الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | أحمد عبدالرحمن الزومان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
أهل السنة والجماعة وسط في أحكام الفساق من هذه الأمة بين الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة ويخلدون بها في النار وبين المرجئة الذي يقولون لا يضر مع الإيمان معصية فأهل السنة والجماعة يصفون فساق المسلمين أهل الكبائر بالإيمان فيقولون مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يسلبونه مطلق الإيمان هذا حكمه في الدنيا أما حكمه في الآخرة إذا مات مصراً على الكبائر فهو من أهل الوعيد إن شاء عفا الله عنه وإن شاء عاقبه ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70ـ71] أما بعد:
بعد وفاة الرسول وفي آخر الخلافة الراشدة في خلافة أمير المؤمنين على ابن أبي طالب بدأت ملامح التفرق و الاختلاف تظهر بين بعض المنتسبين للأمة الإسلامية وتتخذ لها منهجاً مخالفاً لما كان عليه النبي وأصحابه إما بإفراط وغلو ويتمثل ذلك بظهور فرقة الخوارج أو بغلو في المخلوق وإعطائه أكثر مما أعطاه الله إياه وذلك بظهور مذهب الرافضة ثم ظهرت بدعة القدرية الذين ينفون القدر ودين الله وسط بين الغالي والجافي وهو مذهب أهل السنة والجماعة مذهب السلف الصالح أهل القرون الثلاثة المفضلة فهم وسط بين الفرق التي تنتسب للإسلام كما أن دينهم وسط بين الأديان الأخرى فوسطية أهل السنة والجماعة إنما هي نابعة من وسطية الإسلام الذي يتبعونه فكلما كان الشخص منقاداً لأحكام الإسلام وكان قائده الدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله كان إلى تحقيق الوسطية أقرب من غيره.
فأهل السنة والجماعة وسط في باب أسماء الله و صفاته بين النفاة الذين ينفوا صفات الباري كلها أوبعضها وبين من يثبتها ويمثلها بصفات المخلوقين فأهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات الواردة في كتاب الله والثابتة في سنة رسوله بلا تمثيل ولا تكييف وينزهونه عن مشابهة المخلوق ولا يعطلون النصوص أو يحرفونها كما أخبر عز وجل عن نفسه بقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]. فجمعوا أحسن ما عند الفريقين من التنزيه والإثبات وتركوا ما حادوا به عن الصواب من التعطيل والتشبيه.
أهل السنة والجماعة وسط في أحكام الفساق من هذه الأمة بين الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة ويخلدون بها في النار وبين المرجئة الذي يقولون لا يضر مع الإيمان معصية فأهل السنة والجماعة يصفون فساق المسلمين أهل الكبائر بالإيمان فيقولون مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يسلبونه مطلق الإيمان هذا حكمه في الدنيا أما حكمه في الآخرة إذا مات مصراً على الكبائر فهو من أهل الوعيد إن شاء عفا الله عنه وإن شاء عاقبه لعموم قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) [النساء:48] لكن مآله الجنة باتفاق أهل السنة للنصوص الكثيرة التي فيها دخول العصاة الجنة.
وسبب ظلال الفرقتين أن كل فرقة أخذت نوعاً من النصوص وأهملت ما يقابلها من النصوص الأخرى فأهل التكفير الذين يخلدون المسلمين بالنار بسبب الكبيرة من معتزلة وخوارج اعتمدوا نصوص الوعيد فقط والمرجئة اعتمدوا نصوص الوعد فقط وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فأخذوا بنصوص الوعيد و حملوها على من شاء الله أن يعاقبه لكنه لا يخلده في النار لنصوص الوعد التي يستدل بها المرجئة فمثلاً حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يدخل الجنة قاطع رحم" رواه البخاري ومسلم.
من أدلة من يخلد أهل الكبائر بالنار من معتزلة وخوارج.
وحديث أبي ذر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر" رواه البخاري ومسلم. من أدلة المرجئة الذين يرون أن المعاصي لا أثر لها في العقاب الأخروي وأهل السنة أعملوا النصوص كلها فقالوا حديث جبير بن مطعم ونحوه في عدم دخول العصاة الجنة أي لا يدخلونها أولاً مع المؤمنين الكمل وليس في الحديث أنهم لا يدخلون الجنة مطلقاً أما حديث أبي ذر ونحوه في دخول أهل الكبائر الجنة فهؤلاء يدخلونها بعد التمحيص بالنار للنصوص الأخرى إن لم تداركهم المغفرة وليس في الحديث أنهم يدخلون الجنة ابتداء.
وليس معنى هذا أن أهل السنة لا يكفرون ببعض الأعمال فالتكفير حكم شرعي ثابت في كتاب الله وسنة رسول وإجماع أهل السنة فمن أتى بمكفر قولٍ أو عملٍ وتوفرت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه حكم بكفره كما حكم ربنا عز وجل بكفر المستهزئين بقوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ) (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65-66] وكما حكم النبي بكفر تارك الصلاة.
لكن يجب أن يعلم أن التكفير حكم شرعي يترتب عليه أمور عظيمة فلذا فهو مضبوط بضوابط شرعية من نصوص الكتاب والسنة فلا يقدم عليه أحد بمجرد الهوى أو ممن ليس له رسوخ في العلم الشرعي فالأصل أن من تلفظ بالشهادتين وأقام الصلاة فهو مسلم تجرى عليه أحكام الإسلام في الظاهر إلا إذا ثبت خروجه من الإسلام بيقين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
أهل السنة والجماعة وسط في محبة النبي وتعظيمه فهم يحبون النبي ويفدونه بآبائهم وأمهاتهم يود أحدهم لو رأى النبي بأهله وماله ومحبتهم ليست إدعاء باللسان بل يصدقها العمل امتثالاً لأمر ربهم عز وجل بقوله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران:31] فالآية تمحص صدق المحب من المدعي فمن تابع النبي وتجرد من هوى النفس وطاعة غير النبي من المخلوقين فهذا هو الصادق في المحبة ومن أطاعه في بعض الأمر وعصاه في البعض فهذا غير كامل المحبة.
بخلاف غيرهم من مدعي المحبة الذين يكتفون بإدعاء المحبة باللسان وهم من أبعد الناس عنها فهم لسنته جافون و على البدع عاكفون قد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فهم من (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:104] ظاهوا النصارى في إطراء النبي والغلو فيه حتى جعله غلاتهم بمنزلة الإله فوقعوا فيما نهاهم عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله" رواه البخاري.
أهل السنة والجماعة وسط في علماء الأمة وصالحيها يتقربون إلى الله بحبهم ويوالونهم على قدر تمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم لا يرون العصمة لغير الأنبياء يقبلون الحق منهم ويردون الخطأ بغض النظر عن علو قدر قائله ملتمسين لهم العذر راجين لهم أجر اجتهادهم يسوغون الخلاف بينهم في مسائل الفروع والمسائل الاجتهادية.
يعلمون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً في حياتهم فضلاً بعد مماتهم فلا يقصدونهم لتفريج الكربات و تحقيق الطلبات لا يجعلون قبورهم مزارات يبنون عليها القباب لتزار ويطاف بها وتذبح عندها القرابين
بخلاف من غلا في الأولياء والصالحين وزعم العصمة لهم وجعل منزلتهم فوق منزلة النبوة كالرافضة وغلاة المتصوفة وزعم أن لهم التصرف في الكون ويعلمون الغيب فماذا أبقوا لربهم عز وجل تعالى عما يقولون.
وبخلاف من جفا فتتبع سقطات العلماء والصالحين وحمل كلامهم ما لا يحتمل واتهمهم في نياتهم وأنهم طلاب دنيا يتوصلون للدنيا بالدين. ولا تخلو الساحة من هؤلاء لكنهم قلة ولله الحمد وأمرهم لا يخفى على الناس.
إخوتي: هذا طرف من وسطية أهل السنة والجماعة جعلنا الله منهم وأماتنا على ذلك. فالوسطية عند أهل السنة والجماعة لا تثبت بالرأي و الهوى إنما هي بالدليل من كتاب ربهم أو صحيح سنة نبيهم أو إجماع هذه الأمة المعصومة فهم يتلقون الوسطية من الدليل الشرعي ويسلمون لها ظهرت لعقولهم القاصرة حكمتها أم لم تظهر لا يقابلون النصوص بالرأي و يعرضونها على العقل بل يعرضون العقل ورأي الرجال على الدليل. فليست الوسطية ذريعة لترك إنكار المنكر وعدم الأمر بالمعروف والتفلت من أحكام الله تركاً للواجبات و فعلاً للمحرمات.
إخوتي: ليست الوسطية دائماً هي في الأسهل والأخف وأن ما تهواه النفوس وتميل إليه هو الوسطية بل قد تكون الوسطية في الأشق (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].
أخي: في الختام هاهي وصية أُصِيتَ بها قبل سبعة قرون من أحد علماء أهل السنة والجماعة هو الإمام الذهبي يقول: "إن أحببت يا عبد الله الإنصاف فقف مع نصوص القرآن والسنن ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات وما حكوه من مذاهب السلف فإما أن تنطق بعلم، وإما أن تسكت بحلم ودع المراء والجدال فإن المراء في القرآن كفر كما نطق بذلك الحديث الصحيح".