الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة |
إنها كلمات جامعة في الاتِّباع والابتداع، والمتأمل في كتاب الله يجد حديثاً مطولاً عن الاتّباع، ويقف على آيات كثيرةٍ في هذا الباب، ويلفت نظره تنوعُ الاتباع بين محمود ومذموم، وضارٍّ ونافع، بين اتباعِ الهدى والهوى، وبين اتباعِ سنُن المرسلين، وسبيل الذين لا يعلمون. كما يدرك أثر وعواقب الاتباع لهدي الله، وأثر وعواقب اتباع خطوات الشيطان، ويعرض القرآنُ صوراً للمجادلة بين الأتباع والمتبوعين، وكيف يحاول بعضهم البراءة من بعض ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر أنبياء الله ورسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، فهي طريق الهدى، وأمان من الزيغ والهوى، وسبيل إلى الرزق، وسبب لتفكير السيئات، ورفعة الدرجات: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق:5].
معاشر المسلمين: خطب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في المسلمين، فقال: "إنَّ أحسنَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [الأنعام:134]" أخرجه البخاري.
إنها كلمات جامعة في الاتِّباع والابتداع، والمتأمل في كتاب الله يجد حديثاً مطولاً عن الاتّباع، ويقف على آيات كثيرةٍ في هذا الباب، ويلفت نظره تنوعُ الاتباع بين محمود ومذموم، وضارٍّ ونافع، بين اتباعِ الهدى والهوى، وبين اتباعِ سنُن المرسلين، وسبيل الذين لا يعلمون.
كما يدرك أثر وعواقب الاتباع لهدي الله، وأثر وعواقب اتباع خطوات الشيطان، ويعرض القرآنُ صوراً للمجادلة بين الأتباع والمتبوعين، وكيف يحاول بعضهم البراءة من بعض، ويُلقي كلُّ طرفٍ باللائمة على الطرف الآخر، وفي النهاية قالوا: (إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) [غافر:48].
عباد الله: وأصلُ الاتباع وأنفعُهُ ما كان لهدي الله وصراطه المستقيم، وذلك أمان -بإذن الله- من الضلالة والشقوة، كما قال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) [طه:123]، ولا خوف ولا حُزْن عليهم في اتّباع هدى الله: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:38].
وفي اتباع صراط الله، كذلك، أمانٌ من الضياع والفُرقة، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153].
وكيف لا يتبعُ العبدُ سبيل الله وهو الذي خلقه وهو أعلمُ بما يُصلحه: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
ولا يستوي من يتبعُ رضوان الله فيما شرعه، ومَن يستحق غضب الله بإعراضه: (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [آل عمران:162].
فإن قلت: فما الطريقُ الموصلةُ لاتباع هدى الله؟ فالجواب: أنها حاصلة باتباع القرآن (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام:155]، وباتباع المرسلين: (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [يس:21-22]، (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران:31]. وبالجملة؛ فالاتباعُ بالمعروف، والإحسان سيما المؤمنين، وهو في دائرة الاتباع المشروع المحمود؛ وما أحوج البشرية إلى هذا النوع من الاتباع! إنْ في الحياة الدنيا، أو في الآخرة ويوم يقوم الأشهاد.
أما الاتباع المذموم فتتنوع سبلُه، ويتعاظم خطره، ويصابُ أصحابهُ بالخسارة في الدنيا والآخرة؛ ومنه اتباع الشيطان، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور:21]. وخطوات الشيطان يدخل فيها سائرُ المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن، كما قال المفسرون.
ومهما بلغ الشيطانُ في الوسوسة والإغراء والإغواء، فيظلُ أثره وكيده ضعيفاً على أهل الإيمان والتُّقى، ويتعاظم أثرُه كلما قلَّ الإيمان.
ومن الاتباع المذموم اتباعُ الهوى، قال تعالى محذراً: (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) [النساء:135]، وقد يصلُ بالمرء إلى أن يتخذ الهوى إلهاً من دون الله: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23].
وكم يُعمي الهوى ويُصمُّ، ويُضلُّ صاحبه في العبادات والمعاملات، وفيما بينه وبين ربِّه، أو بينه وبين خلقه! والعدلُ مطلوب، والإنصافُ للنفس وللآخرين منهج مشروع، ولكنه يحتاج إلى تقوى وصدقٍ وعزيمة.
ومن الاتباع المذموم اتباعُ الشهوات والمغريات دون النظر في عواقبها، وترك النفس ترتع فيها كما ترتع البهائم في مرعىً قد يكون فيه حتفُها، بل يوجد في بعض نباته موادُّ سامةٌ مهلكةٌ لها.
أجل! كم انحرف من البشر بسبب اتباع الشهوات المحرمة، فالنفسُ مولعةٌ بحب العاجل، وفي فِطر الناس حبٌّ وميلٌ للشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث... ونحوها.
ولكن؛ فيما أحلَّ الله غنية عن ما حرم، وفي الطيبات كفايةٌ عن الخبائث، وليست هذه الدنيا نهاية المطاف حتى يَعُبَّ المسلم من الشهوات ما شاء، ونصيبُ المؤمنين من هذه الملاذ في الآخرة يفوق أضعافاً مضاعفة، ما يحصل عليه أهلُ الشهوات في الدنيا: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17].
وإذا لحق الوعيدُ للمتبعين للشهوات -كما قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) [مريم:59]- فقد أخبر الله عن الوسيلة الواجبة وحكم بالنتيجة فقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41].
وللعلماء العارفين حديثٌ مستفيض عن آثار الشهوة المحرمة وعواقبها المُرّة على صاحبها في الدنيا، وما ينتهي إليه عبيدُ الشهوات في الآخرة أشدُّ وأنكى.
عباد الله: ولجهل الإنسان وقصور علمه أحياناً، أو تغليب هوى النفس على مراد الله أحياناً أخرى، فقد يتبع المرءُ الظنون ويتخلى أو يضعف استمساكهُ بالحقِّ اليقين، واتباع الظنِّ من أنواع الاتباع المذموم، قال تعالى حاكياً عن المشركين: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم:23].
والظنُّ لا ينفعُ من الحقِّ شيئاً، ولا يقوم مقامه، كما قال تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [النجم:28].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، وفَّق من شاء من عباده لاتباع صراطه المستقيم، وتفرقت السبلُ بأقوام ضلوا السبيل، أحمده تعالى وأشكره وأُثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى إخوانه وآله.
أيها المسلمون: ومن الاتباع المذموم التعلقُ بعادات الآباء وتقاليد الأجداد، وإن كانت مخالفة لشرع الله، والتحاكم إلى السلوك والعوائد الموروثة واعتبارها فيصلاً في القضايا والخصومات؛ كلُّ ذلك ضربٌ من ضروب الجاهلية، ونوع من الاتباع المذموم.
وقد ذم القرآن أولئك الذين تعلقوا بما عليه آباؤهم وحالت بينهم وبين التسليم والاتباع لشرع الله، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة:170].
ولقد شكَّل الاقتداءُ بما عليه الآباء حاجزاً دون اتباع المرسلين، وقيل لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وهو يعاني من هذه التبعية الممقوتة: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [الزخرف:23-25].
وهكذا -إخوة الإيمان- ينبغي أن نفرق بين العوائد والموروثات، وبين العبادات والأحكام المشروعة في التحليل أو التحريم، وبين الطاعة بالمعروف للآباء والأمهات، وبين العصبية لهم، وإن كانوا على خلاف شرع الله.
إخوة الإسلام: ومن التبعية المذمومة على مستوى الأفراد إلى التبعية المذمومة على مستوى الدول والأمم، وفي القرآن والسنة تحذير من تبعية الأمة المسلمة للأمم الكافرة وبخاصة اليهود والنصارى، قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120].
إن التبعية على مستوى الدول والأمم ممقوتة شرعاً وعقلاً، وهي سبيل للضعف والامتهان، بل طريق إلى الاضمحلال والزوال، فكيف إذا كانت المتبوعة كافرةً، والتابعة مسلمة؟! فذلك إزراء بالإسلام وأهله، وشك بهيمنة القرآن وحكمه.
وإذا لم تُغن هذه الأمم الكافرة عن نفسها شيئاً، فكيف تدفع عن غيرها؟! ويوم القيامة يتبرّأ المتبوعون من التابعين، ويحمل كلٌّ منهم وزره على ظهره، كما قال تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) [البقرة:166].
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت:12-13].
إخوة الإيمان: لقد حذّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمّته من متابعة الكفار عامّة، والتبعية لأهل الكتاب خاصة، وتحققت نبوأته في فئام من المسلمين حين قال: "لتتّبِعُنَّ سَنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، أو ذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جُحر ضبٍّ لسلكتموه"، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!" متفق عليه.
عباد الله: أما المخرج من هذه التبعيات المذمومة فهو بالاعتصام بالكتاب والسنة، ولزوم الصراط المستقيم، واتباع هدي المرسلين، والسير على منهج سلف الأمة المهديين، ولزوم سبيل المؤمنين، واتخاذ الشيطان عدواً، ومجاهدة النفس عن الوقوع في الشهوات المحرمة، والبعد عن المـُحْدَثات المبتدعة في الدين.
وبين أيديكم -عباد الله- وصيةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه حين قال: "أُوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، وإنه مَنْ يعشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديين، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثاتِ الأمور! فإن كلَّ بدعة ضلالة" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
يا أهل القرآن: وأختم الحديث هنا بمحاورة عُجلت لنا مشاهدُها مع تأخرِ وقوعها، لنقف منها على تنازع وتلاوم الأتباع والمتبوعين ونهايتهم، يقول تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ:31-33].
ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار، وَقُوا أنفسَكم الحسرة والعذاب ما دمتم في زمن العمل.