البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

مراتب اليقين في الإيمان

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - الإيمان بالله
عناصر الخطبة
  1. اليقين شعبة من شعب الإيمان .
  2. تعريف اليقين ومنزلته .
  3. مراتب اليقين في الإيمان .
  4. ثمار اليقين. .

اقتباس

إن استقرار القلب وطمأنينته، وسكونه وراحته، وسلامته من الاضطرابات، وبُعده عن تشرّب الشبهات؛ لن يكون إلا بتحقيق مراتب اليقين الثلاث...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: اليقين شعبة من شعب الإيمان، بل هو من أعلى درجات أعمال الجَنان، وصفة من صفات أهل التقوى والإحسان، وخصلة من أعظم الخصال التي تحمي المؤمن من واردات الشبهات، ورياح الشهوات المحظورات؛ ولمن سأل عن معنى هذه الكلمة العظيمة، والخلة الإيمانية الكريمة؛ فإن معناها: الاعتقاد الجازم بعلم وطمأنينة واستقرار نفس، بكل ما جاء في الكتاب والسنة عن الله -تعالى-، وعن دينه العظيم، وهو شعور باطن يدفع المرء إلى عبودية الله -تعالى- وحده، مع حرص شديد على إخلاص النية له -سبحانه-، واتباع ما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "اليقين هو طمأنينة القلب، واستقرار العلم فيه، وضد اليقين الريب وهو نوع من الحركة والاضطراب".

وقد أتاك يقين غير ذي عوج

من الإله وقول غير مكذوب

ولليقين -أيها المسلمون- منزلة عظيمة في إيمان العبد وقربه من الله وسعادته في الدارين؛ يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وهو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون".

ومما يدل على علو منزلته، وسمو أهله وحملته: أن الله -سبحانه- خصَّ أهله بالانتفاع بالآيات والبراهين؛ فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)[الذاريات: 20[، وجعله صفة من صفات المتقين التي أوصلتهم إلى الهدى والفلاح من بين العاملين؛ فقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة: 4- 5].

وفي مقابل الثناء على المؤمنين باليقين وصفَ الله المشركين وأهل الكتاب والمنافقين بضده ألا وهو الشك والتردد؛ فقال -تعالى-: ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [فصلت: 45]، وقال -سبحانه-: (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [الشورى: 14]، وقال في المنافقين: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)]التوبة:45[.

ومما يدل على فضل اليقين وأهميته: أن اليقين هو خير ما يسأل العبد ويتمنى؛ فعن الحسن أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- خطب الناس؛ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس: إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيرًا من اليقين والمعافاة، فسلوهما الله عز وجل"(رواه أحمد).

ويقول الحسن البصري: "ما طُلبت الجنة إلا باليقين، ولا هرب من النار إلا باليقين، ولا صبر على الحق إلا باليقين".

عباد الله: إن استقرار القلب وطمأنينته، وسكونه وراحته، وسلامته من الاضطرابات، وبُعده عن تشرّب الشبهات؛ لن يكون إلا بتحقيق مراتب اليقين الثلاث:

فالمرتبة الأولى: علم اليقين، وهي انكشاف المعلوم للقلب، بحيث يشاهده ولا يشك فيه؛ كانكشاف المرئي للبصر.

وعلم اليقين معناه: معرفة أوامر الله ونواهيه ودينه الذي أظهره على ألسنة رسله، والإيمان بالغيب كالجنّة والنّار والصّراط والحساب ونحو ذلك، قال -تعالى- في سورة التكاثر؛ (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ)[التكاثر: 5-7] أي: ترونها معاينة بالأبصار موقنين حقيقتها، ثم قال -تعالى-: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ)[التكاثر: 8]؛ أي: لتسألن يوم القيامة عن نعيم الدنيا من صحة الأبدان والأسماع والأبصار والمكاسب وملاذ المآكل والمشارب، وغير ذلك هل أديتم شكرها على الوجه المشروع ؟ أم كفرتم بها ؟.

والمرتبة الثانية: عين اليقين؛ أي: مشاهدة المعلوم بالأبصار.

وعين اليقين معناه: ما استغنى به صاحبه عن طلب الدّليل؛ لأن الدّليل يطلب للعلم بالمدلول؛ فإذا كان المدلول مشاهداً له، فلا حاجة حينئذ للاستدلال، وهذه المرتبة تكون لخلّص المؤمنين.

والمرتبة الثالثة: حق اليقين، وهي أعلى درجات اليقين، وهي مباشرة المعلوم وإدراكه الإدراك التام.

 

معشر المسلمين: انظروا -رحمكم الله- إلى صورة واحدة من يقين الصحابة وإيمانهم بمراتب اليقين الثلاث: لما كان يوم بدر قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض"، فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله: جنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: "نعم"، قال: بخٍ بخٍ؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يحملك على قولك: بخٍ بخٍ؟"، قال: لا والله يا رسول الله: إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنك من أهلها"؛ فأخرج تمرات من قرنه؛ فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة. قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل"، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)]الحجرات: 15[.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل الإيمان واليقين، وأن يصلح لنا بهما الدنيا والدين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما

سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

عباد الله: فإن لليقين ثماراً طيبة؛ فمن ذلك:

أنه يزيد المسلم قربًا من الله -عز وجلّ- وحبًّا ورضًا بما قدره وقضاه، ويورثه استكانة وخضوعًا له -جل جلاله-، ويكسبه رفعة وعزة، ويبعده عن مواطن الذل والضعة، قال الشاعر:

لا تجزعي إن الفؤاد قد امتطى

ظهر اليقين وفي معارجه ارتقى

غذيت قلبي بالكتاب وآيه

وجعلت لي في كل حق منطقا

ووطئت أوهامي فما أسكنتها

عقلي وجاوزت الفضاء محلقا

ومن تلك الثمرات الطيبة: أن ذلك الإيمان يدفع عن الإنسان عقوبات الآخرة؛ يقول ابن القيم -رحمه الله-: "في الحديث جمع بين عافيتي الدين والدنيا ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية؛ فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه".

ومن الثمرات: تهوين مصائب الدنيا، وتسهيلها وتخفيف وطأتها؛ فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: "قلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا الحديث"(صحيح الترمذي).

ومن الثمرات كذلك: بلوغ الإمامة في الدين، قال -سبحانه وتعالى-: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السجدة: 24].

ومن الثمرات -أيضًا-: أنه سببٌ لانشراح الصدر، وعلاجِ النفس من الخوف والتوتّر، والقلق، والتردّد والحسد، والطمع والجبن، وغير ذلك؛ فيكون بذلك سببًا لثبات المسلم على الحقّ وصدوعِه به، وإقدامهِ عليه، وتضحيته من أجله.

أيها المؤمنون: اليقينَ اليقين، تربحوا به الدنيا والدين، وتنتصروا به على أحزان الحياة، وتركبوا به مطية النجاة، فيا سعد الموقنين بالخيرات العاجلة والآجلة، ويا فوزهم بمسرات الدنيا والآخرة!

اللهم إنا أسألك توفيق أهل الهدى، وأعمال أهل اليقين، ومناصحة أهل التوبة، وعزم أهل الصبر، وجِدَّ أهل الخشية، وطلب أهل الرغبة، وتعبد أهل الورع، وعرفان أهل العلم.

وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].