الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - الإيمان بالله |
فمن دلائل صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم-: الغيوب التي أخبر عنها، وهذه الغيوب على أنواع: منها ما تحقق في حياته؛ كإخباره عن انتصار الروم على الفرس، ومقتل قادته الثلاثة في مؤتة، ومنها ما تحقق بعد...
الخُطْبَةُ الْأُولَى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها الناس: لقد منَّ الله -تعالى- على هذه الأمة ببعثة خير الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد الصادق الأمين؛ فكانت بعثته نعمة عظيمة، وعطية كريمة من رب العالمين؛ فبها اكتسى الوجود ثوب النور والهدى، وخلع عنه أثواب الضلالة والعمى، وتطيّب بعبير رسالة المصطفى السَّنِية، واغتسلت آفاقه بمُزن دعوته الندية، يقول -تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[آلعمران:164].
وكانت رسالته -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، أنجدتهم من متاهات الحيرة والغواية، إلى منجاة الطمأنينة والهداية، قال -عز وجل-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107]، ولم تكن هذه الرحمة المهداة لقوم دون قوم، أو لجنس دون آخَر، أو لزمان مستقبل ينقطع بمجيء نبي آخر، وإنما كانت رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- للعالمين أجمعين، وخاتمة لرسالات السماء كلها إلى آخر الزمان، قال -سبحانه-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)[سبأ:28]، وقال: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)[الأحزاب:40].
ولما كان الأمر كذلك أمر الله -تعالى- كلَّ أحد بعد بعثته إلى يوم القيامة باتباعه والإيمان به، ووعد على ذلك بخير عظيم، ومن اتبع بعد ذلك دينًا غير دينه فلن يقبل منه يوم القيامة؛ فقال الله: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف:157]، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف:158].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفسي محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار"(رواه مسلم).
أيها المسلمون: إن من رحمة الله بعباده، وفضله عليهم أن جعل رسالة الأنبياء مؤيَّدة بالدلائل والبراهين الدالة على صدقهم؛ حتى يطمئن الناس إلى صحة ما جاءوا به، فيقبلوا على الإيمان بهم، وتقام على من كذبهم الحجة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر"(متفق عليه).
ومن أولئك الأنبياء الذين أيدهم الله -تعالى- بدلائل شاهدة على صدق نبوتهم: نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقد ألّف العلماء في هذا المجال كتبًا متعددة ذكروا فيها دلائل كثيرة، ولكننا في هذه الخطبة سنقتصر على بعض من تلك الدلائل على صدق نبوة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ فمن دلائل صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم-:
الغيوب التي أخبر عنها، وهذه الغيوب على أنواع: منها ما تحقق في حياته؛ كإخباره عن انتصار الروم على الفرس، ومقتل قادته الثلاثة في مؤتة، ومنها ما تحقق بعد وفاته، وأمثلته كثيرة متعددة؛ كإخباره ابنته فاطمة -رضي الله عنها- أنها أول أهله لحاقًا به، وإخباره عن انتشار الإسلام، وبلوغه الآفاق وفتحه البلدان؛ كالشام والعراق واليمن وبلاد فارس، ومنها ما يكون قريبًا من الساعة، وسيتحقق؛ كما أخبر به الصادق المصدوق -عليه الصلاة والسلام-.
ومن دلائل صدق نبوته -صلى الله عليه وسلم-: المعجزات الحسية التي وهبها الله النبي -صلى الله عليه وسلم؛ كتكثير الطعام والشراب، ونبع الماء من بين أصابعه، وشفاءِ المرضى، وانشقاقِ القمر، ونطق الجماد بين يديه، واستجابة الله دعاءه؛ فعن ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر فقل الماء فقال: "اطلبوا فضلة من ماء" فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: "حي على الطهور المبارك، والبركة من الله"؛ فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (رواه البخاري).
وجاء في الصحيحين قصة جابر في غزوة الخندق عندما صنع طعامًا لرسول ونفر من أصحابه، فأطعم منه رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ألف رجل وزاد عليهم، وروى البخاري عن المسور بن مخرمة في قصة الحديبية عندما نزلوا على ماء قليل، فشكوا إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فانتزع سهمًا من كنانته فجعلوه فيه؛ فجاش بالماء حتى كفى جميع الحاضرين، وكانوا ألفا وأربعمائة ويزيدون!.
وأصيبت عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردها الرسول -عليه الصلاة والسلام-فكانت أحسن عينيه، وفي الصحيحين في قصة الرجل الذي دخل ورسول الله يخطب يوم الجمعة، فسأله أن يدعو الله بالسقيا؛ فما نزل من مكانه إلا والمطر يتحدر على لحيته.
عباد الله: ومن دلائل صدق نبوة نبينا -عليه الصلاة والسلام-: حماية الله له من مكر أعدائه وكيدهم له؛ فكم حاول المشركون قتله، وأراد اليهود اغتياله والتخلص منه، ولكن الله حال بينهم وبين ما يشتهون، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[المائدة:67]، عن عائشة -رضي الله عنها-قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرس حتى نزلت هذه الآية: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)؛ فأخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه من القبة فقال لهم: "يا أيها الناس: انصرفوا؛ فقد عصمني الله"(رواه الترمذي).
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: ومن دلائل صدق نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: معجزته الكبرى القرآن الكريم، الذي أعجز الأولين والآخرين، هذا الكتاب الذي شهد بإعجازه المفارقون والموافقون الأعداء والأصدقاء في القديم وفي الحديث، وأقر بخروجه عن قدرة البشر الفصحاءُ في الزمن الغابر، وبعض المستشرقين في الزمن الحاضر، قال -تعالى-: (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة:23].
قال الطبري -رحمه الله-: "ومن حجة محمد -صلى الله عليه وسلم- على صدقه، وبُرْهانه على حقيقة نبوته، وأنّ ما جاء به من عند الله: عَجزُ جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم، عن أن تَأتوا بسورةٍ من مثله، وإذا عَجزتم عن ذلك -وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة- فقد علمتم أن غيركم عما عَجزتم عنه من ذلك أعْجزُ"، وصدق الله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[الإسراء:88].
ومن دلائل صدق نبوة نبينا -صلى الله عليه وسلم-: شهادات الكتب السابقة وأتباعها له بالرسالة؛ فقد بشر به الأنبياء قبله، بل أخذ الله عليهم الميثاق على الإيمان به إن بعث فيهم فقال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)[آل عمران:81]، وفي البشارة به قال -تعالى- عن عيسى -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)[الصف:6].
ورغم ما تعرضت له كتب أهل الكتاب من التبديل والتحريف إلا أنه ظل بين سطورها ما يشهد بصدق نبوة نبينا -عليه الصلاة والسلام-، ومن تتبع أسفارهم وجد ذلك.
ومن دلائل صدق نبوة نبينا -عليه الصلاة والسلام-: أخلاقه وأحواله وسيرته العطرة؛ فقد آمن به جمع غفير حينما رأوا منه تلك الأخلاق العالية، منهم السابقون من الرعيل الأول، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ودلائل صدق النبي الصادق وكذب المتنبي الكذاب كثيرة جداً؛ فإن من ادعى النبوة وكان صادقاً؛ فهو من أفضل خلق الله وأكملهم في العلم والدين؛ فإنه لا أحد أفضل من رسل الله وأنبيائه -صلوات الله عليهم وسلامه-... وإن كان المدعي للنبوة كاذباً فهو من أكفر خلق الله وشرهم... ولما كان هذا من أعلى الدرجات وهذا من أسفل الدركات؛ كان بينهما من الفروق والدلائل والبراهين التي تدل على صدق أحدهما وكذب الآخر ما يظهر لكل من عرف حالهما؛ ولهذا كانت دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة؛ كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة".
عباد الله: وبعد هذا فإن علينا -نحن المسلمين- أن نزداد بسبب هذه الدلائل يقينًا إلى يقيننا، وإيمانًا إلى إيماننا، وحبًا إلى حبنا لرسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن هذه الدلائل البينات براهين ساطعة على صدق نبينا، وهذا يدعو إلى التمسك بما جاء به.
كما أن علينا نشر هذه الدلائل بين الناس؛ فلعلها تثبت متزلزلاً، وتهدي حائراً، وتسوق إلى الحق ضالاً عنه.
وعلى من في نفسه شك أو ارتياب في صدق خير البشر أن يسلم عقله لهذا البراهين والدلائل الواضحة إن كان منصفًا، ويبحث بين أكنافها عن الحق؛ فإن فعل فإنها -بعون الله- ستدله على التصديق واليقين بصحة نبوة سيد الأنبياء والمرسلين.
نسأل الله الثبات على الحق حتى نلقاه، وأن يصرف عنا الأهواء المضلة، والشهوات المزلِّة.
هذا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].