الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
العنايةُ بذوي الإعاقةِ والاحتياجاتِ الخاصةِ والقيامُ بحقوقهم منْ أوجبِ الواجباتِ على المجتمعِ الذي يعيشونَ فيهِ، وقد جاءَ الإسلامُ بكثيرٍ من الأحكامِ الّتي تخصّهم، لأنهم جزءٌ من أجزاءِ المجتمعِ المسلم.
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ؛ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعدُ: فاتّقوا اللهَ أيها المؤمنونَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: العنايةُ بذوي الإعاقةِ والاحتياجاتِ الخاصةِ والقيامُ بحقوقهم منْ أوجبِ الواجباتِ على المجتمعِ الذي يعيشونَ فيهِ، وقد جاءَ الإسلامُ بكثيرٍ من الأحكامِ الّتي تخصّهم، لأنهم جزءٌ من أجزاءِ المجتمعِ المسلم.
وكانَ النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- يحثُّ أمتهُ على الاهتمامِ بالضعفاءِ، وأصحابِ الحاجاتِ من المرضَى وأصحابِ العاهاتِ والمبتلينَ بالأمراضِ المزمنةِ، ويؤكّد على قضاءِ حوائجهِمْ، وتيسيرِ أمورِهِمْ، والقيامِ بحقِّهِمْ، قال -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-: "ابْغُونِي الضعفاءَ فإنّمَا تُرْزَقُونَ وتُنْصَرْونَ بضعفائِكُمْ"(رواه أبو داود).
وروى البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنَّ سعداً رأى أنّ لهُ فضلاً على مَنْ دونَهُ فقالَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-: "هل تُنْصَرون وتُرْزَقون إلا بضعفائكم"؟!.
وحذّرَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- أشدّ التحذيرِ منْ تضليلِ الكفيفِ عنْ طريقِهِ عبثاً وسخريةً بهِ فقالَ: "مَلْعُونٌ مَنْ كَمَّهَ أَعْمىً عنْ طريق"(رواه أحمد). وقالَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- في الحديثِ القدسيّ مسلّياً ومخففاً للمبتلى: "يقولُ اللهُ -عزّ وجلّ- منْ أذهبتُ حبيبتيْهِ فصبرَ واحتسبَ لمْ أَرْضَ لهُ ثواباً دونَ الجنةِ"(رواه الترمذي).
أيُّها المؤمنونَ: ولقدْ اهتمّ الخلفاءُ ومَنْ دونَهم بذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ اهتمامًا بالغًا؛ فقد أُثِرَ عن عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنّهُ فَرَضَ لذوي العاهاتِ راتباً من بيتِ المالِ؛ حمايةً لهم من ذُلِّ السؤالِ.
وكذلكَ الخليفةُ الأمويُّ عمرُ بنُ عبد العزيزِ -رحمهُ اللهُ- أمرَ بإحصائِهِم وتخصيصِ قائدٍ مرافقٍ لكلِّ كفيفٍ، وخادمٍ لكلِّ مُقْعَدٍ لا يقوى على أداءِ الصلاةِ وقوفاً.
وكذلك الوليدُ بن عبدِ الملكِ أنشأَ لهم مشفىً خاصّاً بهم، وجعلَ فيهِ الأطباءَ وأجرى لهم الأرزاقَ والنفقاتِ.
وكذلك الخليفةُ العباسيُّ أبو جعفر المنصورُ فقد بنَي مشفىً للمكفوفينَ ومأوى للمجذومينَ وملجأً للعجائزِ في بغداد.
وقد استمرّ اهتمامُ المسلمينَ على مرِّ التاريخِ بهذهِ الفئةِ الكريمةِ التي ابتلاهَا اللهُ -جلَّ وعلَا- امتحانًا، وأعدَّ لها على صبرِهَا أجرًا وثوابًا، واليومَ -وللهِ الحمدُ- نرى العنايةَ الكبيرةَ بهذه الفئةِ في بلادِنَا؛ حيثُ خصّصت لهم الدولةُ دورًا خاصةً، وجَعَلَتْهم يعيشونَ مع المجتمعِ ويؤدُّونَ وظيفتَهم، حالهُم حال غيرِهم من الأصحاءِ، وأصبحوا لا يشعرونَ بأيِّ تمييز، بل أحيانًا يُقَدَّمونَ على غيرِهم في المواقفِ والأماكنِ والوظائفِ.
عبادَ اللهِ: ومنْ صورِ العنايةِ بذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ: وضْعُهم في مكانتِهم اللائقةِ المناسبةِ لاسيّمَا إذا كانوا من ذوي الكفاءاتِ والمواهبِ والإبداعاتِ، وإتاحةُ الفرصةِ لهم ليقوموا بدورِهم في نشاطاتِ الحياةِ والمشاركةِ الفعَّالة في المجتمعِ.
فقدْ كانَ النبيُّ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- يستخلفُ ابنَ أمِّ مكتومٍ -رضي اللهُ عنهُ- على المدينةِ و"كانَ مؤذناً لرسولَ اللهَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- وهو أعمى"(رواه مسلم).
واختارَ النبيُّ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم- معاذَ بنَ جبلٍ -رضِيَ اللهُ عنهُ- وهوَ أعرجُ في إحدى قدميهِ، فأرسلَهُ قاضيًا وأميراً على اليمنِ.
وكانَ عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- كفيفاً وهو حبرُ الأمّةِ وعالمُها الذي لا يُشقُّ له غبارٌ.
وهذا عطاءُ بنُ أبي رباحٍ اجتمعتْ فيه كثيرٌ من الإعاقاتِ، فلمْ تمنعهُ من النبوغِ والتميُّزِ بين أقرانِهِ، فكانَ من أشهرِ علماءِ التَّابعينَ وإمامًا للفتوى ومرجعًا للفقهاءِ وأئمةِ المذاهبِ الفقهيةِ في زمانِهِ.
وفي الأمّةِ كثيرٌ من هؤلاءِ الرجالِ الأفذاذِ في سابقِها ولاحقِها إلى يومِنا هذا منْ ذوي الإعاقةِ مِمّن تميَّزوا في حياتِهم وبذلوا أسبابَ التفوقِ والنبوغِ، ولمْ يستسلموا لواقعِهم، فوفَّقهم اللهُ -تعالى-، وأعانَهم وجَعَلَهُم مقدّمينَ على كثيرٍ منَ الأصحّاءِ الأقوياءِ في كثيرٍ منَ المجالاتِ، ولدينَا شواهدُ واقعيةٌ في بلادِنا. فالإمامُ محمدُ بن إبراهيم، والعلّامةُ شيخُنا عبد الله بنُ حميدٍ، وشيخُنا العلَّامةُ ابنُ بازٍ، وشيخنا العلامة عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للملكة العربية السعودية الحالي، وهم أئمةُ الفتوى والقضاءِ في زمانِهِم وكلُّهم أكفَّاءُ رحمهم الله جميعًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون)[البقرة:155-157].
باركَ اللهُ لِي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ونفعنِي وإيّاكُم بما فيهِ من الآياتِ والذّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكمْ؛ إنّهُ هوَ الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكرُ لهُ على توفيقِهِ وامتنانِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا الله وحدهُ لا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدّاعِي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلموا أنَّ مِنْ أهمِّ الحقوقِ الّتي وضعَهَا الإسلامُ لهذهِ الفئةِ الكريمةِ في المجتمعِ من ذوي الاحتياجاتِ الخاصّةِ، مَا يَلِي:
أولاً: حقّ الإنسانيةِ والكرامةِ: فهوَ فردٌ منْ أفرادِ المجتمعِ المسلمِ، ولهُ مثلُ مَا لغيرِهِ، بلْ يزيدُ حقُّهُ لكونِهِ منْ أصحابِ الحاجاتِ لِمَا تَحمّله منْ إعاقةٍ ومرضٍ.
ثانياً: حقّ الحياةِ الكريمةِ: شأنُهُ شأنُ الصحيحِ، فلا يجوزُ إهانتُه، أو وصمُه بمَا لَا يليقُ، أو احتقارُهُ أو ازدرائُه.
ثالثًا: حقّ المساواةِ وتكافؤِ الفرصِ: بحيثُ تُتَاحُ لهم فرصةُ التعليمِ والتعبيرِ عن مواهبِهِم وقدراتِهِم حسبَ ما وهبهم اللهُ -تعالى- من الهباتِ العقليةِ والجسميةِ والنفسيةِ.
رابعاً: حقّ الرّعايةِ والكفالةِ: حيثُ يقومُ البيتُ والمجتمعُ بأداءِ حقِّ الرّعايةِ ومَا يتبعُهَا من ضرورياتٍ وحاجاتٍ تتعلّق بهم.
خامسًا: حقُّ التعليمِ والتدريبِ والتوجيهِ: وذلكَ بتيسيرِ سبلِ التعليمِ لهم، في حدودِ إمكاناتهمْ وقدراتِهِم.
سادسًا: حقّ التعايشِ في المجتمعِ: بحيثُ يشعرونَ بأهميتِهِم ودورهِم فيهِ، وكمْ منْ هؤلاءِ منْ أثبتَ جدارتَهُ وتفوّقَهُ وإبداعاتِهِ في كثيرٍ منَ المجالاتِ.
سابعًا: حقّ العملِ: فالمجتمعُ يكفلُ لهم الحياةَ الكريمةَ ولا يجعلُهم محتاجينَ لغيرِهمْ.
ثامنًا: حقّ التنقلِ والسفرِ والترفيهِ: وذلكَ بتهيئةِ الطرقِ والسُّبلِ التي تعينهُم على ممارسةِ حياتهم الطبيعيةِ وتمتّعهم بممارسةِ هواياتِهِم التي يحبُّونَهَا.
تاسعًا: حقّ المالِ: فقدْ أوجبَ الشّرعُ أنْ يولَّى عليهِ مَن يرعَى شؤونَهُ إذَا كانَ لَا يستطيعُ أنْ يقومَ بِهَا.
عاشرًا: حقُّ الرِّعايةِ الصّحيّةِ: بتجهيزِ مشافي ومصحات خاصة بهم، لمساعدتِهِم على تجاوُزِ إعاقاتِهِم وأمراضِهِم.
هَذا وصلُّوا وسلّموا على الحبيبِ المصطفى والنبيّ المجتبى محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم الله بذلك فقال جلَّ من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].