البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

وما توفيقي إلا بالله

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. درر من كلام خطيب الأنبياء .
  2. ظلال التوفيق وفضله .
  3. صور من توفيق الله للعبد .
  4. كيف ينال العبد توفيق الله تعالى؟ .

اقتباس

ومن توفيقِ اللهِ على العبدِ: أن يَصبَّ عليه الخيرَ صبَّاً، وتهبُّ عليه رياحُ الرِّضا هبَّاً، فلا تجدُه إلا راضيَّاً بقضاءِ الحكيمِ، مُستبشراً بالغيبِ حُسنَ ظَنٍّ بالكريمِ، يعلمُ أنَّ ما أخطأهُ لم يكنْ ليصيبَه، وما أصابَه لم يكن ليُخطئهُ، ويعلمُ أنَّ النَّصرَ مع الصبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسراً، فهو في يحيا حياةً مُختلفةً، كلَّ ما فيها جميلٌ وحَسَنٌ، وهل يأتي من اللهِ -تعالى- إلا الحَسنُ.

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: وقفَ شعيبٌ -عليه السَّلامُ- يوماً أمامَ قومِه: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)[هود:88]، لا إلهَ إلا اللهُ.. كلماتٌ من ذهبٍ، ولكنْ لا غرابةَ ولا عجبَ، فشعيبُ -عليه السَّلامُ- هو خطيبُ الأنبياءِ، فكيفَ سيكونُ خطيبُ الفُصحاءِ البُلغاءِ؟!

ودعونا نتأملُ في كلمةِ واحدةٍ فقط، وهي قولُه: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)، أيْ: لا توفيقَ لي في إصابةِ الخيرِ والحقِّ والصَّوابِ في أيِّ أمرٍ من الأمورِ إلا من عندِ اللهِ -تعالى-، يقولُ ابنُ القَيِّمِ -رحمَه اللهُ-: "أَجمعَ العارفونَ باللهِ أنَّ التَّوفيقَ هو أن لا يَكِلَكَ اللهُ إلى نَفسِكَ، وأنَّ الخُذلانَ هو أن يُخْلِيَ بينَكَ وبينَ نفسِكَ".

فالعذرُ لي في كلِّ حَالٍ أَنَّني

مِنَ اللهِ مُحتاجٌ إلى التَّوفيقِ

من توفيق اللهِ -تعالى- للعبدِ أن يجعلَهُ ممن إذا أُعطيَ شكرَ، وإذا ابتليَ صبرَ، وإذا أذنبَ استغفرَ، فإنَّ هذه الثَّلاثَ عِنوانُ السَّعادةِ في الدُّنيا والآخرةِ، و"عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ"، فالتوفيقُ ليسَ مجرَّدُ كَلمةٍ تُقالُ، بل هو منهجُ حياةٍ وأقوالٌ وأفعالٌ، هو نشاطٌ يجدُه العبدُ في طاعاتِه وأعمالِه، وهو تسديدٌ يراهُ في أقوالِه وأفعالِه، لا يُعرفُ له سببٌ إلا قولَه -تعالى-: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ).

ذَهبَ الصَّوابُ برأيه فكَانَّما

أَراؤه اشتَقَّتْ من التَّأييدِ

فاذا دَجا خَطبٌ تَبلَّجَ رَأيُه

صُبحَاً مِنَ التَّوفيقِ والتَّسديدِ

التَّوفيقَ تجدُهُ ظاهراً عندَ أصحابِ القلوبِ الصَّادقةِ، والنَّوايا الطَّيبةِ، والمقاصدِ السَّليمةِ، كما قالَ -تعالى- في الزَّوجينِ: (إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا)[النساء:35]، فعندَ إرادةِ الإصلاحِ بالقلوبِ، يأتي التَّوفيقُ من علَّامِ الغيوبِ.

من توفيقِ اللهِ -تعالى- للعبدِ أن يجعلَه حريصاً على العلمِ ومعرفةِ الأسبابِ، ومُجتهداً في معرفةِ سُبلِ الخيرِ والصَّوابِ، واسمعوا لِمن وفَّقَه اللهُ من الأَعرابِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ وُفِّقَ هَذَا"، قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟"، قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ".

ثُمَّ من توفيقِ اللهِ -تعالى- للعبدِ أنَّه يُعينَه على العملِ، بعدَ أن أرشدَه إلى العلمِ، فهل تجدُ في نفسِكَ حبَّاً للعملِ الصَّالحِ والإيمانِ، وكُرهً للكفرِ والفُسوقِ والعِصيانِ؟، إذا كانَ الجوابُ: نعم، فأنتَ ممن وفَّقكَ اللهُ العزيزُ الرَّحمنُ، يقولُ -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ)[الحجرات:7].

قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ- في تفسيرِ هذه الآيةِ: "يُخاطبُ اللهُ -جَلَّ وعَلا- عبادَه المُؤْمِنِينَ، فيقولُ: لولا تَوفيقي لَكُمْ لما أَذْعَنَتْ نُفُوسُكمْ لِلإيمانِ، فلم يَكنِ الإيمانُ بمشورتِكم وتَوفيقِ أَنفسِكم، ولكنِّي حَببتُه إليكم وزيَّنتُه في قُلوبِكم، وكرَّهتُ إليكم ضِدَّهُ الكُفرَ والفُسوقَ"، يا اللهُ! كلماتٌ ومعاني عظيمةٌ.

ولذلكَ ترى أنَّ هناكَ من يعصمْهُم اللهُ -تعالى- عن معصيتِه توفيقاً وتَسديداً، ويُعينُهم على طاعتِه تثبيتاً وتأييداً، ومِثالُ ذلكَ يوسفُ عندما تعرَّضَ لوسائلِ الإغراءِ، جاءَه العونُ والتَّثبيتُ من السَّماءِ، توفيقاً وفضلاً من اللهِ ربِّ العالمينَ، (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)[يوسف:24].

ولكنَّما التَّوفيقُ باللهِ إنَّه

يَخصُّ به من شَاءَ فَضلاً ويُنعمُ

وهناكَ من يخذلُهم اللهُ -سبحانَه- عن الخيرِ تثبيطاً وخُذلاناً، وذلك لأنَّهم تركوا طاعتَه إعراضاً وعِصياناً، ومِثالُ ذلكَ ما كانَ من المُنافقينَ عندما تكاسلوا عن الخروجِ للجهادِ، فقالَ فيهم: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)[التوبة:46].

ومن توفيقِ اللهِ -تعالى- للعبدِ أن يَجعلْ له من أزواجِه وذريَّتِه قُرَّةَ العَينِ، وأن يُعينَه على برِّ والديهِ وصِلَّةِ الأقربينَ، فتجتمعُ له بهذه الفضائلِ الجميلةِ: طولُ العُمُرِ، وبركةُ الرِّزقِ، وبهجةُ الحياةِ، وبحبوحةُ الجنَّةِ، فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

ومن توفيقِ اللهِ -تعالى- للعبدِ أن يوفِّقَهُ لجميلِ الخِصالِ، فيزدادَ بأخلاقِه الحَسنةِ جمالاً على جمالٍ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ -تعالى- وَرَسُولُهُ"، قَالَ: فَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللهِ؟، قَالَ: "الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ"، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَجَبَلٌ جُبِلْتُ عَلَيْهِ، أَمْ تَخُلُّقًا مِنِّي؟، قَالَ: "لا، بَلْ جُبِلْتَ عَلَيْهِ"، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

فإذا اجتمعَ للعبدِ عَفوٌّ وحِلمٌ، وفَضلٌ وعِلمٌ، أدركَ درجةَ الصائمِ القائمِ بحُسنِ الخُلُقِ، وما مِنْ شَيءٍ في الميزانِ أَثقلُ من حُسنِ الخُلُقِ.

ومن توفيقِ اللهِ على العبدِ أن يَصبَّ عليه الخيرَ صبَّاً، وتهبُّ عليه رياحُ الرِّضا هبَّاً، فلا تجدُه إلا راضيَّاً بقضاءِ الحكيمِ، مُستبشراً بالغيبِ حُسنَ ظَنٍّ بالكريمِ، يعلمُ أنَّ ما أخطأهُ لم يكنْ ليصيبَه، وما أصابَه لم يكن ليُخطئهُ، ويعلمُ أنَّ النَّصرَ مع الصبرِ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسراً، فهو في يحيا حياةً مُختلفةً، كلَّ ما فيها جميلٌ وحَسَنٌ، وهل يأتي من اللهِ -تعالى- إلا الحَسنُ.

ومن توفيقِ اللهِ -تعالى- للعبدِ أنَّه إذا عاشَ على التَّوفيقِ ماتَ على التَّوفيقِ، فعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ"، فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ"، ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ من يشاءُ، وصدقَ اللهُ: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور:21].

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كلِّ ذَنبٍ فاستغفروهُ، إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وإخوانِه، وسلَّم تَسليماً كثيرًا.

أما بعدُ: فيأتي السُّؤالُ الأهمُّ: كيفَ يستطيعُ أحدُنا أن ينالَ هذا الفضلَ العظيمَ في توفيقِ الخبيرِ الحكيمِ؟

دعونا نُكملُ الآيةَ: (وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإلَيْهِ أُنِيبُ)[هود:88].

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)، فمنْ توكلْ على اللهِ بالنِّيةِ الصَّالحةِ والدُّعاءِ والأخذِ بالأسبابِ، فإنَّ اللهَ لا يردُّ من أدامَ قرعَ البابِ، واسمعوا لهذا الكلامِ الخطيرِ، من عالمٍ بالتَّوفيقِ كبيرٍ، يقولُ ابنُ القيِّمِ -رحمَه اللهُ-: "وعلى قَدرِ نِيَّةِ العبدِ وهِمَّتِه ومُرادِه ورغبتِه في ذلكَ يَكونُ توفيقُه وإعانتُهُ؛ فالمعونةُ من اللهِ تَنزلُ على العِبادِ على قَدرِ هِمَمِهم وثَباتِهم ورغبتِهم ورهبتِهم، والخُذلانُ يَنزلُ عليهم على حَسبِ ذلكَ، فاللهُ -سبحانَه- أحكمُ الحاكمينَ وأعلمُ العَالِمينَ، يَضعُ التَّوفيقَ في مواضعِه اللائقةِ به، والخُذلانَ في مواضعِه اللائقةِ به وهو العليمُ الحكيمُ".

لا إلهَ إلا اللهُ، كلامٌ يهزُّ القُلوبَ هَزَّاً، ويجعلُه يَلتَفتُ يميناً وشِمالاً، فينظرُ هل هو يسيرُ في طَريقِ التَّوفيقِ والسَّدادِ أم لا؟، وهل هو أهلٌّ لتوفيقِ اللهِ أم أنَّه منغمسٌ في الخُذلانِ وهو يَحسَبُ أنَّه يُحسنُ صُنعاً؟

فإذا استشعرنا حاجَتَنا وفقرَنا إلى اللهِ -تعالى- في جميعِ شؤونِنا، وأنَّه لا خيرَ ولا توفيقَ ولا هِدايةَ ولا إعانةَ إلا من اللهِ -تعالى-، كما قالَ: (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر:15]، هناكَ تأتي الإنابةُ الصَّادقةُ للهِ وحدَه لا شريكَ له كما في نهايةِ الآيةِ: (وَإلَيْهِ أُنِيبُ)، فإذا تحقَّقَ هذا، جاءَتْ الهِدايةُ والتَّوفيقُ للعبدِ من اللهِ -تعالى-، كما وعدَ سبحانَه بقولِه: (قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)[الرعد:27].

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ أَرِنَا الحَقَّ حقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَينَا الإيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهِ إلَينَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلِمَا تُحِبُّ مِنَ العَمَلِ وَتَرْضَى.

اللَّهُمَّ رَبِّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيْهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ فِيْهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.