البحث
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أركان الإيمان |
أعداء هذه الأمة يتربَّصون بها الدوائر, ويريدون تشتيت الأمة وتقسيمها, ويجعلون خارطة للشرق الأوسط جديدة, وذلك من خلال المكائد التي يكيدونها لهذه الأمة, ومن خلال إشعال نيران الفتن من أجل تفريقها, على مبدأ: "فرِّق تسد". كلُّ هذا من أجل سلب خيرات هذه الأمة, بعد أن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: من خلال الأمانة التي أنيطت في عنق الإنسان, بقوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ)[الأحزاب: 72].
ومن خلال قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "ما من عبد يخطب خطبة إلا الله -عز وجل- سائله عنها -أظنه قال- ما أراد بها"(رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي مرسلاً بإسناد جيد).
من هذا المنطلق, ومن خلال الفتنة التي تمرُّ فيها الأمة العربية والإسلامية: يجب علينا أن نقول كلمة الحق, والتي نبتغي منها مرضاة الله -عز وجل-, ولكن بين يدي هذه الكلمة لا بدَّ أن أذكر بعض الحقائق التي يجب أن لا تغيب عن أذهاننا.
أولاً: مهمَّة العالم -فضلاً عن طلاب العلم-: النصيحة بالكلمة الطيبة, والتي لا يملك طالب العلم والعالم غيرها, وفي الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ, قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ". هذا الذي يملكه العالم وطالب العلم, وينبغي أن يكون خالصاً لوجه الله -تعالى-.
ثانياً: اليهود والنصارى -الصليبية الحاقدة- لا ترضى عن هذه الأمة إلا بالتهوُّد أو التنصُّر, قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].
هذا إذا كان في حق سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, فكيف بالأمة الإسلامية؟
ثالثاً: الدنيا خلقها الله -تعالى- للإنسان, وليس العكس, قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)[الجاثية: 13].
فالإنسان أكرم عند الله -تعالى- من الدنيا بما فيها الكعبة المشرَّفة؛ كما ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أنه نَظَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: "مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ, وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ".
وعندما كان المؤمن أعظم حرمة من الكعبة، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"(رواه الترمذي).
رابعاً: أعداء هذه الأمة يتربَّصون بها الدوائر, ويريدون تشتيت الأمة وتقسيمها, ويجعلون خارطة للشرق الأوسط جديدة, وذلك من خلال المكائد التي يكيدونها لهذه الأمة, ومن خلال إشعال نيران الفتن من أجل تفريقها, على مبدأ: "فرِّق تسد".
كلُّ هذا من أجل سلب خيرات هذه الأمة, بعد أن تهدم هذه الأمة بيوتها بأيديها وأيديهم, وهذا ما نراه في العراق وفي فلسطين وفي ليبيا وفي اليمن, وهذا ما يُراد لسوريا وبقية الدول الإسلامية والعربية.
خامساً: أجهزة الإعلام أغلبها مسيَّس لصالح اليهود والصليبية الحاقدة, لذلك فهي حريصة كلَّ الحرص على نقل ما يثير الفتن ويشعل النيران.
أيها الإخوة الكرام: بعد أن ذكرت لكم هذه الحقائق التي يجب أن لا تغيب عنا وخاصة أيام الفتنة, أقول: يجب على الأمة أيام الفتنة خاصة أن ترجع إلى ما إن تمسَّكت به لن تضلَّ أبداً, ألا وهو: كتاب الله -عز وجل-, وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, والتمسُّك بالكتاب والسنة لا يكون إلا بالأخذ عن وراث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
فالعلماء العاملون ورَّاث الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- هم المتبوعون, والأمة هي التابعة لهم, ولا يصحُّ أن يكون العلماء تابعين للأمة.
ولهذا أقول: من العار على الأمة أن ترمي العلماء العاملين وراثَ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بالنفاق والمداهنة, وأنهم باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل, فإذا رمي العلماء العاملون بذلك فكيف يكون حال العامة من الناس؟
أيها الإخوة الكرام: أقول وبكلِّ صراحة: العلماء العاملون هم طبقة بين الحكام وشعوبهم, وفي الغالب الأعمِّ عند الفتن لا هؤلاء راضون عنهم ولا هؤلاء؛ لأنَّ كلمة الحقِّ مرَّة, وأكثر الناس لا يقبلونها, وإذا ابتعد هؤلاء وهؤلاء عن نصيحة العلماء العاملين وخاصة أيام الفتن, فإن نيران الفتن ستحرق الأخضر واليابس, وسوف يحصد الجميع الحسرة والندامة -لا قدر الله تعالى-.
أيها الإخوة المؤمنون: في أيام الفتن قد يتَّهم الناس بعضهم بعضاً بالكذب والنفاق, وقد يرمي بعضهم بعضاً بالتهم وبيعِ الدين بعرض من الدنيا قليل, ولكن لا يشك أحد من المؤمنين بكلام سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
أيها الإخوة الكرام: لقد أصبحنا نعيش فتناً تجعل الحليم حيران, لذلك لا يسعنا إلا أن نتوجه إلى سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لنأخذ شيئاً من هديه الشريف في أيام الفتنة, وذلك من أجل سلامة ديننا ودنيانا وآخرتنا؛ روى أبو داود في سننه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا, وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا, الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي, فَكَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ, وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ, وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ, فَإِنْ دُخِلَ, يَعْنِي عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ, فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ".
نعم -يا عباد الله- وصية سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أيام الفتن أن نكون قاعدين فيها لا قائمين, فضلاً عن أن نكون ماشين إليها وساعين.
وصية الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في الفتنة أن نعطِّل السلاح الموجود عندنا؛ لأن الأصل فيه أن يكون على عدوِّنا لا على بعضنا البعض, فإن دخلت الفتنة علينا ـ لا قدَّر الله ـ فليكن العبد المؤمن المقتول لا القاتل, كما أرشدنا إلى ذلك الحبيب -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بقوله: "فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ" الذي أشار الله -تبارك وتعالى- إليه بقوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِين * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِين * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[المائدة: 27 - 30].
يا عباد الله: كونوا على حذر من إراقة دم مؤمن, ولا تنسوا بأن أعداء هذه الأمة يصدرون السلاح للطرفين المتخاصمين من الحكومات والشعوب من أجل أن يغرقوهم بالدماء, ثم يغرقوا من سلم من القتل بالديون.
يا سبحان الله! هل وصلنا إلى هذا الحدِّ من الغفلة عن عدوِّنا؟!
يا عباد الله: إن مطالبة الإنسان بحقِّه أمر مشروع, ويجب على الطرف الآخر أن يسمع له, وأن ينصفه بإعطائه حقه, ولكن أقول: ما دام أصحاب الشأن قد فتحوا المجال للأمة أن بسماع مطالبهم, ووصلت جميع المطالب إلى أصحاب الشأن فيها, ففيم الخروج للشارع؟
قلت لكم: إن أجهزة الإعلام مسيَّسة لصالح الصليبية الحاقدة, هل يرضينا أن ننشر خلافاتنا أمام العالم؟ هل يرضنا أن يتدخل الغرب في حلِّ مشاكلنا؟ هل نريد أن تصدر الأوامر من مجلس الأمن من أجل إنصافنا من الطرف الثاني؟
أيها الإخوة الكرام: أقول وبكلِّ صراحة: جور حكامنا ولا عدلهم المكذوب, هؤلاء -والله- ما عرفوا الإنسانية, وما عرفوا العدل ولا الإنصاف, لقد رأينا ما فعلوا في العراق وفي فلسطين وما يفعلون اليوم في ليبيا واليمن, وسائر بلاد العرب والمسلمين, أين عدلهم المزعوم؟
يا عباد الله: يجب على من يطالب بحقِّه -وهذا من حقِّه كما قلت- أن يطالب به بالأدب الذي علَّمنا إياه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, كما قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لسيدنا عمر في قصة زيد بن سعنة: "يَا عُمَرُ، أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا، أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الأَدَاءِ، وتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ"(رواه الطبراني والبيهقي).
طالب بحقِّك بالأسلوب الهيِّن الليِّن؛ لأن الله -تعالى- عندما أرسل سيدنا موسى وهارون -عليهما السلام- إلى فرعون قال لهما: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طـه: 44] فكيف إذا كان الطلب أدنى من ذلك بكثير؟
أيها الإخوة الكرام: احفظوا جيداً قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يــس: 82]، صاحب هذه الإرادة هو الله -تعالى- وحده, هو الذي إذا قال لشيء كن كان, أما البشر فلا, البشر يحتاجون إلى وقت وأسباب.
فيجب على أصحاب الحق من الأمة أن يعطوا المجال لأصحاب الشأن حتى يتمكَّنوا من دراسة طلباتهم وإخراجها قيد التنفيذ.
بعد أن رفعت طلبات الأمة لأصحاب الشأن, ووعدوا بإنجازها لماذا التظاهر بعد ذلك؟
يجب أن لا ننسى بأن هناك من لا يريد حلَّ الأمور بسلام, بل يريد إشعال نار الفتن, لذلك كثرت التظاهرات قبل حلول المواعيد, وذلك من أجل إيقاد نار الفتن, وسفك الدماء -والعياذ بالله -تعالى-.
أيها الإخوة الكرام: مما لا شك فيه ولا ريب بأن هذا الوطن وأرضه وممتلكاته أمانة في أعناق الأمة ستسأل عنها, فلا تدَعوا المجال لأعداء هذه الأمة أن يبرروا دخولهم بلادنا من أجل سفك الدماء وسلب الخيرات, وإشعال نار الطائفية بيننا, هل يرضينا ما يجري في العالم حولنا؟
عباد الله: وصية سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- في أيام الهرج والمرج هي العبادة, قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"(رواه مسلم).
أكثروا من ذكر الله -تعالى- وتلاوة القرآن العظيم وصلاة التهجد والدعاء والتضرع إلى الله -تعالى- في أن يصرف الله البلاء عن هذه الأمة, وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من جميع الفتن.
أيها الإخوة: أكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وخاصة في هذا اليوم يوم الجمعة, صلوا على النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ألف مرة, وفي كل يوم مائة مرة على الأقل, لعله ببركة الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تنكشف الغمة.
اللهم احفظ العباد والبلاد من جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فيا فوز المستغفرين.