البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الشهر الحرام بالشهر الحرام

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات
عناصر الخطبة
  1. العام الهجري شعور بالعزة والمجد .
  2. إجلال الله وتعظيمه أحرى وأولى في شهر الله المحرم .
  3. شهر الله المحرم يذكرنا بالسنة العمرية الراشدة .
  4. الاعتماد على الأشهر الغربية طمس للهوية الإسلامية .
  5. نجاة الله في اليوم العاشر من شهر الله المحرم .
  6. يوم عاشوراء بين أهل السنة وأهل الروافض .

اقتباس

الشُّهُورُ الإفْرَنْجِيَّةُ شُهُورٌ وَهْمِيَّةٌ غَيرَ مَبْنِيَّةٍ على مَشْرُوعٍ وَلا مَعْقُولٍ وَلا مَحْسُوسٍ، بَلْ شُهُورٌ اصْطِلاحِيَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَقَدْ عُورِضَتْ مِن قِبَلِ الأَحْبَارِ وَالرُّهبَانِ. فَتَأَمَّلْ كَيفَ يُعَارِضُ رِجَالُ دِينِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي تَغْيِيرِها؛ لأنَّهم يَعْلَمُونَ مَا لِذَلِكَ مِنْ خَطَرٍ. وَرِجَالُ دِينِ الإسْلامِ سَاكِتُونَ بَلْ مُقِرُّونَ لِتَغْيير تَوقِيتِ الشُّهُورِ الإسْلامِيَّةِ بَلْ العَالَمِيَّةِ التي جَعَلَهَا اللهُ لِعِبَاد...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي وَسِعَت رَحمَتُه كُلَّ شَيءٍ، وَعَمَّ إحسَانُهُ كُلَّ حيٍّ. أَشهدُ أن لا إِلهَ إلاَّ أَنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ، لَكَ المُلكُ وَلَكَ الحمدُ وأَنتَ على كلِّ شيءٍ قَدِيرٌ. وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُه البَشِيرُ النَّذِيرُ، أَرْسَلَهُ اللهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ. الَّلهم صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عَليهِ وَعلى آلِهِ الكِرَامِ، وَأصحَابِهِ الأعْلامِ وَمَن تَبِعَهُم بِإحسانٍ على الدوام.

أمَّا بعد: فَاتَّقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ-، تَكُونَوا خيرَ عبادِ اللهِ وَأكرَمَهم عليهِ وَأَقْربَهم إليه، واذكروا وقوفـَكم بين يديه: (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا)[النبأ: 40].

أيُّها المؤمنُ: إذا حَلَّ عامٌ هجريٌّ جديدٌ فإنكَ تَشعُرُ بالعزِّ والفَخَارِ بأنَّكَ تنتسبُ لهذا الدِّينِ الْحنيفِ، والتاريخِ الْمَجِيدِ الذي يربطُ ماضِ الأَنْبِيَاءِ جَمِيعَاً بِحَاضِرِهم ومُستقبلِ دِينِهم ودَعوتِهم.

وفي مَطلَعِ عَامٍ هِجريٍّ جَدِيدٍ -بِحمْدِ اللهِ- فَإنَّا نَزْدَادُ تَعْظِيماً وَإجلالاً لِما عَظَّمَهُ اللهُ -سبحانَهُ- وحرَّمهُ، فقد أضافَ الرَّبُّ -جلَّ وعلا- الشَّهرَ الْمُحرَّم إلى نَفْسِهِ تَشريفًا وَتَكْريمًا، وَزَادَهُ إِجْلالا وَتَعظِيمَاً، فهو أوَّلُ الأشهرِ الحُرُمِ التي قَالَ عنها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ)[التوبة: 36].

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قَالَ: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"، قالَ ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما-: "اختصَّ اللهُ الأَشهُرَ فَجَعَلهُنَّ حَرَامَاً وَعَظَّم حُرمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنبَ فيهنَّ أَعْظَمَ وَالعَمَلَ الصَّالِحَ وَالأَجرَ أَعْظَمَ".

ولَمَّا ذكَّرَ اللهُ بعِظَم هذهِ الشُّهور عقَّبَها بتَحرِيمِ الظُّلمِ فيها، ذلِكَ أنَّ الظُّلمَ سببُ كلِّ شرٍّ، فَمَتى فشا في أمَّةٍ آذنَ اللهُ بِأُفُولِها، وفي الحديثِ القُدسي: "يا عبادي، إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسِي، وجعلتُـهُ بينَكم مُحرمًا، فلا تَظَالَمُوا"، وفي الصحيحين أنَّ النّبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلمَ، فَإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يوم َالقيامة".

وأعظَمُ الظُّلمِ -والعِياذُ باللهِ-: الإشراكُ باللهِ -سُبحَانَهُ-، فَهَذَا لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لَهُ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَظُلمٌ آخَرُ لا يترُكُهُ اللهُ -تَعَالَى-، وَهُو ظُلمُ الغَيرِ، فلا بدَّ من أخذِ الحقِّ لِلمَظلُومِ وَلَو بَعْدَ حَينٍ. أمَّا ثَالثُ أنواع ِالظُّلمِ: فهو ظُلمِ العبدِ نَفسَهُ بالمعاصي والسَّيئَاتِ: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم).

فكم منَّا مَنْ يَخُوضُ في غِمَارِ المَعَاصِي، فلا يَعرِفُ مَعروفَاً ولا يُنكِرُ مُنكرَاً؟ فالبَصَرُ نِعمَةٌ، سَخَّرها بعضُنا في نَظَرِ الحرامِ، والسَّمع نِعمَةٌ صَرفها البَعضُ في سَمَاعِ الحرامِ، والنُّطقُ والِّلسانُ نِعمَةٌ سخَّرها البعضُ في قالةِ السُّوءِ! وكُلُّ الأعضاء نِعْمَةٌ! وَسَتَنْطِقُ شَاهِدَةً عَلَينَا وَتَقُولُ: (أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[فصلت: 21].

عِبَادَ اللهِ: شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمِ يذكِّرنا بالسُّنَّةِ العُمَريَّةِ الرَّاشِدَةِ حين جَمَعَ الصَّحَابَةَ وَاسْتَشَارَهُم، فِي وَضْعِ تَأْرِيخٍ يَتَعَرَّفونَ به على أُمُورِهم، وَكَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُلْهَمًا، فَقَالَ: "الهِجْرَةُ فرَّقَتْ بَينَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، فَأَرِّخوا بها".

ثُمَّ اسْتَشَارَهُم فِي أَيِّ شَهْرٍ نَبدَأُ؟ فَاخْتَارُوا المْحرَّمَ وأَجْمَعُوا عليه؛ لأنَّه الشَّهرُ الذي بَايعَ فِيهِ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ عَلى الهِجْرَةِ، فَكَانَ أَولى الشُّهورِ بالأَوَّلِيَّةِ.

وَلِأَجْلِ هَذا كَانُ رَأْيُ عمرَ سَدِيدًا، إذْ جعَلَهُ تَأْريخًا لِهَذِهِ الأُمَّة، تَضبِطُ أَحْدَاثَهَا، ويكونُ شِعارًا لها في عِبَادَاتِها ومُعَامَلاتِها وَأَحْوالِها، فالتَّأريخ الهجريُّ مُرتَبِطٌ بالدِّينِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)[يونس: 5]، فالشَّهرُ القَمَرِيُّ يَعرِفهُ كلُّ النَّاسِ. أمَّا الميلاديُّ فهو مُرتبطٌ بِدينَينِ بَاطِلينِ، وثنيَّةُ الرُّومانِ، التي تُمَجِّدُ الآلِهَةَ المزعومةَ.

وَتَارِيخُ النَّصارى الذي رُبِطَ بميلادِ المسيحِ -عليه السَّلامُ- كذِبَاً وزوراً، من هنا نعرفُ أنَّ تقويمَهم وَضعِيٌّ، غيرَ مَبنيٍّ على أساسٍ كونِيٍّ! بخلاف التَّقويمِ الإسلامِيِّ المرتبطِ بظاهرةٍ كونِيَّةٍ واضِحَةٍ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة: 189].

أيُّها المُسلِمونُ: وإنَّ من المؤسفِ حقَّاً أنْ يَعْدِلَ مُسلِمٌ عن التَّأريخِ الإسلاميِّ الهجريِّ إلى تاريخ النَّصارى الميلاديِّ الذي لا يَمُتُّ إلى دينِنَا بِصِلَةٍ، فالاعتمادُ على الأشهرِ الغَرْبِيَّةِ فقط طَمسٌ للهويَّةِ الإسلاميَّة، ألم يقلْ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى"؟

فيا عبادَ الله: اقدروا للأمرِ قَدْرَهُ، ولا تَتَساهَلُوا فيه، فإنَّ العِزَّةَ باتباعِ سَبِيلِ المُؤمِنينَ. وإنَّ الذُّلَّ والهَوَانَ باتباعِ المُشْرِكِينَ.

ومِمَّا قَالَهُ الشَّيخُ ابنُ العُثيمينَ -رَحِمَهُ اللهُ- في خُطْبَةٍ لَهُ: "الشُّهُورُ الإفْرَنْجِيَّةُ شُهُورٌ وَهْمِيَّةٌ غَيرَ مَبْنِيَّةٍ على مَشْرُوعٍ وَلا مَعْقُولٍ وَلا مَحْسُوسٍ بَلْ شُهُورٌ اصْطِلاحِيَّةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَقَدْ عُورِضَتْ مِن قِبَلِ الأَحْبَارِ وَالرُّهبَانِ! فَتَأَمَّلْ أَيُّها المُسْلِمُ كَيفَ يُعَارِضُ رِجَالُ دِينِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي تَغْيِيرِها؛ لأنَّهم يَعْلَمُونَ مَا لِذَلِكَ مِنْ خَطَرٍ. وَرِجَالُ دِينِ الإسْلامِ سَاكِتُونَ بَلْ مُقِرُّونَ لِتَغْيير تَوقِيتِ الشُّهُورِ الإسْلامِيَّةِ بَلْ العَالَمِيَّةِ التي جَعَلَهَا اللهُ لِعِبَادِهِ. إلى التَّوقِيتِ بِالشُّهُورِ الإفْرَنْجِيَّةِ!" إلى أنْ قَالَ: "عِبَادَ اللهِ: وَاللهِ مَا قَامَتِ الدُّنيا إلاَّ بِقِيامِ الدِّينِ، وَلا نَالَ العِزَّ وَالكَرَامَةَ إلاَّ مَنْ خَضَعَ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَلا دَامَ الأَمْنَ وَالرَّخَاءَ إلاَّ بِاتِّبَاعِ مَنْهَجِ المُرَسَلِينَ؟ وَلَئِنْ اسْتَمَرَّتْ زَهْرَةُ الدُّنْيا مَعَ المَعَاصِي وَالانْحِرَافِ، إنَّ ذَلِكَ لاسْتِدْرَاجٌ يُعْقِبُهُ الإهْلاكُ والإتْلافُ. فَاعْتَصِمُوا بِطَاعَةِ اللهِ عَنْ عُقُوبَتِكُمْ: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31] انتهى كلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.

نَسْألُ اللهَ أنْ يُرِيَنَا الحَقَّ حَقَّاً وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ، وَأنْ يُرِيَنَا البَاطِلَ بَاطِلاَ وَيَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ، وَأنْ يُهَيئَ لَنَا مِنْ أمْرِنَا رَشَدَاً، وَمِنْ ضِيقِنَا مَخْرَجَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ فَادْعُوهُ واسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله تعبَّدنا بالسَّمعِ والطَّاعة، وأمرنا بالسُّنةِ والجَمَاعَةِ. أَشهدُ ألاَّ إله إلاَّ الله وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، من يُطعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَدْ، ومن يَعصِ فَقَد غَوَى. وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه تَرَكَ أُمَّتَهُ على البَيضَاءِ لا يَزيغُ عَنْها إلاَّ أَهلُ الضَّلال والأَهْواءِ. اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على محمدٍ وعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدى بِهَدْيهِ إلى يَومِ الدِّينِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].

أيُّها المؤمنونَ: إذا حلَّ عامٌ هجريٌّ جديدٌ فإنَّهُ يذكِّرنا باليومِ العاشِرِ بيومِ النَّصر العظيمِ يومَ أنْ نجَّى اللهُ موسى -عليه السَّلامُ- ومن معهُ مِن فرعونَ وبَطْشِهِ وظُلمهِ فقد أقرَّ اللهُ أعيُنَ المسلمينَ بهلاكِ أَعْتى الطُّغاةِ وَأَشْقَاهُم، لذا أَخَذَ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على نفسِهِ العهدَ على صِيامِ ذلكَ اليومِ حين وَجَدَ اليهودَ تصومُهُ وقَالَ: "فَأَنَا أحقُّ بموسى منكم" فصامَهُ وأَمَرَ بصيامِهِ، وقالَ: "لئن عشتُ إلى قَاِبٍلٍ إنْ شَاءَ اللهُ لأُصُومَنَّ التَّاسعَ". ولمَّا سُئِلَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عن فَضْلِه قَالَ: "صَومُ يومِ عَاشُورَاءَ إنِّي أحتسبُ على اللهِ أنْ يكفِّرَ السَّنةَ المَاضِيَةَ". قال ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ".

فاجتهد -أخي- في صيام التَّاسعِ مَعَ العَاشرِ فَقَدْ قَالَ العُلمَاءُ: وَلَعلَّ السَّبَبَ في صومِ التَّاسعِ مع العاشرِ ألاَّ نَتَشَبَّهَ بِاليهَودِ في إفرادِ العاشرِ.

وعلى هذا فَصِيامُ عَاشُورَاءَ عَلى مَرَاتِبَ أَدْنَاهَا أَنْ يُصامَ يَومُ الاثْنِينِ القَادِمِ وَحدَهُ، وَفَوقَه أَنْ يُصامَ التَّاسعُ مَعَهُ، وأكْمَلُها أنْ يُصامَ التَّاسعُ والعَاشِرُ وَالحَادِيَ عَشَرَ.

عِبَادَ اللهِ: ومن تَعظيمِ الشَّهرِ وبيانِ فَضْلِهِ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ". قال الإمامُ النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وهذا تَصرِيحٌ بأنَّه أفضلُ الشُّهور للصَّومِ".

 

فَاجْتَهِد -أخي المُسلِمَ- فِي صِيَامِهِ وَلو أَيَّامَ الاثنينِ والخَمِيسِ وَأيَّامَ البِيضِ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ.

عبادَ اللهِ: نحنُ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ نَصُومُ عاشوراءَ اقتداءً بسُنَّةِ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَاءَ تَكْفِيرِ ذُنُوبِ سَنَةٍ كامِلَةٍ، وشكراً للهِ -تعالى- على نجاةِ مُوسَى -عليه الصَّلاةُ والسلامُ-، وإغراقِ رَأسِ الطُّغَاةِ. فهل تظنونَ -يا مؤمنونَ- أنْ يحيدَ عن الْهَدِيِّ النَّبويِّ أُنَاسٌ لهم فُهُومٌ وعقولٌ؟ ودينٌ وَتُقَى؟ إي واللهِ لقد تَنَكَّبَ الرَّوافِضُ عن الصِّراطِ، وَعَاثُوا فِي دِينِ اللهِ الفَسَادَ والإفْسَادَ، حَرَّفُوا شَرِيعَةَ اللهِ، وَقَلَّبُوا الحَقَائِقَ وَالأُمُورَ. وَمَعَ الأَسَفِ هَؤلاءِ يَنتَسِبُونَ إلى الإسلامِ كَذِباً وَزُوراً وبُهتاناً وفُجُوراً، ودينُ اللهِ بَرَآءٌ من عقيدتِهم وَصَنِيعِهِم، وَشِركِيَّاتِهِم وخُرافاتِهم وَحُسَينِيَّاتِهم.

إنَّهُمُ الرَّوافِضُ كَذَّابُو مَحَبَّةِ آلِ بيتِ رَسُولِ اللهِ عَليهِ وَعلى آلِهِ وِأَصْحَابِه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَلَمْ تعُد أعمالُهُم سرَّاً، ولا حَبِيسَةَ الْحُسَينِيَّاتِ إنَّما تُبثُّ عبرَ الفضائياتِ للعالم أجمع. فهل يحسنُ السُّكوتُ والتَّغاضِي عَنْهُمْ؟

يا أهل السُّنَّة والجماعةِ: إنَّ الرَّافِضَةَ شوكةٌ في خَاصِرةِ الأُمَّةِ الإسلاميةِ منذُ مَقْتَلِ عُثمَانَ بنِ عفَّانَ -رضي اللهُ عنه وأرضاهُ- إلى جرائِمِهم الباطنيَّةِ والصَّفَويَّةِ حتى بلادَ الحرمينِ الشَّريفينِ لم تَسْلَمْ مِن أَذَاهُم وَفَوضَاهُم، وَفِي الشَّامِ وَحَلَبٍ سَامُوا الآنَ أَهلَها سُوءَ العذابِ بِدَعمِ ومُساندةِ النُّصيريةِ العلويَّةِ، وَأَرْضُ الحِكمَةِ والإيمَانِ لَم تَسْلَمْ مِن الحَوثيِّنَ أذْنَابِ وَأدَواتِ الرَّوافِضِ، فها هم يُحاربُونَ بِلادَ الحَرَمِينِ الشَّرِيفَينِ، ويُشِيعُونَ فِيها الإرْهَابَ وَالفَسَادَ، وإنَّ ربكَ لهم لبالمرصاد: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 10].

فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسألُكَ أَن تُرِيَنَا في غُلاةِ الرَّافِضَةِ يَومًا أَسوَدَاً، اللَّهُمَّ أَحصِهِم عَدَدًا، وَاقتُلهُم بَدَدًا، وَلا تُغَادِرْ مِنهُم أَحَدًا.

اللَّهُمَّ لا تَرفَعْ لهم رَايَةً، وَلا تُبَلِّغْهُم هَدَفًا وَلا غَايَةً، وَاجعَلْهُم لِمَن خَلفَهُم عِبرَةً وَآيَةً.

اللَّهُمَّ وَعَليكَ بِجَمِيعِ أَعدَاءِ دِينِكَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَبرِمْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَمرًا رَشَيدًا، يُعَزُّ فِيهِ أَهلُ طَاعَتِكَ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهلُ معصيتكَ، وَيُؤمَرُ فِيهِ بِالمَعرُوفِ وَيُنهَى عَنِ المُنكَرِ يَا سَمِيعَ الدُّعَاءِ.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

(ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 147].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ وسلِّم تسليماً مزيداً.

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].