الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
الإسلام ـ عباد الله ـ يركز على مبدأ العفة ليحافظ على الشرف والمجد، وليصون السمعة والعرض، وحينئذ يبقى الإنسان بإرادة قوية، ونفس شجاعة، فلا ينقاد للشهوة صاغرًا، ولا يطيعها ذليلاً، بل هو مرتق في سماء الفضيلة، متباعد عن حضيض الرذيلة، واقف بشهواته عند الحد الذي خلقت من أجله، وفق المنظور الشرعي، والمفهوم الأخلاقي.
إخوة الإسلام:
إن دين الإسلام جاء شاملاً لمجامع الخيرات كلِّها، ومتضمنًا لمعاني الفضيلة جميعها، أمر بمعالي الأمور وكريمها، وحذّر من سفاسفها وحطيطها، جاء بكلّ ما يجمّل العبد ويزيّنه، وما يبعده عما يشينه ويدنّسه، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله كريم يحب الكرماء، يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها" رواه الطبراني ورجاله ثقات.
لذا فمن أعظم مقاصد الإسلام، وأكثر أهدافه وأغراضه إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات، والبعد عن الرذائل والقبائح والموبقات، ومن هنا حرص الإسلام على أن ينأى الناس عن الشهوات الحيوانية، والأخلاق الشيطانية، قال تعالى: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور: 33] وقال سبحانه: (وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ) [النور: 60].
في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة أبي سفيان مع قيصر، قال أبو سفيان رضي الله عنه: " ويأمرنا ـ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـ أن نعبد الله وحده لا شريك له، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة" .
وعند الترمذي بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد وعفيف مستعفف، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه" .
إنها عفة الإسلام، التي تضبط سلوكيات الآدميين عن الانحراف إلى مهاوي الرذيلة والانحطاط، وتحفظ إراداتهم وشهواتهم عن الانخراط في الزلل وعدم الانضباط. عفةٌ تتجلى فيها مظاهر الكرامة الإنسانية، وتبدو فيها الطهارة والنزاهة الإيمانية. عفافٌ يمتزج بتحقيق المروءة والعزّة، فحينئذ تقوى النفوس على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب النفسانية، التي تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن العادات، وجميل الصفات، والترفع عن المحَقَّرات والدنيّات.
الإسلام ـ عباد الله ـ يركز على مبدأ العفة ليحافظ على الشرف والمجد، وليصون السمعة والعرض، وحينئذ يبقى الإنسان بإرادة قوية، ونفس شجاعة، فلا ينقاد للشهوة صاغرًا، ولا يطيعها ذليلاً، بل هو مرتق في سماء الفضيلة، متباعد عن حضيض الرذيلة، واقف بشهواته عند الحد الذي خلقت من أجله، وفق المنظور الشرعي، والمفهوم الأخلاقي.
إخوة الإسلام:
وإذ نتحدث عن تلك المعاني السامية في دين الإسلام، فإنه يتجلى للعاقل البصير والمنصف القدير عظم محاسن هذا الدين، وسمو تعاليمه، وهو ينظر في مواطن شتى من عالم اليوم، يفقد فيها العفاف، وتسود فيها الإباحية المطلقة، لا يعرف فيها المرء شرفًا، ولا يقيم للعرض وزنًا؛ أخلاقٌ بهيمية، وممارسات فاضحة لا تعرف عزة وشهامة، ولا تتصف بمروءة وكرامة، إطلاق للشهوات، واستباحة للأعراض، وضياعٌ للحياء والأذواق، لا غيرة على ذات محارم، ولا اشمئزاز من فاحشة وإجرام، فماذا جنت ـ يا ترى ـ تلك الإباحيات؟! وماذا جرّت تلك الأخلاقيات التي تركت العفاف ظهريًا، ونسفت الطهارة والحياء نسفًا جليًّا؟!
لقد جرّت شرورًا لا نهاية لها، وأضرارًا لا حدّ لمقدارها، جنت فسادًا لا تقف جرائمه عند حد، ولا تنتهي آثاره السيئة ونتائجه القبيحة إلى غاية؛ آلامٌ متنوعة، غمومٌ واقعة، هموم مستطيرة، وأمور مهلكة.
عباد الله:
ومن أجل تحقيق العفاف والطهارة، وبث الحياء والتزامه على مستوى الأفراد والمجتمعات جاءت الشريعة بما يكفل تلك المقاصد العظيمة، ويحقق هذه الأغراض النبيلة، بوسائل شتى، وطرق نبلى، ومن ذلك أوامره الجازمة، وتوجيهاته القاطعة، وتشريعاته الملزمة التي تأتي لعموم المؤمنين، ولكافة المسلمين، بحفظ الفروج وصيانتها عن الحرام والرذيلة ومواضع الآثام.
فحفظ الفروج عن الفواحش مما تزكو به النفوس، وتسلم به المجتمعات، ويحفظ به الأمن، وتصان به الأعراض، قال تعالى: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور: 30، 31].
ولقد امتدح الله جل وعلا الحافظين فروجهم والحافظات، وجعل ذلك من سمات الفلاح، وعلامات الفوز والنجاح (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـواةِ فَـاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون: 1ـ 7].
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري أنه قال: "من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة" .
وفي المسند بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي الأبواب شئت" .
معاشر المؤمنين:
وأعظم ما يهدف سياجَ هذا الحفظ، وأبشع ما يهدم صورَ هذا المبدأ العظيم جريمة الزنا، لذا فهو من أكبر الفواحش وأعظم الموبقات، قال ابن القيم رحمه الله: "وَسَمَ الله سبحانه الشرك والزنا واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه دون سائر الذنوب ـ إلى أن قال: ـ فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين: الزنا واللواط، ولهما خاصية في إبعاد القلب عن الله جل وعلا، فإذا انصبغ القلب بهما بَعُد من الله الطيب الذي لا يصعد إليه إلا الطيب" انتهى.
وقد حذر الله جل وعلا من الزنا مبينًا وصفه المتناهي في القبح، وعاقبته المهلكة الموبقة، فقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المعارج: 29 ـ 31]، وقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـهَ ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيـامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً) [الفرقان: 68ـ70]، ويقول سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 32].
أيها المسلمون:
الزنا مضاد لصفات المؤمنين، ومنافر لمسالك الأبرار والمتقين، قال جل وعلا: (الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور:3].
في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" .
وعند أبي داود وغيره: " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان كالظلة على رأسه، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان" صححه الحاكم، ووافقه الذهبي .
عباد الله:
الزنا يجمع خلال الشر كلَّها، ويتضمن الأضرار جميعَها، به تعمّ الأمراض الفتاكة في المجتمع، وعن طريقه تحل البلايا والرزايا بشتى أنواعها ومختلف صورها، يخلط الأنسابَ، ويذهب بمعاني الأسرة الفاضلة، وينزع البركات، ويضيق الأرزاق، ناهيك عما يحدثه من وحشة وعداوة بين بني الإنسان، وما يوقعه من أمراض وأدواء متنوعة، أقلقت البشر، وأخافت الدول الصغار والكبار.
واستمع ـ يا رعاك الله ـ إلى مشكاة النبوة المحمدية، وهي تتحدث عن تلك الأضرار، وتنذر من تلك المخاطر والأشرار، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزال أمتي بخير ما لم يفش ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا، أوشك أن يعمهم الله بعذاب" رواه الإمام أحمد بإسناد حسن .
وعند الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذابًا".
وفي حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم: " ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عليهم الموت" رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح .
وفي حديث ابن عمر أيضًا رضي الله عنهما، قوله صلى الله عليه وسلم: " لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا" رواه ابن ماجه، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي .
أيها المسلم:
تذكر أن الزنا لحظة عابرة، وشهوة عارمة، ونزوة حيوانية بحتة، وأن عاقبتها عليك وخيمة، وآثارها المستقرة سيئة، لذةٌ تذهب سريعًا، وتضمحلّ عاجلاً، فيبقى العار والشنار، وغضب الخالق الجبار.
جاء في صحيح البخاري في حديث المنام الطويل أنه صلى الله عليه وسلم قال: " فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك ضوضوا ـ أي صرخوا ـ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني" .
فاتقوا الله عباد الله، والتزموا أوامره، وقفوا عند حدوده؛ تسعدوا وتفلحوا، وتفوزوا وتسلموا.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فتقواه خير وفوز وفلاح ونجاح.
إخوة الإسلام:
إذا ما يُسِرِّت للمسلم سبل الغواية وما أيسرها في عالم اليوم، وإذا ما كثرت طرق الفاحشة وتنوعت، فالمؤمن بحاجة ماسة إلى مراقبة خالقه، وإحياء الخوف منه جل وعلا، فليتذكر المسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه" وذكر منهم: " رجل طلبته ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله".
وتبصّر يا من بلغ الكبَر عِتيا، وفاته زمن الشباب وهو في المعاصي منكبًا، تذكر عظم الأمر، وسوء الخاتمة والمصير، قال صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر" رواه مسلم .
ثم اعلموا ـ عباد الله ـ أن الله أمركم بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.....