البحث

عبارات مقترحة:

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

الأساليب التربوية للأطفال (3) التحفيز والتشجيع

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الأطفال
عناصر الخطبة
  1. وسائل التشجيع والتحفيز (الثناء الحسن، الهدية، تبشير الطفل بالمستقبل المشرق، ملأ سمعه بعبارات الحب، الاعتراف بسابقية الطفل) .
  2. مظاهر تشجيع الأطفال.
  3. التشجيع المحظور .
  4. ثمرات تشجيع الأطفال وتحفيزهم. .

اقتباس

إِنَّ الْأَطْفَالَ بِحَاجَةٍ كَبِيرَةٍ إِلَى التَّشْجِيعِ وَالتَّحْفِيزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْطِي الشُّعُورَ بِالثِّقَةِ وَتَقْدِيرِ الآخَرِينَ لِلْمُتَرَبِّي، وَيُقَوِّي فَاعِلِيَّتَهُ وَانْتِمَاءَهُ لِلْجِهَةِ الَّتِي مَنَحَتْهُ الْفُرْصَةَ لِإِظْهَارِ مَا لَدَيْهِ مِنْ قُدُرَاتٍ، وَيُسَاعِدُ فِي تَكْرَارِ النَّجَاحِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَمْ يَعُدْ خَافِيًا الْيَوْمَ أَنَّ تَرْبِيَةَ الْأَوْلَادِ صَارَتْ مِنَ الشُّؤُونِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى جُهُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ حَتَّى يُفْلِحَ الْوَالِدَانِ فِي هَذِهِ الْوَظِيفَةِ الْجَبَّارَةِ؛ ذَلِكَ أَنَّ الْبِيئَةَ الْمُعَاصِرَةَ لَا تُسَاعِدُ كَثِيرًا عَلَى الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْمَسْؤُولِيَّةِ بِجُهُودٍ يَسِيرَةٍ؛ وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُلْهِيَاتِ، وَتَعَدُّدِ الْمُفْسِدَاتِ، وَانْشِغَالِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِمَطَالِبِ الْحَيَاةِ.

وَالْمُرَبُّونَ -مَعَ كَثْرَةِ مُمَارَسَةِ هَذَا الْفَنِّ، وَدُرْبَتِهِمْ فِي هَذَا السَّبِيلِ- رَأَوْا أَنَّ هُنَاكَ أَسَالِيبَ يُمْكِنُ الِاسْتِعَانَةُ بِهَا عَلَى تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ تَرْبِيَةً نَاجِحَةً، فَذَكَرُوا أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْأَسَالِيبِ الصَّحِيحَةِ:

أُسْلُوبُ التَّشْجِيعِ وَالتَّحْفِيزِ، وَمَعْنَى هَذَا الْأُسْلُوبِ: دَفْعُ الطِّفْلِ بِقُوَّةٍ إِلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ، وَحَثُّهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ، بِوَسَائِلَ مَادِّيَّةٍ أَوْ مَعْنَوِيَّةٍ تُعِينُهُ عَلَى حُبِّ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَالِانْطِلَاقِ إِلَيْهِ، وَالْبَقَاءِ عَلَيْهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْأُسْلُوبَ عَامِلٌ مُهِمٌّ مِنَ الْعَواِمِل الْحَاثَّةِ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ، وَتَرْكِ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ، وَهُوَ أُسْلُوبٌ انْتَهَجَهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ فِي الدَّفْعِ بِالْإِنْسَانِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّنَا نَجِدُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ مَثَلاً يَحُثُّ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ مُشَجِّعًا عَلَيْهِ بِوَسِيلَةِ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِهِ، وَذِكْرِ جَزَائِهِمُ الْحَسَنِ عِنْدَ اللهِ؛ كَقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)[البينة: 7-8].

وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ نَجِدُ تَشْجِيعَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَلَى ذِكْرِ اللهِ -تَعَالَى- بِهَذَا التَّشْجِيعِ الْمُحْتَوِي عَلَى هَذَا الثَّوَابِ الْمُغْرِي: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟" قَالُوا: وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ"(رواه أحمد). وَهَذَا إِغْرَاءٌ كَبِيرٌ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

بَلْ نَرَى هَذَا الْعُنْصُرَ حَاضِرًا فِي شِعْرِ الْعَرَبِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا؛ فَكَمْ مِنْ عَمَلٍ اسْتَعْمَلَ الشِّعْرُ فِيهِ عُنْصُرَ التَّشْجِيعَ فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ، وَدِيوَانُ الْعَرَبِ غَزِيرُ الْمَادَّةِ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:

وَلَوْلَا خِلَالٌ سَنَّهَا الشِّعْرُ مَا دَرَى

بُغَاةُ النَّدَى مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْمَكَارِمُ

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الْأَطْفَالَ بِحَاجَةٍ كَبِيرَةٍ إِلَى التَّشْجِيعِ وَالتَّحْفِيزِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ "يُعْطِي الشُّعُورَ بِالثِّقَةِ وَتَقْدِيرِ الآخَرِينَ لِلْمُتَرَبِّي، وَيُقَوِّي فَاعِلِيَّتَهُ وَانْتِمَاءَهُ لِلْجِهَةِ الَّتِي مَنَحَتْهُ الْفُرْصَةَ لِإِظْهَارِ مَا لَدَيْهِ مِنْ قُدُرَاتٍ، وَيُسَاعِدُ فِي تَكْرَارِ النَّجَاحِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ...وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ أَنْ يَبْذُلَ الْآبَاءُ بَعْضَ الْجُهْدِ فِي تَعَلُّمِ أَسَالِيبِ التَّشْجِيعِ؛ فَهُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُهُمُ اسْتِعْمَالُهَا فِي التَّرْبِيَةِ، وَهُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الْأَنْوَاعِ الْأُخْرَى مِنَ السُّلُوكِ"(كتاب: مقالات وبحوث الدكتور عبد الكريم بكار (ص: 276) ).

وَكَوْنُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ مَجْبُولَةً عَلَى حُبِّ التَّشْجِيعِ، وَخَاصَّةً الطِّفْلَ، فَإِنَّهُ حِينَمَا يَجِدُ مِنْ مُرَبِّيهِ ذَلِكَ يَعُدُّ ذَلِكَ التَّحْفِيزَ وَقُودًا لَهُ لِلْمُضِيِّ نَحْوَ تِلْكَ الْأَعْمَالِ الْحَمِيدَةِ. وَقَدْ أَثْبَتَتِ الدِّرَاسَاتُ "أَنَّ الطِّفْلَ الَّذِي تُشَجَّعُ لَدَيْهِ الْمُبَادَرَةُ -فِي أَقَلِّ تَقْدِيرٍ لَا تُحْبَطُ- يَكُونُ أَكْثَرَ ثِقَةً فِي نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ لَدَيْهِ إِبْدَاعٌ فَسَيَظْهَرُ وَيَنْمُو"(السلسلة التربوية (2) خصائص النمو في مرحلة الطفولة).

وَلِتَشْجِيعِ الْأَطْفَالِ وَتَحْفِيزِهِمْ وَسَائِلُ كَثِيرَةٌ يُمْكِنُ مِنْ خِلَالِهَا حَثُّ الطِّفْلِ عَلَى الْفَضَائِلِ وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّذَائِلِ، وَهِيَ وَسَائِلُ مَعْنَوِيَّةٌ وَمَادِّيَّةٌ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْوَسَائِلِ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ عَلَى الطِّفْلِ، وَمَدْحُهُ، وَأَحْسَنُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمَامَ الْآخَرِينَ؛ حَتَّى يَزْدَادَ نَشَاطًا عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَيَتَشَجَّعَ لِمِثْلِهِ غَيْرُهُ مِنْ إِخْوَتِهِ وَزُمَلَائِهِ.

وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ذَلِكَ مَعَ الْكِبَارِ، فَكَيْفَ بِالصِّغَارِ؟!؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْأَشَجِّ -أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ-: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ". وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ: "إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ" قُلْتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْحِلْمُ، وَالْحَيَاءُ قُلْتُ: قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا؟ قَالَ: "قَدِيمًا". قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ أَحَبَّهُمَا اللهُ.

وَفِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ أَوْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرَ رِجَالَتِنَا سَلَمَةُ"؛ قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عِنْدَ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: "هَذَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الثَّنَاءِ عَلَى الشُّجَعَانِ، وسَائِرِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ صَنِيعِهِمُ الْجَمِيلَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّرْغِيبِ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي الْإِكثَارِ مِنْ ذَلِكَ الْجَمِيلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ يُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ عَلَيْهِ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ"(شرح النووي على مسلم (12/  182) ).

وَمِنْ وَسَائِلِ تَشْجِيعِ الطِّفْلِ أَيْضًا: تَقْدِيمُ الْهَدَايَا الْمُحَبَّبَةِ لَدَيْهِ؛ لِمَا لَهَا مِنْ أَثَرٍ عَلَى نَفْسِ الطِّفْلِ.

وَمِنْ وَسَائِلِ تَشْجِيعِ الطِّفْلِ: تَبْشِيرُهُ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمُشْرِقِ؛ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي عَمِلَهَا؛ فَإِنْ أَنْجَزَ الطِّفْلُ عَمَلاً، أَوْ أُرِيدَ حَثُّهُ عَلَى عَمَلٍ طَيِّبٍ فَلْيَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ سَتَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ الْعُظَمَاءِ الَّذِين يُحِبُّهُمْ، أَوْ سَتَكُونُ عَلَى كَذَا وَكَذَا مِنْ صِفَاتِ الشَّرَفِ.

وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ: مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أَخْرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".

وَمِنْ وَسَائِلِ تَشْجِيعِ الطِّفْلِ أَيْضًا: مَلْءُ سَمْعِهِ بِعِبَارَاتِ الْحُبِّ؛ كَأَنْ يُقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي أُحِبُّكَ فَافْعَلْ كَذَا، وَلَا تَفْعَلْ كَذَا، فَإِنْ أَطَعْتَنِي ازْدَدْتُ لَكَ حُبًّا؛ فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: "يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ" فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا وَاللهِ أُحِبُّكَ، قَالَ: "أُوصِيكَ -يَا مُعَاذُ- لَا تَدَعَنْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"(رواه أبو داود والترمذي).

وَمِنْ وَسَائِلِ تَشْجِيعِ الطِّفْلِ: الِاعْتِرَافُ بِسَابِقِيَّةِ الطِّفْلِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ الْجَمِيلِ إِذَا لَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَخْلُقُ فِي نَفْسِهِ الْحَمَاسَ عَلَى الِازْدِيَادِ؛ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ -يَا أَبَا هُرَيْرَةَ- أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ".

وَمِنْ وَسَائِلِ تَشْجِيعِ الطِّفْلِ كَذَلِكَ: تَشْبِيهُهُ أَوْ تَشْبِيهُ فِعْلِهِ الْحَسَنِ بِمَنْ يُعَظِّمُهُ وَيُجِلُّهُ، فَلَقَدْ كَانَ الطَّبَرِيُّ "غُلَامًا يَجْلِسُ يَتَعَلَّمُ مِنْ شَيْخِهِ، فَكَانَ يَكْتُبُ مَا يَسْمَعُ مِنْ شَيْخِهِ، وَيَنْظُرُ الشَّيْخُ لِكِتَابَتِهِ وَيَقُولُ لَهُ -مِنْ بَابِ التَّشْجِيعِ-: إِنَّ هَذَا الْخَطَّ هُوَ خَطُّ الْعُلَمَاءِ .. حَتَّى أَصْبَحَ عَالِمًا وَسَيِّدَ الْمُفَسِّرِينَ ... مَنْ مِنَّا عِنْدَمَا كَتَبَ ابْنُهُ قَالَ لَهُ مِنْ بَابِ التَّشْجِيعِ:  تَبَارَكَ اللهُ، مَا أَجْمَلَ خَطَّكَ! إِنَّهُ كَخَطِّ الْعُلَمَاءِ، حَاوِلْ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي- وَأَنْتَ الْحكَمُ عَلَى النَّتِيجَةِ"(ولدي قرة عيني أحبك فاحفظ الله يحفظك (ص: 42) ).

أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا تَرْبِيَةً نَاجِحَةً، وَأَنْ يُصْلِحَهُمْ وَيُصْلِحَ بِهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ.

قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: "مَا أَجْمَلَ أَنْ تَتَنَوَّعَ وَسَائِلُ التَّشْجِيعِ وَالتَّعْزِيزِ! فَتَارَةً نُشَجِّعُ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَتَارَةً نُشَجِّعُ الِابْنَ بِإِهْدَائِهِ مَا يَحْتَاجُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ التَّشْجِيعُ بِنُزْهَةٍ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَتَارَةً تَشْتَرِكُ هَذِهِ الْوسَائِلُ وَتَتَعَدَّدُ. وَالْمُحَصِّلَةُ النِّهَائِيَّةُ: دَفْعُ الِابْنِ لِلْمَسِيرِ قُدُمًا فِي طَرِيقِ الْعِلْمِ وَالتَّحْصِيلِ، وَتَهْيِئَتُهُ لِقِيَادَةِ نَفْسِهِ إِلَى مَا يَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ"(الآباء مدرسة الأبناء (ص: 8) ).

"وَمَجَالَاتُ التَّشْجِيعِ كَثِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا: يُشَجِّعُ الْأَبُ ابْنَهُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَعَ جَمَاعَةٍ الْمُسْلِمِينَ، وَيُشَجِّعُهُ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ، وَعَلَى الصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ، وَكَذَلِكَ يُشَجِّعُ الْأَبُ ابْنَتَهُ عَلَى لُبْسِ الْحِجَابِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى تَأْلَفَهُ، وَيُشَجِّعُهَا عَلَى الْحَيَاءِ، وَعَلَى اهْتِمَامِهَا بِشُؤُونِ الْمَنْزِلِ وَقَرَارِهَا فِيهِ، وَمَنْ شَبَّ عَلَى شَيْءٍ شَابَ عَلَيْهِ.

وَيَجْدُرُ التَّنْبِيهُ هُنَا إِلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ؛ وَهُوَ أَنْ نَرْتَقِيَ بِوَسَائِلِ التَّشْجِيعِ الَّتِي نَسْتَخْدِمُهَا مَعَ أَبْنَائِنَا، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا التَّشْجِيعُ بِحَدِّ ذَاتِهِ هُوَ فَائِدَةٌ يَجْنِيهَا الْمُشَجَّعُ، وَأَنْ نَحْذَرَ أَنْ تَكُونَ وَسِيلَةُ التَّشْجِيعِ أَمْرًا مُحَرَّمًا، أَوْ يُؤَدِّيَ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ؛ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ نُشَجِّعَ أَبْنَاءَنَا مَثَلاً إِذَا حَفِظَ أَحَدُهُمْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ أَنْهَى مَشْرُوعًا عِلْمِيًّا أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ تِلْفَازًا أَوْ شَرِيطَ فِيدِيو يَحْتَوِي عَلَى مَحْظُورَاتٍ شَرْعِيَّةٍ"(الآباء مدرسة الأبناء (ص: 7) ).

وَيُنَبَّهُ كَذَلِكَ بِأَنَّ عَلَى الْمُرَبِّي أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي عُنْصُرِ التَّشْجِيعِ لِلطِّفْلِ فَلَا يُبَالِغْ فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِّ الْإِفْرَاطِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَيَضُرُّ الطِّفْلَ، حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى الْغُرُورِ وَاحْتِقَارِ الْآخَرِينَ.

إِنَّ اسْتِخْدَامَ أُسْلُوبِ التَّشْجِيعِ لِلْأَطْفَالِ لَهُ عَوَائِدُهُ الطَّيِّبَةُ عَلَيْهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا؛ فَهُوَ يَحُثُّهُمْ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْجَمِيلَةِ، وَالِانْطِلَاقِ نَحْوَ الصَّلَاحِ وَالِاسْتِقَامَةِ، وَيُسَاعِدُهُمْ عَلَى التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ، وَيُقَرِّبُهُمْ مِنْ مَرَاضِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمُرَبِّينَ، وَيَدْعُو غَيْرَهُمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ.

أَمَّا إِذَا غَابَ عُنْصُرُ التَّشْجِيعِ لِلْأَطْفَالِ -وَلَوْ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ- فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُوَلِّدُ فِيهِمْ ضَعْفَ الْحَمَاسِ، وَقِلَّةَ الْإِقْبَالِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمَحْمُودَةِ، وَيُجَمِّدُ أَذْهَانَهُمْ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ تَكْرَارِ الْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَضْرَارِ وَالْآثَارِ السَّيِّئَةِ.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: وَبَعْدَ هَذَا يَنْبَغِي لِلْآبَاءِ أَوِ الْمُرَبِّينَ أَنْ يُولُوا أُسْلُوبَ التَّشْجِيعِ وَالتَّحْفِيزِ عِنَايَةً بَالِغَةً فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِمْ، فَأَمَامَهُمْ وَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لِذَلِكَ، مُتَذَكِّرِينَ فِي عَمَلِهِمْ هَذَا الْعَواقِبَ الْحَسَنَةَ، غَيْرَ غَافِلِينَ عَنِ الآثَارِ السَّيِّئَةِ إِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ.

جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ التَّرْبِيَةِ الْحَسَنَةِ لِأَطْفَالِنَا، وَجَنَّبَنَا وَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ مَسَالِكَ السُّوءِ، وَعَوَاقِبَ السُّوءِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].