المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
ولا فرق في الحكم على الابتداع في الدين فكله محرم بشتى صوره ومظاهره؛ سواء كان في أصل العبادة؛ كأن يقوم بعبادة ليس لها أصل في دين الإسلام، أو ما يحصل من الزيادة في العبادة المشروعة؛ كما لو زاد العبد ركعة رابعة في صلاة المغرب، أو الفجر مثلا، أو ما يفعل أهل البدع في صفة أدائهم للعبادة المشروعة؛ كقراءة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
معاشر المسلمين: أصدق الحديث وأكمله كلام رب العالمين، وخير الهدي وأفضله هدي النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم-، وقد صح عن النبي الكريم أنه قال: "فإن خيرَ الأمورِ كتابُ اللهِ وخيرَ الهديِ هَدْيُ محمدٍ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ"(رواه مسلم).
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-؛ واعلموا أن الله قد أكمل الدين، وأمر باتباع الرسول الأمين، قال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3]؛ كما أمر عباده بلزوم صراطه المستقيم، ودينه القويم، وألا يسلكوا سبيلا غير سبيله، قال -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعام:153].
ولا شك أن الأمر باتباع الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وما جاؤوا به من عند الله من الأحكام والشرائع ولزوم صراط العزيز الحكيم يقتضي حرمة الابتداع في الدين ومخالفة الشرع الحنيف في قول أو فعل أو اعتقاد؛ حيث أن البدع بشتى صورها زيغ وضلال؛ كما أخبر النبي الكريم -صلوات ربي وسلامه عليه- بقوله: "فإنَّ كلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة"، والبدعة؛ هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة.
أيها المسلمون: ولا فرق في الحكم على الابتداع في الدين فكله محرم بشتى صوره ومظاهره؛ سواء كان في أصل العبادة؛ كأن يقوم بعبادة ليس لها أصل في دين الإسلام، أو ما يحصل من الزيادة في العبادة المشروعة؛ كما لو زاد العبد ركعة رابعة في صلاة المغرب، أو الفجر مثلا، أو ما يفعل أهل البدع في صفة أدائهم للعبادة المشروعة؛ كقراءة الأذكار المشروعة بشكل جماعي، أو تخصيص زمن لعبادة من العبادات.
فيجب على المسلم أن يحذر من الابتداع في الدين بشتى صوره وأشكاله، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(متفق عليه)؛ قال بعض أهل العلم: "وقد ثبت عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن السلف الصالح بعدهم؛ التحذير من البدع، والترهيب منها، وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين، وشرع لم يأذن به الله، وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله، ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي، واتهامه بعدم الكمال، ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم، والمنكر الشنيع".
عباد الله: وقبل أن نتحدث عن مساوئ الابتداع في الدين وآثاره؛ تعالوا لنعرج إلى أسباب الوقوع في البدعة، والموفق من عرفها واتقاها؛ فمن أسبابها:
اتباع الهوى: فالذي قاد المبتدع لفعل البدعة، اتباع هواه، وإعراضه عن شريعة مولاه؛ كما قال -تعالى-: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ)[القصص: 50]، ولا شك أن البدع نسيج الهوى المتبع، قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ)[الجاثية: 23].
ومن أسباب الابتداع في الدين ودواعيه: جهل أهل البدع بأحكام الدين؛ سواء كان ذلك بسبب إعراضهم عن العلم أو انشغالهم عنه، أو موت العلماء؛ كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسا جهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"(رواه البخاري).
ومن أسباب الابتداع في الدين: تشبه بعض المفتونين من المسلمين بالكفار؛ وهذا من أشد أسباب الوقوع في ذلك؛ كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ"(رواه البخاري ومسلم)، ومن تأمل في واقع المسلمين شاهد بالعين المجردة تقليد كثير من المسلمين لأعدائهم وتشبههم بهم؛ فكم قلدوهم في الأعياد المحدثة والمناسبات المخترعة.
ومن أسباب الابتداع وترك الاتباع: التعصب لما كان عليه الآباء والأجداد حتى يحول بين صاحبه وبين اتباع الدليل ومعرفة الحق، قال -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا)[البقرة: 170]، ويدخل في هذه الصورة المقيتة؛ تعصب بعض أتباع المذاهب والقوميات والأحزاب والجماعات لأربابهم وقياداتهم ومشايخهم وتقديس أقوالهم حتى ضعف تعظيم نصوص الشرع في قلوبهم.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف: 158]، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده القائل: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله واتبعوا سبيله، ولا تبتدعوا في دينكم، وطاعة ربكم فتضلوا عن سواء السبيل، واعلموا أن للابتداع في الدين آثار سيئة؛ فمن ذلك:
اعتقاد أصحاب البدع أن الدين ناقص؛ فهو يريد أن يكمله ببدعته، ولو كان يرى أن الدين كامل لاستغنى به عن الأباطيل والابتداع؛ كما هي عقيدة المسلم المتبع الذي يؤمن أن الدين كامل لا نقص فيه؛ حالهم، كحال ذلك الرجل الذي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: "من خلق السمواتِ؟ قال: اللهُ، قال: فمن خلق الأرضَ؟ قال: اللهُ، قال: فمن نصب الجبالَ؟ قال: اللهُ، قال: فبالذي خلق السمواتِ وخلق الأرضِ ونصب الجبالَ آللهُ أرسلَك؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولُك أنَّ علينا خمسَ صلواتٍ في يومنا، قال: صدق، قال: فبالذي خلق السمواتِ وخلق الأرضَ ونصب الجبالَ آللهُ أمرَك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولُك أنَّ علينا صومَ شهرٍ في سَنَتِنا، قال: صدق، قال: فبالذي خلق السمواتِ وخلق الأرضَ ونصب الجبالَ آللهُ أمرَك بهذا؟ قال: نعم، قال: وزعم رسولُك أنَّ علينا الحجَّ من استطاع إليه سبيلًا، قال: صدق، قال فبالذي خلق السمواتِ وخلق الأرضَ ونصب الجبالَ آللهُ أمرَك بهذا؟ قال: نعم، قال: والذي بعثَك بالحقِّ لا أزيدُ عليها شيئًا ولا أنقصُ منها، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إن صدق دخل الجنةَ"(رواه ابن عبد البر في التمهيد).
ومن آثار الابتداع في الدين: أنه يعيد الجاهلية إلى حياة الناس؛ فيورث في قلوبهم التفرق والاختلاف، والتنازع وترك الاصطفاف، قال -سبحانه-: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعام: 153]؛ كما أن كل فريق يرى أن الذي عليه هو الحق وغيره على الباطل، قال الله -تعالى-: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون)[المؤمنون: 53].
ومن الآثار -أيضا-: أنه يفسد الدين الصحيح، وهذا ما يريده شياطين الجن والإنس، من الكفار والمنافقين؛ فأعداء الدين يحاولون إفساده بشتى الوسائل، وأهم سلاح يستخدمونه في ذلك هو البدع والخرافات، ليشوهوا بها الإسلام؛ لتحل محل الدين الصحيح، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)[النساء: 44].
ومن آثار الابتداع: أنه يورث الاستكبار عن الحق، والصد عنه، والإعراض عن سبيل الله وهداه، وسنة من اختاره الله واصطفاه؛ فالمبتدع إذا دُعِيَ إلى الحق لا يمتثل لدعوة الحق، ويتمسك ببدعته ويدافع عنها، وصدق الإمام ابن القيم -رحمه الله- حين قال في أهل البدع:
نبذوا كتابك من وراء ظهورهم | وتمسكوا بزخارف الهذيان |
وأريتني البدع المضلة كيف | يلقيها مزخرفة إلى الإنسان |
شيطانه فيظل ينقشها له | نقش المشبه صورة بدهان |
فيظنها المغرور حقا وهي في | التحقيق مثل اللال في القيعان |
والعاقل -أيها المؤمنون- من هجر الابتداع في الدين ولزم سنة خير المرسلين وإمام المتقين، واقتفى أثر صحابته الأكرمين ومن سار على نهجهم من التابعين إلى يوم الدين، وما أجمل ما وصى به الصحابة الكرام والأئمة الأعلام وسأكتفي في هذا المقام بذكر بعض أقوالهم في التحذير من البدعة والخوف منها؛ فمن ذلك:
ما قاله ابن مسعود -رضي الله عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".
وقال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: "اتقوا الله يا معشر القراء خذوا طريق من قبلكم فوالله لئن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً وإن تركتموه يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً".
وجاء عن بعض السلف -رحمهم الله جميعا- أنه قال: "إن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة".
فاحذروا البدع -أيها المسلمون-؛ فهي بريد الكفر، وأضر على صاحبها من المعصية الكبيرة، وحسبها قبحا أن الشيطان يفرح بها أكثر من فرحه بالمعاصي؛ لأن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها منكر؛ فيندم على فعلها ويتوب منها، بخلاف صاحب البدعة؛ فيعتقد أنها دين يتقرب بها إلى الله فلا يتوب منها حتى يكره الحق الصافي وأهله ويقترب من أهل الباطل وحزبه؛ فيخسر الدنيا والآخرة؛ نسأله الله العافية والسلامة.
وعليك -يا عبدالله- أن تحذر صحبة أهل البدع والأهواء؛ فيضلوك عن صراط اللذين أنعم الله عليهم، وما أجمل ما ما وصى به الشاعر؛ حيث قال:
فلا تصحب سوى السني دينا | لتحمد ما نصحتك في المآل |
وجانب كل مبتدع تراه | فما إن عندهم غير المحال |
ودع آراء أهل الزيغ رأسا | ولا تغررك حذلقة الرذال |
فليس يدوم للبدعي رأي | من أين المقر لذي ارتحال |
وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير والشافع يوم المصير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.