وكلام رسوله، يتَّجِهُ المسلم إلى العمل بهما، والاستجابة لمطالبهما، وإلاَّ فإن الاستماعَ والفَهْمَ من غير عمل يكونان حجةً على صاحبهما يوم القيامة، قال الله -تعالى-: (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) [المؤمنون:105].
وقال تعالى: (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) [الزمر:59].
واليوم -يا عباد الله- كم نقرأُ ونسمَعُ من الآيات والأحاديث، ونُعْرِضُ عن العمل بما نسمع، مع أنَّ ما نسمعُه ولا نعملُ به، سيكون حجةً علينا يوم القيامة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والقرآنُ حجةٌ لك أو عليك".
ولننظر ما مدى استجابتِنا لنداءات الله المتكررة والمتنوعة في كتابه: يا أيها الناس، يا بني آدم .. يا أيها الذين آمنوا.. يا عباد..
قال بعض السلف: "إذا سمعتَ الله يقولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأَصْغِ لها سمعَك، فإنه خيرٌ تؤمَرُ به، أو شر تُحذَّرُ منه".
وقد أخبر سبحانه: أنَّ ما يأمر به، ويدعو إليه فيه حياةُ القلوب التي تترتب عليها الحياةُ الكاملة السعيدة للأبدان في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24].
قال بعضُ المفسرين: (لِما يُحْيِيكُم) هو القرآن.
وقال بعضُهم: هو الإِسلام؛ لأن فيه حياتَهم من الكفر، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) [الأنعام:122].
وقيل: هو الجهاد؛ لأنَّ فيه عزَّ المسلمين بعد الذُّلِّ، والقوةَ بعد الضَّعف.
ثم توعد سبحانه من لم يستجِبْ لما دعا إليه، فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال:24].
فمن لم يستجب له ولرسوله عاقبَه بصرفِ قلبه، فلا يقبلُ الحقَّ بعدَ ذلك، كما قال تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام:110].
وقال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف:5].
فإيَّاكم أن تَرُدُّوا أمر الله أولَ ما يأتيكم، فيُحالَ بينكم وبينَ قبولِهِ، فإنَّ الله يحولُ بينَ المرء وقلبه، ويقلِّبُ القلب حيثُ يشاءُ، ولهذا كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: "يا مُقَلِّب القلوب ثِّبتْ قلبي على دينِك".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ القلوبَ بين أصبعين من أصابع الرحمنِ يُصَرِّفها كيف يشاء".
عبادَ الله: يقول الله -تعالى-: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر:17-18].
إنَّه مطلوبٌ منا الاستماعُ والاتباعُ، مطلوب منا استماعُ كلام الله وكلام رسوله، فإنَّ من لم يسمع اليوم سيندمُ غداً حين يقول الكفار: (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:10].
مطلوب منا استماعُ الخطب والمحاضرات الدينية، مطلوبٌ منا حضورُ الدروس والندوات لنستمعَ ما يُفيدنا، ونتفقه في ديننا، مطلوبٌ منا استماع البرامج الدينية المفيدة التي تُذاعُ وتصل إلى كُلِّ بيت وإلى كل مكان.
ولكنَّ الكثيرَ منا لا يسمعون ولو سمعوا، فإنهم لا يعقِلُون.
إنَّ الأرض إذا لم ينزل عليها المطرُ، ويصلْ إليها الماءُ ماتت، وكذلك القلوبُ إذا لم يصلْ إليها الوحيُ والذِّكْرُ، عَمِيَتْ ومَرِضَتْ وماتَتْ.
وإذا كان الإِنسانُ لا يحضُر خطبةً، ولا يسمع موعظة، ولا يتلو قرآناً، ولا يقرأُ حديثاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فماذا ستكونُ حاله؟ ومن أينَ يفقَهُ في دينه؟ وكيف يستجيبُ لله ولرسوله؟
إنَّ الاستجابة لا تكون إلا بعد سماع دعوة، والله قد دعانا في كتابه وعلى لسان رسوله، فهو سبحانه يدعو إلى دارِ السلام: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [إبراهيم:10].
ومَنْ سمع دعوةَ الله وجبَ عليه أن يُجيبَ.
(وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف:32].
ومن الناس مَنْ يرفُضُ إجابةَ داعي الله بالكلية، وهؤلاء هم الكفار والمنافقون الذين قالوا: سمعنا وعصينا.
ومن الناس مَنْ يقبَلُ ما يُوافقُ هواه، ويرفُض ما خالفه.
وهذا عبدٌ لهواه، وليس عبدَ الله المُتَّبع لنداء مولاه، قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].
وهذا شبيهٌ بالذين يؤمنون ببعضِ الكتاب، ويكفرون ببعض، فتراه يُدْعَى إلى حُضوِر صلاة الجماعة في المسجد فلا يجيبُ، تراه يُدْعَى إلى تركِ الربا، والرشوة والمعاملات المحرمة ولا يُفَكِّرُ في تركها والابتعاد عنها، تراه يُؤْمَرُ بالمعروف وينهى عن المنكر فلا يمتثلُ، مع أنه يتسمَّى بالدين، ويقول: إنني من المسلمين.
فهذا إنْ سَلِمَ من الكفر لم يسلَمْ من الفِسْقِ والنفاق، وسوءِ الأخلاق.
إنَّ دعوة الله تبلُغُ كُلَّ مكلف بطرقٍ متعددة، من طُرُقِ تلاوة كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن طريقِ الدُّعاةِ إلى الله، من طريق الآمرينَ بالمعروفِ والناهين عن المنكر، ومن طريق المنادين للصلاة في اليوم والليلة خمسَ مرات، وهكذا لا تَمُرُّ لحظةٌ إلا ويسمع الإِنسان داعياً إلى الله، ويُسَجَّلُ عليه أوله ما يقابل به تلك الدعوةَ من إجابةٍ أو رفض، ومن ثواب وعقاب.
عبادَ الله: ومِنَ الناس من يُؤْثِرُ سماع الأغاني والألحان، ومزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن، ويُؤِثِرُ الذهابَ إلى الملاهي والملاعب على الذهابِ إلى المساجد، ويؤثر الاستماعَ إلى المطرب فلان، وإلى الأغنية الماجنة على الاستماع إلى الواعظ، فيكون من الذينَ قال الله فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان:6-7].
نعوذ بالله من الخذلانِ، ومتابعة الهوى والشيطان، وبارَكَ الله لنا ولكم في القرآن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي وعد المطيعين له ولرسوله أجراً عظيماً، وأَعدَّ للمعرضين عنه وعن رسوله عذاباً أليماً، وأشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وكفى بالله عليماً، وأشهد أَنَّ محمداً عبده ورسوله، غَفَرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخَّرَ، وأَتَمَّ نعمته عليه، وهداه صراطاً مستقيماً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّمَ تسليماً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلَمُوا أن هناك موانعَ تحولُ بين العبد وبين الاستجابة لله ورسوله، فاحذروها، منها: التكبُّرُ عن قبولِ الحق كما حَصَلَ من إبليس لمَّا أمرَه الله بالسجود لآدم، فأبى واستكبر، وقال: أنا خيرٌ منه.
وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ الناسِ".
ومعنى: "بطر الحق" دفعُه وعدم قبوله.
ومن موانعِ الاستجابة لله ولرسوله: الحَسَدُ، كما حصل من اليهود لما دعاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإيمان به لم يستجيبوا له، وكفروا به حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيَّنَ لهم الحقُّ.
ومن موانع الاستجابةِ لله ولرسوله: التعصبُ للآراء والمذاهب والتقليد الأعمى لِما عليه الآباء، كما حَصَلَ من اليهود والمشركين، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) [البقرة:91].
وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) [البقرة:170].
ومن موانعِ الاستجابة لله ولرسوله: اتباعُ الهوى، قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص:50].
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمنُ أحدُكم حتى يكونَ هواه تَبَعاً لما جئتُ به".
ومن موانعِ الاستجابة لله ولرسوله: الخوفُ من الناس، وعدمُ الصبر على أذاهم، قال تعالى عن كفار قريش: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) [القصص:57].
فهُم معترفون أنَّ ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الهدى، وأنَّ ما هم عليه ضلالٌ لكنَّهم اعتذروا عن اتباعِهِ بما يخشَوْنَه من أذى الناس، وبخوفِهم على أمنهم أن يتزعزعَ، وهذا من فسادِ التصوُّر، وانتكاس الفِطَرِ، فإنَّ الأمنَ لا يحصُلُ إلا باتباع الهدى، والخوفُ إنما يحصُلُ باتباع الضلال.
وهذا الذي قاله الكفارُ بالأمس هو ما يقوله كثيرٌ من المعاصرين اليوم، حيثُ يقولون: نحن نعلم أنَّ الإِسلامَ هو الدين الصحيح، وأنَّ ما عداه باطلٌ، لكن يمنعنا من اتباعِهِ وتحكيمه خوفُ الدول الكافرة أن تنالَنا بسوءٍ، أو تصفَنا بالرجعية والتخلُّف.
وما عَلِمُوا أنَّ فعلَهم هذا يزيدهم خوفاً وضعفاً وسقوطاً، حتى من أعيُنِ أعدائهم، كما قال تعالى: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].
وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ التمس رضا الناس بسَخَطِ الله عليه، وأسخطَ عليه الناسَ".
اتقوا الله -عباد الله- واحذَرُوا من أسبابِ سَخَطِهِ، وتمسَّكُوا بكتاب ربِّكم وسنة نبيكم، فإنَّ خيرَ الحديث كتاب الله... إلخ.