البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

تعظيم العشر والعمل فيها

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات
عناصر الخطبة
  1. أمنية المفرطين عند الموت .
  2. فضائل أيام العشر من ذي الحجة .
  3. أعمال ينبغي الحرص عليها في عشر ذي الحجة .
  4. التكبير سنة مهجورة يجب أحياؤها .
  5. الترغيب في الأضحية وذكر بعض أحكامها. .

اقتباس

ومِنَ الأَعْمَالِ الخَاصَّةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ : الحَجُّ  وَالْعُمْرَةُ ! فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ..

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً حَمْداً, والشُكْرُ للهِ شُكْرَاً شُكْراً, الحمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالإِسْلَامِ, وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإِيمَانِ, وَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا بِاتِّبَاعِ سَيِّدِ الأَنَامِ, مُحَمِّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَلَامِ, أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وأَشْهَدُ أنَّ مٌحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ, صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ, وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-, وَتَأَمَّلُوا قَوْلَ اللهِ -تَعَالَى-: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)[المؤمنون: 99، 100]؛ فاللهُ -تَعَالَى- يخْبِرُ عَنْ حَالِ الْمُحْتَضِرِ مِنَ الكَافِرِينَ أَوْ الْمُفَرِّطِينَ في أَمْرِهِ -تَعَالى-، أَنِّهُ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ، وشَاهَدَ مَا أُعِدَّ لَهُ مِنَ العَذَابَ قَالَ: "رَبِّ رُدُّونِي إِلَى الدُّنْيَا؛ لَعَلِّي أَسْتَدْرِكُ مَا ضيَّعْتُ مِنَ الإِيمَانِ والطَّاعَةِ"! فَلَا يُجَابُ حِينَئِذٍ إِلَى مَا طَلَبَ وَلَا يُمْهَلُ؛ لِأَنَّ فُرْصَتَهُ قَدْ انْتَهَتْ وَعُمْرُهُ قُد انْقَضَى, فَهَذَا الْمُفَرِطُ يَتَمَنَّى الرُّجُوعَ للدُّنْيَا لَا مِنْ أَجْلِ شَيءٍ إِلَا للعَمَلِ الصَّالِحِ!, فَهَلَّا اعْتَبَرْنَا نَحْنُ وَعَمِلْنَا لِدَارِ النُّقْلَةِ مِا دُمْنَا فِي دَارِ الْمُهْلَةِ؟.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّهَا قَدْ أَقْبَلَتْ عَلَيْنَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ عَظَّمَ اللهُ أَمْرَهَا, وَأَقْسَمَ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا, إِنَّهَا أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ, إِنَّهَا أَفْضَلُ أَيَّامُ السَّنَةِ عَلَى الإِطْلَاقِ؛ كَمَا أَنَّ لَيَالِيَ العَشْرِ الأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ هِيَ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ عَلَى الإِطْلَاقِ, قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر: 1، 2]؛ فالليَالِي العَشْرُ هِيَ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ عَلَى رَأْيِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ, وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج: 28]؛ وَالأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ عَشْرُ ذِي الحِجَّةِ, فَفِيهَا يَحْضُرُ النَّاسُ مَنَافِعَ لَهُمْ؛ مِنْ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ، وَثَوَابِ أَدَاءِ نُسُكِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ، وتَكَسُّبِهم في تِجَارَاتِهِم وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَلِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى ذَبْحِ مَا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي أَيَّامٍ مُعَيَّنةٍ, مِنْ ذَبْحِ الهَدْيِ وَالأَضَاحِي وإِطْعَامِ البُؤَسَاءِ وَالفُقَرَاءِ, عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهَ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ"؛ يَعْنِي عَشْرَ ذِي الحِجَّة, قِيلَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللهِ إلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ"(رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ فِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ, وفِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ, وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ فِي فَضْلِهِمَا خَاصَّة؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ, وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ, فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"(رواهُ مُسْلِمٌ), وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَوْمُ النَّحْرِ, ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ -وَهُوَ الذِي يَلِيهِ-"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحُهُ الأَلْبَانِيُّ), وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ, يَعْنِي الْعَشْرَ", قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

إِنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ, وَإِنَّ أَعْظَمَ مَا يَجِبُ أَنْ نَهْتَمَّ بِهِ مِنَ الأَعْمَالِ هِيَ الفَرَائِضُ, وَأُوْلَاهَا الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ, ثُمَّ نَتَزَوَّدُ مِنَ النَّوَافِلِ بِحَسَبِ القُدْرِةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ, وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ, وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ, وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا, وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا, وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّه"( رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

ومِنَ الأَعْمَالِ الخَاصَّةِ في هَذِهِ الأَيَّامِ: الحَجُّ  وَالْعُمْرَةُ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَمِنْهَا: التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَرْنَاؤُوط).

وَهَذِهِ سُنَّةٌ تَكَادُ تَنْدَثِرُ وَيَنْسَاهَا النَّاسُ, فَأَيْنَ مَنْ يُحْيِيهَا بِالعَمَلِ؟! فَيَكُونُ لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامِةِ, قَالَ البُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي صَحِيحِهِ: "وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ, وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا", وَمِنْ صِيَغِ هَذَا الذِّكْرِ أَنْ تَقُولَ: "اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الحَمْدُ".

والتَّكْبِيرُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ -عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ-: فَالأَوَّلُ: مُطْلَقٌ والثَّانِي: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ, وَلَيْسَ هُنَاكَ تَكْبِيرٌ مَقَيَّدٌ فَقَطْ, وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ ابنِ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-؛ لِحَدِيثِ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)؛ فَالمُطْلَقُ: مِنْ دُخُولِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ, والمُطْلَقُ والمُقَيَّدُ: مِنْ فَجْرِ يَومِ عَرَفَةَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آَخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَمِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي هَذِهِ العَشْرِ: الصِّيَامُ؛ فَإِنَّهُ مَحْبُوبٌ إِلَى اللهِ, وَيَتَجَلَّى فِيهِ الصَّبْرُ والإِخْلَاصُ ومُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَتَرْكُ المَلَذَّاتِ, وَمَنْ تَرَكَ شَيْئَاً للهِ عَوَضَهُ اللهُ خَيْرَاً مِنْهُ, فَلْنَصُمْ الأَيَّامَ التِّسْعَةَ الأُولَى, وَفِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ أَفْضَلُهُا؛ فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَن صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَمِنْ أَجَلِّ الأَعَمالِ التِّي يَنْبَغِي المُحَافَظَةُ عَلَيْهَا المُسْلِمُ عُمُوماً, وَفِي هَذِهِ الأَيَّامِ خُصُوصاً: تُلَاوَةُ الْقُرْآَنِ, فَلَوْ أَنَّكَ جَعَلْتَ خَتْمَةً خَاصَّةً بِالْعَشْرِ, بِحَيْثُ تُقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ لكَانَ هَذَا جَيِّداً, وَلحَصَلْتَ عَلَى أُجُورٍ عَظِيمَةٍ مَضَاعَفَةٍ, أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: 29، 30].

أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ, وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ, وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ, وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النًّبِيِّ الأَمِينِ, وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله -عباد الله- وبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا, فهَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة: 197].

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: وَمِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: الأُضْحِيَةُ؛ وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَدَةٌ جِدَّاً عَلَى القَادِرِ, وَبَعْضُ العُلَمَاءِ أَوْجَبَهَا, فَيُضَحِّي الإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ وِعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ, وَعَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الأَخْذِ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ؛ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ؛ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا", وفِي رِوَايِةٍ: "فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا؛ حَتَّى يُضَحِّيَ"(رواهُمَا مُسْلِمٌ).

وَالْعَشْرُ تُدْخُلُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ ذِي القَّعْدَةِ, فَإِنْ كَانَ شَهْرُ ذُو الْقَعْدَةِ تَامًّا, فَيَمْتَنِعُ مِنَ الأَخْذِ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَلَاثِينَ, وَإِنْ كَانَ نَاقِصاً فَيَمْتَنُعُ بِمَجَرَّدِ عِلْمِهِ بِدُخُولِ الشَّهْرِ.

فَيَجُبُ عُلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ أَحَداً فِي ذَبْحِهَا, خِلَافاً لِمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ, وَلَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ أَنْ يَمْتَنِعُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ, وَمَنْ حَجَّ أَو اعْتَمَرَ أَيَّامَ العَشْرِ فَلَا بَأْسَ مِنْ حَلْقِهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا نُسُكٌ فَلا يَضُرُّهُ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا, اللَّهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ, وَمِنْ قٌلُوبٍ لَا تَخْشَعُ, وَمِنْ نَفُوسٍ لَا تَشْبَعُ, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسْلمينَ, وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ, اللهم احْمِ حَوْزَةَ الدْينِ, اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَ بِلَادِ المسْلِمِينَ وَاحْقِنْ دِماءَهُم, وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ, وَاكْفِهِمْ شَرَّ الأَشْرَارِ وَكَيْدَ الكُفَّارِ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ, اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَارَبَّ العَالَمِينَ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ, والحَمْدُ لِلهِ ربِّ العَالَمِيْنَ.