الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
العربية
المؤلف | عبدالباري بن عواض الثبيتي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إن اجتماع الكلمة ووحدة الصف وتآلُف القلوب طريق النصر والعز، وأساس التمكين، كما أن التحلي بالصبر والتقوى يُوهِنُ الكيدَ ويرفع الضرَّ، وإن أمن هذه البلاد؛ بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية أساس أمن الأمة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، أحمده -سبحانه- على نعمة الإيمان والدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)[يُونُسَ: 81]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، المبعوث بالرحمة للعالمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، في كل وقت وحين.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، يضع الإسلامُ كلَّ ما أودعه اللهُ في الأرض من ثروات كبيرة، وموارد ضخمة تحت يد البشرية؛ لتحقيق معنى الاستقرار، وكل تكاليف ومقاصد الشريعة وضروراتها جاءت لتثبيت دعائم الاستقرار في حياة البشرية؛ ذلك أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخَلْق، وهذه المقاصد لا بدَّ منها في قيام مصالح الدِّين والدنيا، وإذا فُقدت لم تَجْرِ مصالحُ الدنيا على استقامة، والإسلام رتَّب أشدَّ الوعيد على الإفساد في الأرض، فمَن أفسدَ في الأرض، وقوَّض معاني الاستقرار فهو مفسِد، قد ينال الناسَ بأسٌ مِنْ مكرِ الماكرينَ، وأذًى مِنْ كيدِ الكائدينَ، وذلك ليبتلي اللهُ المؤمنينَ ويكشف المنافقين، وزيف شعاراتهم.
في حياة الأمم محطَّات تُبرز قيمتَها وأصالة معدنها، وتظهر حقيقة الأمم وقت المحن والشدائد صلابة بنيان، ورسوخ فَهْم وعِلْم، محن وشدائد تعصِف بأمم فتسقط وتهوي، وأمم تقوى ويشتد ساعِدُها، وتُعَمَّق جذورها، وتسمو هممها، والشدائد لا توهِن عزمَ الرجال، ولا تفتُّ في عضد الأوطان، ولا تُوقِف عجلة الحياة، فهي تحتضن الأحداثَ، وتتجاوزها وتسمو عليها.
إن الحادث الأليم الذي وقَع قبل أيام في محافظة بقيق وهجرة وخريص، وأسفَر عن أثر في مقدَّرات وثروات الأمة والوطن عمل مأزوم، لن يحقِّق أهدافَه الدنيئةَ، ولن يروم مرادَه الفاسدَ، وسيبوء بالخسران المبين، بفضل الله ثم بيقظة ولاة أمر هذه البلاد، وعزم رجال الأمن وحُرَّاس الثغور، وإذا تجاوَز المفسدون والمخرِّبون الحدَّ وطَغَوْا وبَغَوْا عُومِلُوا بما يردعهم؛ ليستقر حال الوطن وتدور عجلة البناء والتنمية، مع هذه الأحداث تزداد الوحدة تماسكًا، والصفوف تراصًّا، والوطن بصيرة؛ لتحصين الحِمَى واستقرار الأمر وتعزيز الأمن والأمان.
إن هذه البلاد تمر بتحديات عظيمة، تتلاطَم فيها الخطوبُ، وتتشابَك فيها الفتنُ، وهي مستهدَفة لقَطْع جذورها، ووَأْدِها في مهدها؛ فهي معقل الإسلام، ومَأْرِز الإيمان، لكن ليعلم الشانئون أصحاب الأعمال البائسة والأفعال المتشنِّجة أنهم لن ينالوا من أمنها، ولن يزعزعوا كيانَها، ولن يبلغوا مكرَهم، فهي عصية على الطغيان، شديدة البأس على العُدْوَان، بناؤها من الداخل متين، وهي -بحفظ الله- حصن حصين، سيحفظها اللهُ بحفظه، فهي ترفع راية الكتاب والسُّنَّة، التي هي أساس التحكيم، ومرتَكَز التشريع، ومنهج الحياة، ومكمَن التمكين، ومصدر السعادة والفلاح، وهذا يجعل الأمنَ في وطننا متماسِكًا، نُشِيدُ بقوته، وتشرئِبُّ الأعناقُ لتنميته.
الانتماء للوطن أمر غريزي، وحُبّ فطريّ، مستمَدّ من الانتماء إلى الدِّين، فيتوافق معه، وكيف لا يحب الإنسان أرضا عاش في كنفها، وترعرع على ترابها، وارتبط بأهلها وتاريخها، وكيف لا يتألم لما يؤلمها، ويحزن لِمَا يسوؤها، ويسعى لكفِّ يد المعتدين عليها؟ قوة الانتماء للوطن تعزِّز الأمنَ بكل صُوَره، وتقوِّي اللُّحْمة الداخلية التي تحمي ممَّن يريد إحداثَ الفتن والقلاقل في الوطن.
إن اجتماع الكلمة ووحدة الصف وتآلُف القلوب طريق النصر والعز، وأساس التمكين، كما أن التحلي بالصبر والتقوى يُوهِنُ الكيدَ ويرفع الضرَّ، وإن أمن هذه البلاد؛ بلاد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية أساس أمن الأمة، وهي قلبها النابض، وزادها الدافق، والإساءة إليها إساءة لأمن الأمة، وسيبقى جسد الأمة بخير ما دام القلب ينبض، فخير هذه البلاد عميم، وأعمالها الخيِّرة لا تنقطع، والتكاتُف والعمل على استقرارها وتحصينُها من مكر الماكرين، وكيد الكائدين مطلب شرعي، وواجب ديني، والعقلاء يُدركون ذلك، ويُسهمون بوعيهم في إحباط مؤامرات المتربِّصين، وبالعمل على حفظ أمن هذه البلاد، وحفظ أمن الحرمين، ومن حاول الإضرارَ بأمن هذه البلاد فهو يخدُم أعداءَ الملة والدِّين، قال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)[آلِ عِمْرَانَ: 120]، والحقُّ ظاهرٌ ومنصورٌ مهما عَلَتْ دعاوى الباطل، وكثرت ادعاءاته، فالباطل مهتزَّة أركانُه، ضعيف كيانه، سريع هلاكه، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الْأَنْبِيَاءِ: 18]، ومهما اشتدت الخطوب وادلَهَمَّتِ الأحداثُ، ومهما كاد الكائدون، ومكَر أهلُ الشر والباطل، وتربَّص المتربِّصون ونسجوا المؤامراتِ، فإن هذه البلاد حامية الحرمين الشريفين قوية البنيان، شامخة أبيَّة، مَنْ نال مِنْ شموخها ذَلَّ، ومن عاداها هُزِمَ وذَلَّ، ولا غرو في ذلك؛ فالإسلام هو حصنها الحصين، والإيمان هو درعها المتين، وعِزَّتُها في ظل الدِّين، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "نحن كُنَّا أذلَّ قوم، فأعزنا اللهُ بالإسلام"، يرابِط الأبطالُ على الثغور، حماةُ الدِّين والأرض والوطن، يقارِعون العدوَّ ويقرعونه، وهم صامدون بإرادتهم، أقوياء بعزمهم ونفوسهم، لقطع دابر المعتَدِينَ، وضرب معاول الإفساد، ونشيد بالدور الكبير الذي يبذله الرجالُ البواسلُ، المرابِطون على سياج الأمن والثغور في محارَبة الإرهاب وكشف أوكار المخرِّبين، ووأد مخططاتهم، حفظ اللهُ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ من كل سوء ومكروه، قال الله -تعالى-: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قُرَيْشٍ: 3-4].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، العلي القدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلى أن نَلْقَى العليمَ الخبيرَ.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، والمؤمن في الشدائد والمحن تقوى صلتُه بربِّه، ويتعلَّق قلبُه بمولاه، ويلوذ بحماه، اللجوء إلى الله، والافتقار إليه -سبحانه- وسؤاله تفريج الكرب، ورفع المحن، والصدق معه -سبحانه- ديدن المسلم في السراء والضراء.
وإذا افتَقَر المسلمُ إلى مولاه باشَر افتقاره بالعمل، ولزوم الدعاء، وقد تعهَّد -سبحانه- بالاستجابة لمن دعا، يدعو المسلم وهو واثِقٌ مِنْ وَعْدِ خَالِقِه، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 60]، وهو -سبحانه- الحافظ الحفيظ لمن يشاء من الشر والأذى والبلاء، ومن الدعاء الذي علَّمَناه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم استر عوراتي، وآمِنْ روعاتي، واحفظني من بين يديَّ ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتِكَ أن أُغتالَ من تحتي".
ومن استمد القوةَ من الله لا يعرف للضَّعْف معنى، ولا يجد اليأس في نفسه مكانا، فالله هو الناصر والمهيمن، وإليه تصير الأمور، والأمة المسلمة تجمع بين اتخاذ الأسباب والتوكُّل على الله -سبحانه-، ومَنْ وَكَلَ أمرَه إلى الله وفوَّضَه كفاه ربُّه، وحفظه وحماه، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستشرف المستقبلَ بنظرة المتفائل الواثق بوعد الله، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطَّلَاقِ: 3].
ألا وصلُّوا -عبادَ اللهِ- على رسول الهدى، فقد أمرَكم اللهُ بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّكَ حميد مجيد، وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وأراد بلاد المسلمين بسوء فأَشْغِلْهُ بنفسه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء، اللهم إنَّا نسألُكَ الجنةَ وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل.
اللهم أصلح لنا دينَنا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحة لنا مِنْ كلِّ شرٍّ، يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وأوله وآخره، ونسألك الدرجات العلا من الجنة يا رب العالمين، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنَّا وما أنتَ أعلمُ به منا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر لا إله إلا أنتَ، اللهم أنت اللهم لا إله إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء، أَنْزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سُقْيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.
اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفق ولي عهده لكل خير يا رب العالمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ للعمل بكتابِكَ وتحكيم شرعِكَ يا ربَّ العالمينَ، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180].