الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | العقيدة - أهل السنة والجماعة |
إنَّ صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم مكانتهم الرفيعة عند أهل السنة والجماعة، ولهم منزلتهم العالية في قلوبهم؛ فقد أعطاهم أهل السنة حقهم غير منقوص، وأنزلوهم منزلتهم التي تحقونها، وجعلوا محبتهم أصلا من أصولهم، ومودتَهم قربة يتقربون بها إلى الله، وعلامةً فارقة بين أصحاب المنهج السليم وبين...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
معاشر المؤمنين: إنَّ صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم مكانتهم الرفيعة عند أهل السنة والجماعة، ولهم منزلتهم العالية في قلوبهم؛ فقد أعطاهم أهل السنة حقهم غير منقوص، وأنزلوهم منزلتهم التي يستحقونها، وجعلوا محبتهم أصلا من أصولهم، ومودتَهم قربة يتقربون بها إلى الله، وعلامةً فارقة بين أصحاب المنهج السليم وبين المبتدعة السالكين سبيل الجفاء أو الإفراط، وتتجلى واضحة عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة فيما يأتي:
أنهم يوجبون توقير الصحابة ومحبتهم، ولزوم سبيلهم، وتتبعهم آثارهم والأخذ بها، ويحرمون بغضهم أو سبهم أو النيل منهم؛ وذلك لما أكرمهم وشرفهم الله تعالى به من مرافقتهم رسوله -صلى الله عليه وسلم- وصحبتهم له، وقيامهم بالجهاد معه في نصرة دين الله، وصبرهم على أذية أهل الشرك والنفاق، وهجرتهم من بلدانهم وتركهم أموالهم؛ لأجل الله وإعلاء كلمته، وكذلك لكونهم قدموا حب الله ورسوله -عليه الصلاة والسلام- على ذلك كله.
وقد تضافرت النصوص على وجوب محبة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فأخذها أهل السنة والجماعة، وفهموها، وجعلوا ما تضمنته فيهم عقيدةً لهم وأوجبوا المحبة لهم على وجه العموم، فرضي الله عنهم وأرضاهم؛ وقد وصانا بهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه"، بل أخبر الصادق المصدوق أن محبتهم من الإيمان وبغضهم من النفاق؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأنصار: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار".
أيها المؤمنون: كما أن أهل السنة والجماعة يعتقدون أن ثبوت الصحبة شرف عظيم لصاحبه، بل ويرون أنها عمل لا يعادله عمل؛ وذلك لما نالوه من شرف الصحبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والدفاع عنه، وسابقة الهجرة إليه ونصرته، وحفظ الشرع المتلقى عنه، ونشره والدعوة إليه، وبذل الأرواح والأموال والديار من أجل ظهوره وهيمنته، ولا شك أن هذا لا يستطيع أحد ممن جاء بعدهم أن ينال ما نالوه ويقدم ما قدموه، ولهذا استحقوا عظيم التوقير والمحبة والتبجيل -فرضي الله عنهم وأرضاهم-.
إخوة الإيمان: ولما ناله صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الشرف والمكانة جعل أهل السنة والجماعة سلامة القلوب والألسن منهم أصلا من أصولهم، بل ملؤا قلوبهم محبة وتقديراً وتعظيما لصحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم يحبونهم، ويقدموهم في الفضل على جميع الخلق، وذلك لكون حبهم من حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحبه -عليه الصلاة والسلام- من حب الله تعالى، كما أنهم صانوا ألسنتهم صانوها من السب والشتم، والتفسيق واللعن، والتكفير، وغير ذلك مما يقوم به المبتدعة والضلال في هذا الباب، فإذا سلمت الألسن من ذلك فإنها ستُملأ بالترضي عنهم، والثناء عليهم والاستغفار لهم.
عباد الله: وإنَّ مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة أنَّه يجب على المسلمين السكوت عن الخوض فيما جرى بين الصحابة من فتن بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-، وأن على المؤمنين أن يستغفروا لمن قتل من الطرفين حين دارت الفتنة، وأن يترحموا عليهم جميعاً، ويحفظوا فضائل الصحابة، وأن يعترفوا بسوابقهم، وأن ينشروا مناقبهم؛ وذلك عملا بقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ)[الحشر:10]، كما يجب عليهم أن يعتقدوا أنهم كانوا كلهم مجتهدين، وأن من أصاب منهم فله أجران: أحدهما لاجتهاده، والآخر لإصابته، ومن أخطأ منهم فله أجر على اجتهاده وخطأه مغفور -بإذن الله تعالى-، ويعتقد أهل السنة والجماعة أن الصحابة ليسوا بمعصومين، بل هم مجتهدون؛ فإن حصل منهم الخطأ فهم لم يتعمدوا ذلك، لكن العصمة تحصل في إجماعهم؛ فلا يمكن أن يكون منهم إجماع على شيء من الكبائر أو الصغائر، فيستحلوها أو يفعلوها.
معاشر المسلمين: وإنَّ من حق صحابة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم كما يقرره أهل السنة والجماعة- على كل أحد يأتي من بعدهم أن يستغفر لهم، ويدعو لهم، ويترحم عليهم؛ وذلك لما كان لهم من قدرٍ عظيمٍ، ولما نالوه من مناقبَ حميدةٍ، وسوابقَ قديمة، ولمحاسنهم المشهورة، ولأن لهم فضلا كبيرا علينا وعلى كل من أتى من بعدهم؛ فعن طريقهم نُقل الدين؛ لهذا كان فضلهم ممتد ومستمر على كل مؤمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة.
إخوة الدين والعقيدة: كذلك من خصائص أهل السنة: اعتقاد ترتيب الخلفاء الراشدين الأربعة في الفضل كترتيبهم في الإمامة؛ فبعد النبي -صلى الله عليه وسلم -كان الإمام هو الصديق أبو بكر، ثم الفاروق عمر، ثم ذو النورين عثمان، ثم أبو السبطين علي -رضي الله عنهم جميعاً-؛ فأهل الدين الحق يعتقدون عقيدة جازمة لا ريب فيها أنَّ أحق الناس بالإمامة وأولاهم بها بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو أبو بكر الصديق، ثم يليه عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم أجمعين؛ فعن عباد السماك قال: "سمعت سفيان الثوري يقول: الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما سوى ذلك فهم منتزون".
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد النّبي الأمي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
عباد الله: تلكم هي عقيدة أهل السنة في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أنهم يعتقدون أن لآلِ بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكانة عظيمة، وهم وسط بين الرافضة الذين رفعوهم فوق قدرهم الذي جعله الله تعالى لهم، وبين من أغفلوا حقوقهم وانتقصوهم.
ولا شك أن أهل السنة يعظمون وصية الحبيب -صلوات ربي وسلامه عليه- في آل بيته؛ التي وصى بها؛ كما روى ذلك زيد بن أرقم -رضي الله عنه-, فقال: "قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة, فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ, ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به, فحث على كتاب الله ورغب فيه, وقال: وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته, ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل, وآل جعفر, وآل عباس، قال: أكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم".
فأهل السنة والجماعة يحبون آل البيت المحبة البالغة؛ بل يوجبونها إيجاباً، ويجعلونها من محبة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، ويتولون جميع آل البيت لا كما يفعل الروافض حيث يتولون البعض منهم ويتهمون البعض الآخر بالفسق.
ومن خصائص أهل السنة أنَّهم يعلمون بما يجب لآل البيت من الحقوق؛ فالله تعالى جعل لهم حقاً في الفيء والخمس، وأمر عباده بالصلاة عليهم تبعاً للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: ومن خلال التأمل في منهج أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته تبين أنهم وسط بين الغالين والمفرِطِين؛ حيث أنهم يعرفون لهم قدرهم وينزلونهم تلك المنزلة التي جعلها لهم ربنا -سبحانه وتعالى- ونبيبنا -صلى الله عليه وسلم- وكذلك لا يفاضلون بينهم إلا ما جاءت النصوص في ذلك ؛كفضل أبي بكر على سائر الصحابة، ثم الخلفاء الراشدين، ثم العشرة المبشرين بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أصحاب الشجرة، وغيرهم ممن ثبت النصوص في حقه.
ألا فاتقوا الله في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتأسوا بهم وسيروا على سبيلهم ومنهجهم تسعدوا، واحفظوا وصيته في أهل بيته تسلموا، وتمسكوا بما ترككم عليه تغنموا.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه؛ فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].