العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
ما زلنا ننعم بشيء من الخير بوجود هذا الجهاز الرسمي فهو مخوَّل مِن قِبل وليِّ الأمر لينهى عن المنكر باللسان واليد، وإلا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل مسلم بحسب قدرته وطاقته. وإذا كان من شأن المنبر: النصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإننا لنطمع في ولاة الأمر أن يعيدوا للهيئة صلاحيتها، ففي ذلك –والله- خير كثير ودفع شر، فما زال أهل الأهواء عبر العصور في ضجَر من هذه الشعيرة ممثلة في جهاز الهيئة، وما يزال الاحتساب والقائمون عليه غصةً في قلوب أرباب الشهوات؛ لأنهم ينغِّصُون عليهم فسادهم وإفسادهم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أقرأ عليكم بعض الرسائل:
جلال من مصر: "هكذا كان الحال حتى أصبح عندنا الشذوذ حرية، والتبرج انفتاحًا، والمنكر ثقافة، يا أهل السعودية أبقوا الوعي حيًّا".
من الكويت: "أنا كويتية، وأقسم بالله أني أحسدكم على الهيئة، تحفظكم وتصون أعراضكم".
رسالة أخرى من تونس: "جربنا مبكرًا في تونس زيف الحرية، وتمكن منا اليسار والليبرالية الحاقدة، فكان التيه والضياع وعم الفساد؛ لا تكرروا التجربة فإنها مُرَّة".
ورسالة من الإمارات: "حينما أمشي في شوارع أبو ظبي أو دبي على سبيل المثال، وأنا أرى العاشق يقبِّل معشوقته على الملأ أحتاج لمثل هيئتكم، حين أرى الروسية وغيرها في أسواقنا لابسة تحت أنظار شبابنا وإخواننا وأبنائنا وآبائنا ربع الشورت، وأنا لا يحق لي أن أحرك ساكنا، ليتنا ننعم بمزايا هيئتكم".
"حينما أخرج باكرًا للحاق بدوامي وأضطر للتوقف في إحدى البقالات لشراء ما يلزمني، وأفاجأ بشارب الخمر يترنح أمامي، ويمارس فن التحرش اللفظي، أصرخ وأقول: محظوظين يا إخوتنا السعوديين؛ لأمثال هؤلاء! لهيئتكم الرادعة لمثل هذا المطرنح".
معاشر الإخوة: النهي عن المنكر علامة خيرية الأمة بنص قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [التوبة: 104].
هذه الآية نسمعها كثيرًا كثيرا، لكن هل تنبهنا هذه الخيرية من يقول بها؟ من الذي يعتبرنا من أجل قيامنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير أمة أخرجت للناس؟ أليس هو الله جل وعلا؟ أليس هو الذي أثنى على الأمة ووصفها بالخيرية تكريمًا لها ورفعًا لقدرها من أجل إقامتها لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
بلى هو كذلك قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران: 110].
هذه شهادة الله -تعالى- للأمة، وشهادة الله أغلى وأعظم وسام، ولهذا جاء حثّه على طريق الفلاح وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله سبحانه: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
أيها الإخوة: لقد أنعم الله -تعالى- علينا ببيئة يتسم السواد الأعظم منها بالمحافظة، وكذلك أنعم علينا بدولة قامت بالحفاظ على هذه الشعيرة العظيمة شعيرة النهي عن المنكر لتكون آية بين الأمم وعلامة فخر وشرف.
ما زلنا ننعم بشيء من الخير بوجود هذا الجهاز الرسمي فهو مخوَّل مِن قِبل وليِّ الأمر لينهى عن المنكر باللسان واليد، وإلا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل مسلم بحسب قدرته وطاقته.
وفي ذلك من أسباب خلاص الأمة من العذاب ما لا يعلمه إلا الله والدليل من القرآن قوله -تعالى-: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 116- 117].
فالنهي عن الفساد في الأرض ينجِّي بإذن الله من الهلاك، الأمر ليس سهلاً، بل لم يُلعن بنو إسرائيل إلا من أجل تركهم لفريضة النهي عن المنكر: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78- 79].
ونتذكر في هذا حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- في صحيح البخاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا".
ففريضة النهي عن المنكر سفينة المجتمع، والصلاح وحده لا يكفي، والطيبة وحدها لا تكفي، بل لا بد من الإصلاح والأخذ على يدي الفاجر والسفيه لدفع البلاء.
ولا شك أننا اليوم في غمرة ما حولنا من أحداث في أمس الحاجة إلى تأييد الله -تعالى- والنجاة من عذابه؛ ففي صحيح الترغيب من حديث حذيفة قال -صلى الله عليه وسلم- "والذي نفسي بيده لتأمُرنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
والنهي عن المنكر المعلَن باللسان واليد شيء مزعج وكريه بالنسبة للمجاهر بالمعصية، ولذا كان المتوقع أن تكون ردود أفعال كثير من أولئك المجاهرين سيئة وبه يتعين الصبر ولذلك قال لقمان لابنه (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان:17].
وأخطاء رجال الحسبة في الهيئة مع كثرة الاحتكاك واردة؛ فلا عصمة لبشر أبداً في تعامله وهم ليسوا وحيدين في أخطائهم، الخطأ يُصحَّح والمخطئ يحاسب، لكن ليسوا وحدهم في أخطائهم، المصالح الأخرى أيضا تعج بالأخطاء في قطاع التعليم، في البلديات، بل حتى في قطاع الصحي، وقد جاء في جريدة المدينة قبل سنتين في 9-4-2014م ما نصه: كشفت وزارة الصحة على أن عدد الأطباء المدعى عليهم في قضايا الأخطاء الطبية في بلدنا بلغ 1759 طبيبًا من مختلف التخصصات"، هكذا ثم تطرقت الصحيفة لتفاصيل الأخطاء.
الحاصل أن أخطاء الآخرين لا تضخم في الإعلام، ولا من فئة الكُتاب المتربصين بالهيئة ورجالها وتدور أخطاء الآخرين في المجالس كما هو الشأن في أخطاء الهيئة، ربما هو مقصود من بعض الناس، ولكن على كل حال نقول: إن ما ينتج من الهيئة من المصالح أضعافَ أضعاف ما يحدث من أخطاء فردية.
أيها الإخوة: ربما لا يرى أكثرنا أو بعضنا من مشاهد الجرائم الأخلاقية أمامه ما هو معلن ولا غرابة؛ فإن الواقع في جملته ليس محصورًا أمام عينيك، فهناك حماة وحرَّاس للفضيلة يعملون في الخفاء، ونحن نيام، فالله أعلم كم من بلاء دفعه الله -تعالى- عنا بفضل النهي عن المنكر.
ويكفي أن تقرير الهيئة للعام قبل الماضي يكشف عن عدد 290894 واقعة ضبطت من قِبل رجال الهيئة من حالات سحر وشعوذة وخمور وخلوات محرمة، وقد بلغت حالات ابتزاز الذئاب البشرية للنساء 1106 حالة ابتزاز ضبطت، ولله الحمد.
فإن من شأن المنبر النصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وإننا لنطمع في ولاة الأمر أن يعيدوا للهيئة صلاحيتها، ففي ذلك –والله- خير كثير ودفع شر، فما زال أهل الأهواء عبر العصور في ضجَر من هذه الشعيرة ممثلة في جهاز الهيئة، وما يزال الاحتساب والقائمون عليه غصةً في قلوب أرباب الشهوات؛ لأنهم ينغِّصُون عليهم فسادهم وإفسادهم.
والعجيب أنه حتى وإن كانت إمكانات الهيئة في الواقع متواضعة وأعداد أفرادها قلة، لكن الله -تعالى- يقذف الرعب في قلوب المخالفين المجترئين على حدود الله فيترددون في ممارسة الفجور بمجرد تذكر وجود الهيئة واحتمالية كشفهم.
ونتذكر في هذا قصة نبي الله سليمان الذي قال عنه سبحانه: (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) [سبأ: 12- 14].
نبي الله سليمان -عليه السلام- وهبَه الله ملكًا عظيمًا، ومن ذلك تسخير الجن فهم يأتمرون بأمره ولا يجرؤ أحدهم على المخالفة (وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) [سبأ: 12].
هناك رادع يردع الجن عن المنكر، وهو وجود سليمان لهم بالمرصاد، ولذلك لما مات لم يعلم الجن بموته إذ كان متكأ على عصاه بحيث منعت بفضل الله وقوعه إلى حين قبل أن تأكلها الأرَضة والجن يدعون علم الغيب فبيَّن الله ضعفهم وعجزهم؛ إذ جعلوا وفاة سليمان وهو بين أيديهم، لكن العجيب هو امتناعهم عن المنكر لمجرد إحساسهم بوجود سليمان بالرغم من موته، وسكون حركته، وهنا العبرة وجود الهيئة بكامل صلاحيتها حتى لو كانت بعيدة ولم تشهد الجريمة الأخلاقية مجرد وجودها في الذهن مبعث رهبة وزجر للخارقين لسفينة المجتمع، ومصدر مراجعة وردع للفاسقين والسفهاء والمتحرشين والمبتزين عن فعل جريمتهم ولو كانوا في معزل.
كما كان سليمان -عليه السلام- ولمدة طويلة بالرغم من موته مصدر ردع للشياطين (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) [سبأ: 14].
أسأل الله -تعالى- أن يديم علينا نعمة الأمة، وأن يهدينا ويهدي ولاة الأمر لما فيه خير البلاد والعباد..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين..