الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أركان الإيمان |
لا يكون إلا بشد بعضهم أزر بعض؛ بتآمرهم بالمعروف، وتناهيهم عن المنكر، لا يكون إلا بأن يكونوا يداً واحدة في الحق، وقلباً واحداً ولساناً واحداً، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، لا يكون إلا بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، يقول سبحانه بعد أن أمر بالاعتصام بحبله الذي هو كتابه (وَلا تَفَرَّقُوا)
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلاّ وحده لا شريك له، أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله القائل: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك" صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه الذين التقت أهدافهم واجتمعت كلمتهم تحت لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
أما بعد: فيقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]
أيها المسلمون: إن لكل إنسان طريقاً يسلكه في حياته ينتهي به إلى سعادة وعزة وخير في معاشه ومعاده، أو إلى شقاوة وذلة وشر (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً) [البقرة:148]
وإن الله قد وضع طريقاً في هذه الحياة ينتهي بمن يسلكه إلى الخير والهدى، وينجيه من آثار الشر والردى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153]
ومدّ تعالى حبلاً يهدي من تمسك به إلى الصراط السوي؛ صراط الله الذي يقول فيه سبحانه: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [آل عمران:101] وحبله الهادي إليه وإلى صراطه الذي أمرنا بالاعتصام به بلفظ الاعتصام الذي يفيد شدة المنعة والتحصن هو كتابه الكريم، وذكره الحكيم، وصراطه المستقيم الذي لا تلتبس به الألسن، ولا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء.
من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، هو الذي أنزل فيه ما أنزل على أو خلافة قامت في الأرض آدم -عليه السلام-؛ ليربط أول أمة الإسلام بآخرها، وآخرها بأولها.
وليبين لها أن ثمت مصدراً يجب أن تتلقى منه تعاليمها وقيمها، ومنهاج حياتها في كل شأن من شؤونهم؛ كما تلقت منه أولاً وجودها، وكما أنها منها بدأت وإليه ستعود، ألا وهو الله سبحانه الذي أنزل قوله قرآناً يتلى ومنهاجاً يقتفى.
(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طـه:123-126]
فاتَّقوا الله -عباد الله-، وامتثلوا أمر الله فيما أمركم به من الاعتصام بكتابه؛ فأمامكم فتن عظمى، فتن تموج أعاصيرها كموج البحار؛ يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا.
لا مخرج منها ولا حول ولا قوة؛ إلا بالله إلا بالاعتصام بالقرآن بحبل الله الهادي إلى صراطه، بحبله الذي يقول فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا إذا اعتصمتم به، كتاب الله" ويقول فيه: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم؛ فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً".
وإن كمال الاعتصام وتمامه الذي يريده الله سبحانه للجماعة المسلمة التي استخلفها في الأرض؛ لا يكون إلا باتّفاقها نحو كتاب ربها، وسنة نبيها انطلاقاً من مثل قوله: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
لا يكون إلا بشد بعضهم أزر بعض؛ بتآمرهم بالمعروف، وتناهيهم عن المنكر، لا يكون إلا بأن يكونوا يداً واحدة في الحق، وقلباً واحداً ولساناً واحداً، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، لا يكون إلا بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، يقول سبحانه بعد أن أمر بالاعتصام بحبله الذي هو كتابه (وَلا تَفَرَّقُوا).
روى ابن جرير عن قتادة قوله: "إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة، وقدم لكم فيها وحذركموها ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة والألفة والجماعة، فارضوا ما رضيه الله لكم إن استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله".
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام مسلم -رحمه الله-: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال".
فاتَّقوا الله -عباد الله-، وكونوا إخواناً متآلفين ملتقين على الخير والهدى، على طاعة الله ورسوله، لا على الأطماع والأهواء والمصالح، فكل اجتماع أو التقاء أو تعاون ليس على طاعة الله؛ فمصيره التفكك والاختلاف والتفرق ولا قوة إلا بالله.
وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.