البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

التحذير من الظلم

العربية

المؤلف علي عبد الرحمن الحذيفي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. تحريم الظلم .
  2. عواقب الظلم .
  3. الظلم سبب عذاب الأمم الماضية .
  4. أصل الظلم وأنواعه .
  5. ظلم الشرك .
  6. التحذير من الظلم في السنة . .
اهداف الخطبة
  1. التحذير من الظلم وبيان خطره
  2. بيان أنواع الظلم .

اقتباس

فالله حرّم الظلمَ على نفسه وهو يقدر عليه تكرُّمًا وتفضُّلاً وتنزيهًا لنفسه عن نقيصة الظلم، فإنّ الظلم لا يكون إلا من نفسٍ ضعيفة لا تقوى على الامتناعِ منَ الظلم، ولا يكن الظلم إلاّ من حاجةٍ إليه، ولا يكون إلاّ من جهلٍ به، والله جل وعلا منزَّه عن ذلك كلِّه، فهو القويّ العزيز، الغنيّ عن خلقِه، فلا يحتاج إلى شيء، وهو العليم بكلِّ شيء.

أمّا بعد:

فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسّكوا من الإسلام بالعروةِ الوثقى.

أيّها المسلمون، إن الطاعاتِ تتفاضل عند الله بتضمُّنها تحقيق العبودية لله والتوحيد له وعموم نفعها للخلق مثل أركانِ الإسلام ونحوها، وإنّ الذنوبَ والمعاصي تعظُم عقوباتُها ويَتّسعُ شرُّها وفسادُها بحسب ضررها لصاحبها وللخلق، وإنّ الظلمَ منَ الذنوب العِظام والكبائر الجِسام، يحيط بصاحبه ويُدمِّره، ويفسِد عليه أمرَه، ويُغيّر عليه أحوالَه، ويدركه شؤمُه وعقوباتُه في الدنيا والآخرة.

ولأجلِ كثرةِ مضارّ الظّلم وعظيم خطرِه وتنوُّع مفاسدِه وكثير شرِّه، لأجل ذلك حرّمه الله بين عباده، فقال تعالى في الحديث القدسيّ: "يا عبادي، إني حرّمت الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا، فلا تظالموا".

فالله حرّم الظلمَ على نفسه وهو يقدر عليه تكرُّمًا وتفضُّلاً وتنزيهًا لنفسه عن نقيصة الظلم، فإنّ الظلم لا يكون إلا من نفسٍ ضعيفة لا تقوى على الامتناعِ منَ الظلم، ولا يكن الظلم إلاّ من حاجةٍ إليه، ولا يكون إلاّ من جهلٍ به، والله جل وعلا منزَّه عن ذلك كلِّه، فهو القويّ العزيز، الغنيّ عن خلقِه، فلا يحتاج إلى شيء، وهو العليم بكلِّ شيء.

وحرّم الله الظلم بين عباده ليحفَظوا بذلك دينَهم ويحفظوا دنياهم، وليُصلِحوا بترك الظلم آخرَتهم، وليتمَّ بين العباد التعاوُن والتراحمُ بترك الظّلم، وليؤدّوا الحقوقَ لله وللخلق.

الظلمُ يضرُّ الفردَ ويهلِكه ويوقِعه في كلِّ ما يكرَه، ويرى بسبَب الظلم ما يسوؤه في كلِّ ما يُحِبّ. الظلم يخربُ البيوت العامرةَ ويجعل الديارَ دامِرةً. الظلمُ يبيد الأمَم ويهلك الحرثَ والنّسل.

ولقد حذّرنا الله تبارك وتعالى من الظلم غايةَ التحذير، وأخبرنا الله تعالى بأنَّ هلاكَ القرون الماضية بظلمِهِم لأنفسهم لنحذرَ أعمالهم، فقال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس:13- 14]، وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [الكهف:59]،  وقال تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:45، 46] وقال تعالى: (فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40].

 
وقد أجار الله هذه الأمّةَ الإسلاميّة من عذابِ الاستئصال والهلاك التامّ، ولكن تُبْتلَى بعقوباتٍ دون الهلاك العامّ بسبب ذنوبٍ تقَع من بعض المسلمين وتشيعُ حتى لا تنكَر ولا ينزجِر عنها أصحابُها كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

 
وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزِعًا يقول: "لا إله إلا الله، ويلٌ للعرَب من شرٍّ قد اقترَب، فُتِح اليومَ من ردمِ يأجوجَ ومأجوج مثلُ هذه" وحلّقَ بإصبعين الإبهامِ والتي تليها، فقلتُ: يا رسول الله، أنهلِك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم، إذا كثُر الخبث" رواه البخاري ومسلم.

فدلّ الحديث على أنّ بعضَ الأمةِ في نزول العذاب صالحون، وبعضهم تقَع منهم ذنوبٌ تصيبُ عقوباتُها الكثيرَ من الأمّة في بعض الأزمِنة وبعض الأمكِنة. وفُسِّر الخبث بالزنا وعملِ قوم لوط لقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ) [النور:26]،  وقوله تعالى عن لوط عليه السلام: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ) [الأنبياء:74].  وفسِّر الخبثُ بالخمرِ ونحوه من المسكِرات والمخدِّرات لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخمرُ أمُّ الخبائث". ومعنى الحديث عامّ في كلّ محرَّم يظلِم به المسلم نفسَه.

أيّها المسلمون، أصلُ الظلمِ وضعُ الشيء في غير موضِعه، وهو مخالفةُ شرعِ الله تعالى. والظلمُ ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ظلمٌ للنّفس لا يغفِره الله تعالى إلا بالتّوبة وهو الشركُ بالله تعالى، قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا) [النساء:116]، وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]، فمن مات على الشرك بالله تعالى خلَّدَه الله في النار أبَدًا كما قال عزّ وجلّ: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) [المائدة:72].

 
وكان ظلم الشّرك غيرَ مغفورٍ لمن مات عليه لأجلِ مضادّة ربِّ العالمين في الغايةِ والحكمة من خلقِ الكون الذي خلقه الله لعبادتِه، ولأنّ الشركَ تنقُّصٌ لعظمةِ الخالق وقَدره جلّ وعلا كما قال عز وجل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67].

 
وأيّ ظلمٍ أعظم من أن يجعل الإنسانُ لربّ العالمين نِدًّا يعبده من دون الله الذي خلقَه؟! وأيّ ذنبٍ أكبر من أن يتَّخِذ الإنسان مخلوقًا إلهًا مِنَ الصالحين ومن غيرهم، يدعوه من دون الله، أو يرجوه، أو يستغيث به، أو يخافه كخوف الله، أو يستعين به، أو يتوكّل عليه، أو يذبح له القربان، أو ينذر له، أو يُعدِّه لرغبته ورهبته، أو يسأله المدَدَ والخيرَ، أو يسأله دفعَ الشرِّ والمكروه؟! أيّ ذنبٍ أعظم من هذا الشّرك بالله تعالى؟! قال سبحانه: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) الأحقاف:6، وقال عز وجل: (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [النحل:51-55]، ومعنى (وَاصِبًا) أي: دائمًا، فلِلَّه الدّين دائمًا ما دامت السموات والأرض وفي الدنيا وفي الآخرة، وعن جابر رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسولَ الله، ما الموجِبتان؟ قال: "مَن مات يشرك بالله شيئًا دخلَ النار، ومن ماتَ لا يشرك بالله شيئًا دخَل الجنّة" رواه مسلم، وعن ابنِ مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مَات وهو يدعو لله نِدًّا دخلَ النار" رواه البخاري.

وكما أنّ الشرك بالله تعالى أعظم السيّئات وأكبر الذنوبِ فإنّ توحيدَ ربِّ العالمين أعظمُ الحسنات كما في الحديث القدسي أنّ الله تبارك وتعالى قال: "يا ابنَ آدم، إنك لو أتيتَني بقُرابِ الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرة".

 
والنوع الثاني من الظلم: الذنوبُ والمعاصي التي بين العبدِ وربِّه ما دون الشركِ بالله، فإنّ الله إن شاء عفَا عنها بمنِّه وكرمِه، أو كفّرها بالمصائبِ والعقوبات في الدنيا، أو في القبر، أو تجاوَز عنها الرّبّ بشفاعةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أو شفاعةِ غيره من الشافعين، أو يعذِّبُ الله العاصيَ في النار بقدرِ ذنبه ثم يخرِجه من النار ويدخِله الجنّة إن كان من الموحِّدين كما صحّت بذلك الأحاديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

 
والنوع الثالث من الظلم: مظالم بين الخَلق في حقوقٍ لبعضهم على بعض، تعدَّوا فيها، وأخذَها بعضُهم من بعض، ووقَعوا في ظلمِ بعضهم لبعض، فهذه مظالمُ لا يغفِرها الله إلاّ بأداء حقوقِ الخلق إليهم، فيؤدّي الظالم حقَّ المظلومِ في الدنيا، وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لتؤدُّنّ الحقوقَ قبل أن يأتيَ يومٌ لا درهَمَ فيه ولا دينار، إنما هي الحسناتُ والسيّئات، يُعطَى المظلومُ من حسناتِ الظالم، فإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيّئات المظلوم ووُضِعَت على الظالم، ثم طُرِح في النار".

والمظالمُ بين العباد تكون في الدمِ وفي الحديثِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المرءُ في فُسحةٍ من دينهِ ما لم يُصِب دمًا حرامًا". وتكون المظالم في المالِ، وتكون المظالم باقتطاعِ الأرض والعقارات، وفي حديث سعيد بن زَيد رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطعَ شِبرًا من الأرض طوّقه الله إيّاه من سبع أرضين". وتكون المظالم بين الأرحامِ بتضييعِ حقوق الرحِم، وتكون المظالم بين الزوجَين بترك حقوقهما، وتكون المظالم بين المستأجِرين والعمّال بسبَب تضييع حقوقِهم وسلبِها وتكليفهم ما لا يطيقون، والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول: "أعطوا الأجيرَ أجرَه قبل أن يجفَّ عرقُه". وقد وقع شكاوى مِن بعض العمّال للعامِلين عندَهم لمنعِهم حقوقَهم أو التحايُل عليها، وذلك ظلمٌ شنيع يخرِّب البيوتَ ويمحَق بركةَ المال وينذِر بعقوباتٍ لا طاقةَ للإنسان بها. وقد تكون المظالم بالتّعدِّي على الحقوقِ المعنويّة أو بغيبةٍ ووشايةٍ.

فاحذروا ـ عباد الله ـ الظلمَ، فإنّ الله ليس بغافلٍ عما تَعملون، وهو محرّمٌ ولو وقَع على كافرٍ، قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم:42، 43].

 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيِّد المرسلين وبقوله القويم، أقولُ قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله معزِّ من أطاعه واتّقاه، ومذلِّ من خالف أمرَه وعَصاه، أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لا إلهَ سواه، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله اصطفاه ربّه واجتباه، اللهمّ صلِّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولِك محمّد، وعلى آله وأصحابِه ومن اتّبع هداه.

أمّا بعد: فاتّقوا الله ـ أيّها المسلمون ـ حقّ تقواه، وراقبوه واخشَوه مراقبةَ من يعلَم أنّ الله مطَّلعٌ على سرِّه ونجواه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ) [الحشر:18-20].

أيّها المسلمون، إنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم يقول: "إيّاكم والظلمَ، فإنّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة، وإيّاكم والشحّ فإن الشحّ أهلك من كان قبلَكم، حملهم على أن سَفكوا دماءهم واستحلّوا محارِمَهم" ، وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاذٍ رضي الله عنه: "واتّق دعوةَ المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، وقد استعاذ النبيّ صلى الله عليه وسلم من دعوةِ المظلوم، والله تعالى يقول إذا دعا المظلوم: "وعزّتي وجلالي، لأنصرنّك ولو بعدَ حين".

فاتّقوا الله عبادَ الله، واحذَروا مظالمَ العباد، وتحلّلوها فيما بينَكم، واتّقوا ظلمَ بعضِكم لبعضٍ في دمٍ أو مالٍ أو عِرض أو حقٍّ من الحقوق، فإنّ الله تبارك وتعالى قائم على كلِّ نفسٍ بما كسبت، ويجزيها يومَ القيامة بما عمِلت، يقرأ الإنسان كتابه يقال له: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:14].

عباد الله، إنّ الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه فقال تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من صلّى عليّ صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا".

فصلّوا وسلّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...