الشهيد
كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
أيها المؤمنون: لبيان أهمية الوقت، كان الشرع مرتبا على الأوقات، منظما بدقة عجيبة، ليتعود المسلم في ذلك على أهمية الزمن، وأن يرتب وقته. إن العمر هو مناط المحاسبة والمسألة يوم القيامة. وفي ذلك منه سبحانه تربية لنا وتعليم على تنظيم الأعمال، والقيام بها في مواقيتها المحددة. وإذا...
الخطبة الأولى:
أما بعد: فيا أيها الناس: إن من نعم الله على الناس أجمع: نعمة الفراغ، والتي لا يقدرها إلا من تراكمت عليه الأشغال، وامتلأ وقته بالمهمات، فلا يعرف للفراغ طعما، ولا للراحة لذة، ونحن نعيش في هذه الإجازة التي انقضى نصفها تقريبا، مرت سريعا.
فيا ليت شعري كيف قُضيت أوقاتُها؟ هل قتلت دقائقها وثوانيها في مالا فائدة فيه، أم جنيت فيها الفوائد والحسنات، وتحولت إلى كنز ثمين في صحيفة صاحبها؟
معاشر المسلمين: إن الوقت هو عمر الإنسان الحقيقي، ومهما حاول الإنسان قضاء وقته فيما يظن أنه يعود عليه بالنفع، وهو في غير طاعة الله، فسوف يندم عليه يوم يحاسبه ربه، فالوقت والفراغ نعم يحاسب عليها العبد يوم القيامة، أخرج الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة".
هذا إذا كان مجلسا مباحا، فكيف إذا اشتمل على محرم.
هذه الأوقات خزائن يملؤها العبد بما شاء من خير وشر، ثم يوم القيامة تنشر الصحائف ويحاسب العبد على ذلك، أخرج الترمذي في سننه من حديث أبي برزة الأسلمي قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ".
والمعنى أنَّ الإنسانَ لا تزولُ قدمَاهُ عن موقفِ الحسابِ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ، يُسألُ عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ أي ماذا عملتَ منذُ بلغتَ، أدَّيتَ ما فرضَ اللهُ عليكَ واجتنبتَ ما حرَّمَ عليكَ فإنْ كانَ قد فَعَلَ ذلكَ نجا وسَلِمَ وإنْ لم يكنْ فعلَ ذلكَ هَلَكَ.
أيها المؤمنون: لبيان أهمية الوقت، كان الشرع مرتبا على الأوقات، منظما بدقة عجيبة، ليتعود المسلم في ذلك على أهمية الزمن، وأن يرتب وقته.
إن العمر هو مناط المحاسبة والمسألة يوم القيامة، كما في قوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115].
وفي ذلك منه سبحانه تربية لنا وتعليم على تنظيم الأعمال، والقيام بها في مواقيتها المحددة، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)[النساء: 103].
وكما في الحديث الذي أخرجه الشيخان من حديث عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ العمل أَحَبُّ إلى الله -عز وجل-؟ قَالَ: "الصلاة على وقتها".
وإذا أدى المسلم الصلوات الخمس في وقتها المحدد، غرست في سلوكه خلق الحفاظ على الوقت، والدقة في المواعيد، وأداء كل عمل في ميقاته المخصص له.
وكذلك أرشدنا الله -تعالى- في كتابه على أهمية الوقت والتوقيت في حياتنا وأعمالنا، فرسم لنا الأحكام الشرعية، وحدد لنا أوقاتها، وحذرنا تجاوز توقيتها.
وقد رسم الشرع الحنيف التوقيت في تكاليف كثيرة غير الصلاة، فوقّت في أحكام الحج، والزكاة، والصوم، والطلاق، والعدة، والحيض، والنفاس، وغيرها، قال الوزير الصالح يحيى بن هبيرة:
والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظِه | وأراهُ أسهلَ ما عَلَيْكَ يَضيعُ |
قال الشيخ ابن عطاء الإسكندري -رحمه الله تعالى-: "الأنفاس جواهر".
قال ابن القيم -رحمه الله-: "إذا أراد الله بالعبد خيرا أعانه بالوقت، وجعل وقته مساعدا له، وإذا أراد به شرا جعل وقته عليه، وناكده وقته".
معاشر المؤمنين: لقد كان السلف -رحمهم الله- يحرصون على أوقاتهم فيحفظونها من الضياع، حتى كأنهم يعدون أنفاسهم، ولا يثقون في نفس دخل للجوف هل يخرج أم لا، لذا لا يؤخرون أي عمل عن وقته، خشية الفوات، ذكر الخطيب في كتابه: "آداب الراوي": أن سفيان الثوري لما دخل البصر قابل حماد بن سلمة فقال: حدثني حديث أبي العشراء عن أبيه، فحدثه، فلم فرغ اعتنقه وقبله، فقال له حماد: من أنت؟ قال: سفيان، قال: ابن سعيد؟ قال: نعم، قال: الثوري؟ قال: نعم، قال: فما منعك أن تسلم علي أولا؟ قال: خشيت أن تموت قبل أن تحدثني".
فرحم الله السلف كيف كانوا يعرفون للوقت قيمته ولا يؤجلون عملا عن وقته.
اللهم ارزقنا حسن العمل، واستغلال الزمن يا رب العالمين.
أقول قولي...
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: متى عرف الإنسان قيمة الوقت استطاع اغتنامه، بل قاتل عليه، ولم يسمح بمرور لحظة فيما لا يعود عليه بالنفع.
وإن الناظر لسلفنا القارئ في سيرهم يعلم يقينا أنهم هم من عرف قيمة الزمن حقا، وفيما نقل عنهم ما يشحذ الهمة، ويقوي العزيمة على استغلال الوقت، وتدارك ما فات، ولعلنا نمر على طرف من سيرهم في ذلك؛ فمن ذلك: أن المفضّل بن يونس لما رأى محمد بن النضر حزيناً كئيباً، فقال له: ما شأنك؟ قال: مضت الليلة من عمري، ولم أكتسب شيئاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
ولعله فاته ورده من الليل.
وكان الخليل بن أحمد إمام العربية، يقول: "أثقلُ الساعاتِ علي ساعةٌ آكل فيها!"؛ لأنه يرى أن الأكل مضيعة للوقت.
فالله أكبر ما أشد الفَنَاءَ في العلم عنده؟! وما أوقد الغيرة على الوقت لديه!
وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما ندمت على شيء ندمى على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي".
قال الحسن البصري: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك"، وقال: "أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصا على دراهمكم".
وروى القاضي عياض في "الإلماع": "أن الإمام ابن اللباد صلى الصبح بوضوء العتمة ثلاثين سنة! خمس عشرة سنة من دراسة، وخمس عشرة سنة من عبادة".
وجاء في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة الإمام أبي حاتم: يقول عنه ابنه: أنه كان يأكل واقرأ عليه، ويمشي واقرأ عليه، ويدخل الخلاء واقرأ عليه!
وكان ابن عقيل الحنبلي لا يضيع ساعة، ويقول: "لا يحل أن أضيع ساعة من عمري، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين".
وإن أجل تحصيل عند العقلاء، بإجماع العلماء، هو الوقت، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة، قال ابن الجوزي: كان ابن عقيل دائم الاشتغال بالعلم، وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه: "الفنون" مناطا لخواطره.
قال الحافظ الذهبي عن كتابه "الفنون": "لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب".
وقال ابن رجب: "وقال بعضهم: هو ثماني مائة مجلدة!".
إن القليل مع القليل كثير، وما أجمل ما قاله ابن النحاس: "إن ضم القليل إلى القليل مع الدوام عليه يتكون منه الكثير الهائل، وإنما السيل اجتماع النقط".
عباد الله: كم تضيع منا الأوقات في تصفح النت، أو استخدام الواتساب، أو السناب شات وغيرها، كم تضيع أوقاتنا للأسف في متابعة فراغات الناس، وتفاهاتهم.
لو أن الواحد منا خصص له نصف ساعة يوميا لقراءة القرآن مثلا، لختم القرآن كل أسبوعين، ولو اضاف لها نصف ساعة أخرى في مطالعة الكتب، فكم ستثمر؟
إن قراءة نصف ساعة يوميا ليس بالشيء القليل، حيث أنها تمكن الإنسان من أن يقرأ خمسين كتابا متوسطا في السنة، بل إن قراءة نصف ساعة يوميا بشكل منهجي ومركز تمكن الإنسان من أن يصبح معلما للعلم الذي يقرأ فيه؛ لأنه إذا التزم بذلك يقرأ في حدود 900 ساعة في خمس سنوات، وهذه تزيد على ما يقرأه الطالب الجامعي في مادة من المواد الأساسية.
ألا فلنعود أنفسنا ومن تحت أيدينا على استغلال الأوقات ومعرفة قيمتها، ليخرج لنا جيل صالح مثقف، يقود البلاد لما فيه صلاح العباد.
اللهم بارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا واعمرها بالطاعة يا كريم.