الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة |
نقف اليوم مع علم من أعلام التابعين، ومن كبار الفقهاء والعباد، من أهل الورع والخشية، نشأ في طاعة الله، تتلمذ وتعلم على يد سيدنا عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل -رضي الله عنه وأرضاه-، فتعلق هذا التابعي بأستاذه، واستفاد منه كثيراً، حتى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
نقف اليوم مع علم من أعلام التابعين، ومن كبار الفقهاء والعباد، من أهل الورع والخشية، نشأ في طاعة الله، تتلمذ وتعلم على يد سيدنا عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل -رضي الله عنه وأرضاه-، فتعلق هذا التابعي بأستاذه، واستفاد منه كثيراً، حتى قال عنه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لو رآك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحبك، وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين".
أتدرون من هو هذا التابعي؟
أنه الربيع بن خثيم -رحمه الله تعالى- الذي أدرك الصحابة ولم ير النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ونذكر بعضاً من مواقفه الإيجابية، وسيرته العطرة لنهتدي بها، ونقتدي بها في حياتنا: الصورة الأولى: أنه كان الربيع بن خثيم يغض بصره عن الحرام، ففي ذات يوم مر بالخثيم نسوة، فأطرق الربيع رأسه إلى صدره، ونكس رأسه إلى صدره، حتى ظن النسوة أنه أعمى، فقلن النسوة: أعوذ بالله من العمى، وفي ذات يوم قيل له: يا ربيع لم لا تجلس في الطرقات مع الناس؟ فقال: أنا أخشى أن لا أرد السلام، ولا أغض بصري.
انظروا إلى اهتمام الربيع في غض البصر.
إذن، أيننا اليوم من الذين يطلقون أبصارهم في النساء سواء في الشاشات أو الأسواق أو الجوالات في الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي؟
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
"إن العين تزني وزناها النظر" كما بين ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، و "النظرة سهم من سهام إبليس".
والله -عز وجل- أمر بغض البصر، فقال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)[النور: 30]، (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)[النور: 31].
الصورة الثانية: أن الربيع بن خثيم -رحمه الله تعالى- ثبت أمام إغراء النساء، فقد كان الربيع معروفاً بجماله، وكان عمره ما يقارب ثلاثين عاماً، فتواعد بعض الفساق لإفساده وإغوائه، فأرسلوا له امرأة جميلة يزني بها، فتعرضت له تلك المرأة الجميلة، وأبدت له مفاتنها، ووقفت أمامه، فلما رآها الربيع بن خثيم صرخ فيها، قائلاً: يا أمة الله كيف بك إذا نزل بك الموت فقطع حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك يوم تقفين بين يدي الرب العظيم؟ أم كيف بك إن لم تتوب يوم ترمين في الجحيم؟
فخرجت تلك المرأة وولت هاربة تائبة عابدة لله -عز وجل-، حتى أن المرأة لقبت بعد ذلك بعابدة الكوفة، فانظروا إلى إيمان الربيع الذي منعه من الزنا، وتابت المرأة على يده، حري بشبابنا أن يقتدون بالربيع بن خثيم -رحمه الله تعالى-، وقبله نقتدي بسيدنا يوسف -عليه الصلاة والسلام- عندما دعته امرأة العزيز للزنا، فقال: (مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يوسف: 23].
ومن يدعى إلى الزنا ثم تركه خوفاً من الله يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، كما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الصورة الثالثة: لما مرض الربيع بن خثيم -رحمه الله تعالى- كان يطلب من أصحابه يحملونه إلى المسجد حتى يصلي مع الجماعة، وكان أصحابه يقولون: لقد رخص الله لك فأنت مريض لو صليت في بيتك؟ فيقول: نعم رخص الله لي، ولكن سمعت المنادي: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فأريد أن أجيبه ولو زحفاً.
وأين شبابنا وغيرهم من الذين تركوا الصلاة في المساجد ويصلون في بيوتهم مع أنهم في صحة وعافية، ولم يعلموا أن من يصلي في بيته بدون عذر فإنه آثم على الصحيح من أقوال أهل العلم؟
عباد الله: علينا أن نقتدي بالربيع بن خثيم وغيره من السلف الصالح الذين كانوا نجوماً في دينهم حقاً.
نسأل الله أن يرينا الحق حقا، ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم.
فقد سمعنا بعضا من قصص الربيع بن خثيم -رحمه الله تعالى- في تقواه وورعه في غض البصر، وترك الزنا، مع أنه شاب في عنفوان شبابه، لكن لم يمنعه من ذلك إلا إيمانه بالله -عز وجل-، وخوفه من عذاب الله -عز وجل-.
وكذلك اهتمامه رحمه الله بالصلاة حتى مع مرضه.
فعلينا أن نهتم بقصص وسيرة السلف الصالح سواء الصحابة -رضي الله عنهم- أو التابعين، لما فيهم من القدوة الحسنة، والسيرة العطرة؛ لأنهم القدوة المفضلة في الدين والاستقامة؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا للاقتداء بالسلف الصالح، وأن يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ألا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.