الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الإيمان بالله |
إن المرأة في الإسلام كنز ثمين، ودرٌّ مصون، ومعدنُ حسنٍ تُخاف عليه العيون، وبيضةُ خِدرٍ لا يُرام خباؤها، وآفاقُ عزٍّ لا تُنال للعابثين سماؤها، فهي لؤلؤة غالية يجب حفظها عن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
أيها المسلمون: إن المرأة في الإسلام كنز ثمين، ودرٌّ مصون، ومعدنُ حسنٍ تُخاف عليه العيون، وبيضةُ خِدرٍ لا يُرام خباؤها، وآفاقُ عزٍّ لا تُنال للعابثين سماؤها، فهي لؤلؤة غالية يجب حفظها عن سهام الناظرين، وملكةُ جمال لأهلها يلزم حراستُها من أيدي السُوْقة واللاهين.
ولما للمرأة من المكانة والمنزلة أوجب الشرع الحكيم حفظها وسترها؛ ففرض وأقام الإسلام عليها الحجاب الساتر، والغطاء الظاهر؛ صيانة لها، وأمانًا لرونقها، وإبعاداً عن تعلق الأجانب بها؛ فتبقى بحجابها محفوظة من كل نفس لاهية، وعين طاغية، وأفعال مؤذية، ومضايقات مُردية، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59]، "أي: ذلك اللباس أقرب إلى يعرف أنهن حرائر بشعار الحرائر فيتجنب الرجال إيذاءهن فيسلموا ويسلمن".
وأما أدلة الحجاب من السنة فمنها حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- قالت: "يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأُوَل لما أنزل اللَّه: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها" (رواه البخاري).
قال ابن حجر -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: فاختمرن، أي: غطّين وجوههن، وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار"....ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن صفية: "ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن، فقالت: إن لنساء قريش لفضلاً، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنزيل، لقد أُنزلت سورة النور: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)؛ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها، فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان".
وحينما أباح الشرع الشريف للخاطب النظر إلى وجه المخطوبة وكفيها دل ذلك الاستثناء من عموم الناس على عدم جواز كشف الوجه، ولو كان يجوز ذلك لما احتاج أن يخصص الخاطب بالنظر دون الناس؛ فكان سيرى وجهها في الشارع كما يراه غيره.
عباد الله: وقد جاء التعبير عن الحجاب بثلاثة ألفاظ، وهي:
الأول: الحجاب، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب:53].
الثاني: الخِمَار، قال -تعالى-: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)[النور: 31]؛ قال العلامة ابن عثيمين في بيان معنى الآية: "فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها؛ كانت مأمورة بستر وجهها من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، فالناس عندما يطلبون جمال الصورة ينظرون للوجه، وإذا قيل: فلانة جميلة، لم يفهم من هذا الكلام إلا جمال الوجه؛ فإن الوجه هو موضع الجمال، فكيف يفهم أن الشريعة تأمر بستر الصدر والنحر، ثم ترخص في كشف الوجه؟".
الثالث: الجلباب، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب:59]؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب، ويبدين عينا واحدة".
أيها المسلمون: هناك شبهات يتكئ عليها بعض من لا يوجبون الحجاب على النساء، بل ويدعو بعضهم المرأة إلى كشف حجابها، وأن الصواب لها ترك ارتدائه!! فمن تلك الشبهات:
أن الحجاب تشدد والدينُ يسر، وأن ترك الحجاب مصلحة يقتضيها العصر!
والجواب عن هذا أن نقول: نعم، إن دين الله دين مبني على اليسر ودفع المشقة، وأدلة هذا كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وليس في لبس المرأة للحجاب مشقة؛ لأنه التزام لشرع الله الذي هو صالح لكل زمان ومكان، وإنما يشق ذلك على من كان في نفسه نقصانُ رضا بذلك الشرع الحكيم، حتى ولو وجد فيه بعض المشقة فإن المشقة في حدود الطاقة البشرية مطلب شرعي؛ ولذلك سميت أوامر الشريعة ونواهيها تكاليف؛ لأن فيها كلفة، ولكنها كلفة محتملة، أما ادعاء أن ترك الحجاب مصلحة عصرية؛ فهذا قول من يريد أن يطوّع الشرع للواقع، ولا يجعل الواقع تابعًا للشرع كما أراد الله -تعالى-؛ فالمصالح المعتبرة شرعًا هي المصالحة التي لا تخالف الشريعة، أما إذا خالفتها؛ فإنها مصالح ملغية لا يحل الأخذ بها.
ومن شبهاتهم: قولهم: إن عفة المرأة في ذاتها وليس في حجابها!!
فنقول: صحيح أن الحجاب لا يلزم منه أن تكون كل من لبسته عفيفة، بل هو أمر شرعي فرضه الله -تعالى- لمصلحة المرأة ومصلحة الرجال الناظرين إليها؛ فالحجاب للمرأة مكمل لعفافها وليس خالقًا له، وقد شرعه الله ليخلق كمال الطهارة فيها، ولا أحد منا يقول: إن كل من لم تلتزمه تكون دائمًا فاجرة، وأن من التزمته تكون دائمًا طاهرة. والجانب الآخر أن الله شرع الحجاب للنساء حرصًا على عفة الرجال؛ حتى لا تقع أبصارهم على المفاتن التي تخدش العفة وتؤدي إلى العواقب الوخيمة بعد ذلك، بل قد تكون النظرة الشرعية إلى دفع هذه المضرة عن الرجال أعظم؛ لأن المرأة غير الملتزمة بالحجاب مهما كانت عفيفة وتولّدَ هيجانُ الشهوة لدى الناظرين إليها فإن عفتها لا يمكن أن توقف اعتداءهم عليها بالتحرش والاغتصاب، وقراءة عابرة في المجتمعات المنفتحة تخبر عن هذه الحقيقة.
ومن شبهاتهم كذلك: احتجاجهم بقاعدة تبدل الأحكام بتبدل الزمان!!
والجواب على هذه الشبهة الداحضة أنه لو كان قولهم مقبولا على ظاهره للزم أن يكون مصير جميع الأحكام مرهونة بأعراف الناس وعاداتهم، ولا يمكن أن يقبل بهذا مسلم؛ حيث أجمع العقل والنقل على أن العادات تضبط بضابط الشرع لا العكس، وذلك لقطعية صحة أحكام الشرع وسلامتها، بخلاف أعراف الناس؛ فقد تكون موافقة للشرع الذي جاء بما يحقق مصالح الناس على سبيل القطع والجزم لا على سبيل الظن والوهم، وقد لا تكون موافقه له، بل قد تكون من أسباب حصول المضرة على الناس؛ فأي السبيلين أقوم وأجدر بالإتباع!!
ومن شبهات أعداء الحجاب -أيها الأحباب-: أن في الحجاب كبت للطاقة الجنسية، وهذا الكبت يولد انفجار الطاقة الشهوانية لدى الشباب، بخلاف غير المتحجبات؛ فإن الحدة تكون أقل!!
والجواب؛ أنه لو كانت هذه الدعوى صحيحة لكانت البلدان التي ليس فيها الحجاب؛ كأوروبا وغيرها من البلدان الغربية أقل البلدان في نسبة وقوع الفاحشة من ارتكاب الزنا وحالات الاغتصاب؛ لكننا وجدنا العكس؛ حيث أن هذه البلدان بلغت احصائيات الجريمة فيها الذروة؛ بخلاف البلدان الإسلامية التي التزمت النساء فيها بالحجاب؛ فلا تكاد تجد حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي، وكل ذلك مؤكد على بطلان هذه الشبهة وفسادها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
عباد الله: ومن شبهات المرجفين والمشككين في إيجاب الحجاب -أيضًا-: أن الحجاب من عادات الجاهلية وهو تخلف ورجعية!!
والجواب عن ذلك: أن هذا القول قول من لا يعرف الجاهلية فكيف له أن يعرف حقيقة الإسلام؟! فالحجاب الذي فرضه الله على المرأة المسلمة غير الحجاب الذي كان سائداً في الجاهلية، صحيح أن بعض النساء كن يرتدين حجابًا، وذلك لحرص العرب على الحشمة وصون العرض، لكن ذلك الحجاب ناقص عما أمر به الإسلام؛ ولذلك نهى الله النساء المؤمنات أن يتشبهن بنساء الجاهلية في حجابهن الناقص؛ فقال -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب:33]؛ قال ابن كثير-رحمه الله-:" والتبرج: أنها تلقي الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها" بل نقول: إن السفور هو الرجعية في الحقيقة؛ فإن المرأة المتبرجة تشبه في لباسها المرأة البدائية التي كانت لا تجد من اللباس إلا الشيء اليسير الذي تستر به أجزاءً من جسدها، فمن يشبه نساء العصر الحجري: المرأة الكاسية بلباس لجميع جسدها، أم المرأة التي ليس عليها إلا القليل من اللباس الذي لا يستر جميع بدنها؟!
عباد الله: إن الحجاب للنساء خير عظيم، وإن في نزعه شر عميم؛ فاتقوا الله وحثوا نساءكم على لبس الحجاب؛ سائلين الله -تعالى- أن يوفق جميع نساء المسلمات لالتزام الحجاب عبادةً لا عادة، ورضا لا كرها.
هذا وصلوا وسلموا على خير البشر؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].