العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لقد كان عمر خبيرًا، بأن الحضارات العظيمة، والرسالات الحقة، لا تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكِّرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها، والعزائم القوية التي تنفِّذها، وباختصار: إنها تحتاج إلى رجال، وليس أيّ رجال ..
أما بعد: في دار من دور المدينة، جلس عمر–رضي الله عنه- إلى جماعةٍ من أصحابه فقال لهم: "تمنوا"؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهبًا أنفقه في سبيل الله, ثم قال آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجدًا وجوهرًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق به, فقال عمر: ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
رحم الله عمر الملهم، إنه لم يتمن فضة ولا ذهبًا، ولا لؤلؤًا ولا جوهرًا، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز، تُفتح على أيديهم كنوز الأرض، وأبواب السماء.
لقد كان عمر خبيرًا، بأن الحضارات العظيمة، والرسالات الحقة، لا تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكِّرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها، والعزائم القوية التي تنفِّذها، وباختصار: إنها تحتاج إلى رجال، وليس أيّ رجال.
كم من رجلٍ أعزُّ من المعدن النفيس، وأغلى من الجوهر الثمين، حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إنما الناس كإبلٍ مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة" رواه البخاري.
إن الرجل الواحد قد ينصر الله به الدين، ويقلب به الموازين، وفي القرآن الكريم في قصة موسى حين قتل القبطيَّ: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) [يـس:20], وفي سورة يس في قصة أصحاب القرية: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) [يـس:20].
الرجل الأول أنقذ الله به وبرأيه نبيَّه وكليمَه موسى، حينما أحاطه علمًا بالمؤامرة الدنيئة التي يحيكها القصر الفرعوني للقضاء عليه وعلى دعوته, وأما الثاني، فرجل مؤمن يعلن أمام الملأ نصرة المرسلين، ويدعو إلى اتباعهم، متحدياً رؤوس الضلالة، صارخًا به في وجه الجماهير.
إن رجلاً واحدًا قد يساوي شعبًا بأسره، وقد قيل: رجل ذو همةٍ يحيي أمة.
يُعد بألفٍ من رجال زمانه | لكنه في الألمعية واحدُ |
لما حاصر خالد بن الوليد –رضي الله عنه- الحِيرة طلب من أبي بكر المدد، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو –رضي الله عنه-، وقال: "لا يهزم جيش فيه مثله" وكان يقول: "لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل".
ولما طلب عمرو بن العاص –رضي الله عنه- المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- في فتح مصر كتب إليه: "أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد".
وما أحوج الأمة اليوم إلى صناعة الرجال.
عباد الله: لما كنا أطفالا، كنا نتساءل حينها متى ننتقل إلى عالم الرجال؟ وبعد طول انتظار، بدأالمشوار، ووصلنا مرحلة البلوغ وسن التكليف، ونحن نلقي نظرة الوداع على عالم الطفولة.
ولحكمة يريدها الله –سبحانه- حدثت التحولات الجسدية والتغيرات النفسية، فاخشوشن الصوت، وازداد نمو الجسم، وتغيرت طريقة التفكير؛ إنها بداية حياة جديدة، ومسؤولية خطيرة، يصبح الإنسان عندها مخاطبًا بالتكاليف الشرعية، مطالبًا بالفرائض، مسؤولاً ومحاسبًا على أعماله، يجري عليه قلم التكليف بعد أن كان مرفوعًا عنه، وتسجل عليه مثاقيل الذر من الخطايا التي يقترفها , إن ارتكب جريمة توجب الحد؛ كالسرقة والقتل والزنا، فإنه يقام عليه الحد, وإن كان يتيمًا ثم بلغ وأحسن التصرف في المال فإنه يستحق القبض والتصرف في ماله, وتقبل شهادته في الحقوق والحدود ويبنى عليها، فلو شهد برؤية هلال رمضان عمل بشهادته وصام الناس بها.
كل هذه الأحكام تثبت بالبلوغ.
وللبلوغ علامات واضحة، فبلوغ الفتى يحصل بواحدة من ثلاث علامات:
الأولى: إنزال المني، سواء كان ذلك يقظة أم مناماً.
والثانية: إنبات شعر العانة؛ وهو الشعر الذي ينبت حول الذكر.
والثالثة: بلوغ سن الخامسة عشرة بالسنين القمرية الهجرية.
وتزيد الفتاة علامة رابعة: وهي نزول دم الحيض.
ولعل في هذا الحكم الشرعي إشارة تربوية إلى أن المعتبر في التعامل مع الأطفال معاملة الرجال هو البلوغ، وهذا هو هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو خير الناس تربية وتعليمًا، فقد كان يعامل الشباب البالغين كما يعامل سائر الرجال, كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "عرضني رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني".
عباد الله: من هو الرجل الذي نفتش عنه، ونطلب صنعه؟.
هل هو كل رجل طَرَّ شاربه، ونبتت لحيته؟ إذن فما أكثر الرجال!.
ليست الرجولة الحقة -يا عباد الله- بالسن، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السبع سنين!، فهو طفل صغير، ذو لحية وشارب.
وكم من غلام في مقتبل العمر، ترى الرجولة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه.
مر عمر –رضي الله عنه- على ثُلَّةٍ من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبيٌّ في مكانه، هو عبد الله بن الزبير، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك؟ فقال: "يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنبًا فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك".
ودخل غلام عربي على أحد الخلفاء، يتحدث باسم قومه، فقال له: "ليتقدم من هو أسن منك"، فقال: "يا أمير المؤمنين: لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة".
وليست الرجولة -يا عباد الله- ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية، فقد قال الله عن طائفة من المنافقين: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ), [المنافقون:4].
وفي المقابل، كان عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- نحيفًا نحيلاً، فانكشفت ساقاه يومًا وهما دقيقتان هزيلتان، فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد" رواه احمد وحسنه الألباني.
إن الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته ودينه وأمته.
أيها الأحبة. إنّ مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار التّرف في شخصيات أولادهم، فكيف نصنع الرجال؟ كيف نبني عوامل الرّجولة في شخصيات أولادنا؟.
لعلي أذكر بعض الوسائل مستفيداً مما ذكره الشيخ المبارك محمد المنجد في كتيب "أطفالنا ومعاني الرجولة".
1/ أخذه للمجامع العامة وإجلاسه مع الكبار:
وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، كما كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي –صلى الله عليه وسلم-، فعن قُرَّة بن إياس –رضي الله عنه- قَال: "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ", رواه النسائي وصححه الألباني.
2/ تعليمه الأدب مع الكبار:
ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِيرِ، والمارُّ على القاعِدِ، والقليلُ على الكثِير", رواه البخاري.
3/ إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس:
ومما يوضّح ذلك ما رواه البخاري عن سَهْلِ بْنِ سَعْد -رضي الله عنه- قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ:"يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟" قَالَ: "مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّه", فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
4/ تجنب إهانته أو احتقار أفكاره خاصة أمام الآخرين، بل يجب تشجيعه على المشاركة، ورفع قدره وإشعاره بأهميته.
5/ إلقاء السّلام عليه، كما كانت سنته صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم عن أَنَسِ –رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ".
6/ تعليمه الجرأة في مواضعها، وتدريبه على الخطابة وفن التواصل مع الآخرين.
7/ التكنية: وهي مناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرة بأمّ فلان، وهو ينمّي الإحساس بالمسئولية، ويُشعر الطّفل بقيمته وأهميته، وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يكنّي الصّغار؛ كما روى البخاري عَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحسبُهُ فَطِيمًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟", -ائر صغير كان يلعب به-.
وروى البخاري عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قالت: "أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَة -ثوب من حرير- فَقَالَ: "مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟" فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالَ: "ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ", فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ -أي أنها طفلة صغيرة- فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: "أَبْلِي وَأَخْلِقِي، يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاه", -يعني حسن بِالْحَبَشِيَّةِ-.
8/ تربية الطفل على العزَّة والشجاعة، وتحديثه عن أمجاد المسلمين، ومواطن عزتهم وانتصاراتهم.
جاء في البخاري أن الزبير بن العوام –رضي الله عنه- خرج بابنه عَبْد اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً.
9/ تعليمه الرياضات الرجولية, كالرماية والسباحة وركوب الخيل، وقد جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ.
10/ تجنيب الطفل أسباب الفساد والميوعة, مثل مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى، ورقص النساء وتمايلهن، والميوعة في اللباس وقصّات الشّعر والحركات والمشي، فإنها منافية للرّجولة ومناقضة للجِد.
11/ منعه من الكسل والبطالة، والتقليل أحيانًا من حياة التّرف، وقد قال عمر: "اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم".
12/ استشارته وأخذ رأيه، وتوليته بعض المسئوليات التي تناسب سنّه وقدراته.
13/ استكتامه الأسرار، كما روى مسلم عن أنس –رضي الله عنه- قَال: "أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ: "فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: "مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّه –صلى الله عليه وسلم- لِحَاجَةٍ", قَالَتْ: "مَا حَاجَتُهُ؟" قُلْتُ: "إِنَّهَا سِرٌّ", قَالَتْ: "لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّه –صلى الله عليه وسلم- أَحَدًا".
نسأل الله لنا ولكم صلاح النية والذرية، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
ونحن نتحدث عن الرجولة، أوجه رسالة إلى شبابنا وأبنائنا، إلى كل ابن كريم، بلغ سن التكليف أو قارب البلوغ: يا بني، لقد أصبحت الآن رجلاً مسؤولاً عن نفسك، فعليك أولاً بتقوى الله.
إن من كمال رجولتك، أن تكون مستقيمًا صادقًا مع ربك، فقد قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً), [الأحزاب:23].
إن من كمال رجولتك، أن تحافظ على صلاتك جماعة في المسجد، فقد قال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ...) [النور:36-37].
إن من كمال رجولتك يا بني، أن تبر بوالديك، وأن تحسن اختيار أصدقائك، وأن تهتم بنفسك وتبني شخصيتك، وتعلي همتك, إياك أن تعيش آمال الأطفال، أو تفكر تفكيرهم، بل اجعل همتك عالية، وإلى معالي الأمور ساعية، وتذكر يا بني أن المرء حيث يضع نفسه (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:9-10), فاختر لنفسك اليوم ما يسرك أن تراه غدًا في حياتك وبعد مماتك.
ورسالتي لكل الآباء والمربين، أنها لن تنبت الرجولة، ولن يتربى الرجال، إلا في ظلال عقيدة راسخة، وفضيلة ثابتة، كما ظهرت في أحلى صورها وأكمل معانيها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها محمد –صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه وأولو الصلاح من بعدهم، الذين ربوا الرجال، وصنعوا الأبطال.
وصنـاعة الأبطال علمٌ | قد دراه أولو الصـلاح |
لا يصنـع الأبطال إلا | في مساجدنا الفسـاح |
في روضة القـرآن في | ظل الأحاديث الصحاح |
من خان حيّ على الصلاة | يخون حيّ على الكفاح |
أين هذا من زمن تجاوز فيه المسلمون المليار، ينتسبون إليه، ويحسبون عليه.
يثقلون الأرض من كثرتهم | ثم لا يغنون في أمر جلل |
هم كما قال صلى الله عليه وسلم: "غثاء كغثاء السيل", حتى قال بعضهم عن الإسلام: "يا له من دين لو كان له رجال".
ومع هذا، فلا يزال في الأمة بقية خير، بل إننا رأينا ورأى العالم أطفالاً في أجسامهم، لكنهم رجالٌ في أفعالهم، أبطالٌ في مواقفهم، إنهم أطفالُ بل أبطالُ فلسطين الحبيبة، قتل آباؤهم وهم ينظرون، وهدِّمت منازلهم وهم يشهدون، ومع هذا، وقفوا بأحجارهم وعصيهم ضد دبابات وصواريخ اليهود الغاصبين، في رجولة ترفض الاستسلام والطغيان، وتأبى الذل والامتهان.
إن أمل الأمة بعد الله –تعالى-، في هؤلاء الرجال من الناس، وليس في عباس ولا دباس.
إن دماء الشهداء، ودموع الأبرياء، لن تثمر بإذن الله إلا نفوسًا أبية، لا ترضى في دينها الدنية, وستسقط بإذن الله كل الدعاوى الهابطة، وستنكسر كل الأقلام الساقطة، التي تزين السلام غير العادل بزينة كالحة، وستظل القدس في قلوب المسلمين، وفوق كل مصالح المرتزقين، (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً), [الإسراء: 51].