السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | راشد البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فيا فوزَ الذاكرينَ بذَوقِ حلاوةِ الإيمانِ، ويا سعادتَهم يومَ لقائهِ، ويا غِبطتَهم في قبورِهِم حين يَفترشونَ الروحَ والريحانَ، ويا فرَحَهم حينَ تتلقاهُم الملائكةُ، مهنئينَ لهم بالخيرِ والكراماتِ والإحسانِ، ويا خسارةَ الغافلينَ ماذا فاتَهم من النِّعَمِ والسرورِ؟! وماذا...
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 2-4]، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له الواحدُ القهارُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه النبيُ المختارُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ الطيبينَ الأخيارِ، ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقَبَ الليلُ والنهارُ.
أما بعدُ: فأجمَعُ وأنفَعُ وصيةٍ أن يُقالَ لكَ: اتقِ اللهَ.
يا مهمومُ: أتريدُ زوالَ همِّكَ، وينقلبَ سرورًا؟ الأمرُ يسيرٌ.
أتريدُ أيسرَ عملٍ تعمَلُهُ بأكثرِ ربحٍ تضمَنُهُ؟!
إنك تُحَصِّلُ ذلك كلَّه بذكرِ اللهِ، الذي هوَ أيسرُ العباداتِ وأفضلُها.
عُمالُ الآخرةِ في مِضمارِ السباقِ، والذاكرونَ هم أسبقُهم في ذلك المِضمارِ، قالَ ابنُ تيميةَ: "مِمَّا هُوَ كَالْإِجْمَاعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِاَللَّهِ وَأَمْرِهِ: أَنَّ مُلَازَمَةَ ذِكْرِ اللَّهِ دَائِمًا هُوَ أَفْضَلُ مَا شَغَلَ الْعَبْدُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْجُمْلَةِ"، فهوَ أفضلُ عندَ اللهِ -سبحانَه وتعالَى- من جميعِ الأعمالِ التي يَعملُها العِبادُ، وأرفعُها درجةً.
والذِكرُ ليسَ كبيراً فحسْب؛ بلْ هوَ أكبرُ: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[العنكبوت: 45].
أكبرُ من كلِّ العباداتِ؛ لأن المقصودَ بالطاعاتِ كلِّها إقامةُ ذِكرِه، إذا ذَكرتُموه ذَكرَكم، وذِكرُه لكمْ أكبرُ من ذِكرِكُم له.
(وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)[العنكبوت: 45] مِنْ أنْ يَبقَى معَه فاحشةٌ ومنكرٌ.
الذِّكرُ أكبرُ، وأجرُه أكثرُ، وأهلُ الذِّكرِ أسبقُ، ألمْ يَقُلْ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ"(رواهُ مسلمٌ).
ومما استُدِلَّ بهِ على تفضيلِ الذَّكرِ على سائرِ العباداتِ: أنه لم يُرخَّصْ في تَرْكِهِ في حالِ من الأحوالِ، حتى في أثناءِ لقاءِ العدوِ في الحربِ: (إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)[الأنفال: 45]، قالَ العلماءُ: "افْتَرَضَ اللَّهُ ذَكْرَهُ عِنْدَ أَشْغَلِ مَا تَكُونُونَ عِنْدَ الضِّرَابِ بِالسُّيُوفِ" ،قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ"(رواه الترمذي وصححه الحاكم والألباني، وجوَّد إسناده ابن عبد البر وابن مفلح).
قالَ أبو بَرْزةَ -رضيَ اللهُ عنهُ-: "لَوْ أَنَّ رَجُلاً فِي حَجْرِهِ دَرَاهِمُ يَقْسِمُهُا وَآخَرُ يَذْكُرُ اللَّهَ كَانَ الذَّاكِرُ لِلَّهِ أَفْضَلَ"(رواه الطبراني المعجم الأوسط، قال ابن حجر والسيوطي: "حديث حسن" والصحيح وقفه على أبي برزة)؛ لأنَّ سائرَ العباداتِ؛ منَ الإنفاقِ، ومقاتلةِ العدوِ، وسائلُ ووسائطُ يُتقربُ بها إلى اللهِ – تعالى-، والذكرُ هو المقصودُ الأسنى.
فيا فوزَ الذاكرينَ بذَوقِ حلاوةِ الإيمانِ، ويا سعادتَهم يومَ لقائهِ، ويا غِبطتَهم في قبورِهِم حين يَفترشونَ الروحَ والريحانَ، ويا فرَحَهم حينَ تتلقاهُم الملائكةُ، مهنئينَ لهم بالخيرِ والكراماتِ والإحسانِ، ويا خسارةَ الغافلينَ ماذا فاتَهم من النِّعَمِ والسرورِ؟! وماذا حصلَ لهم من العقوباتِ والشرورِ؟!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون: 9]، قالَ صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلاَّ عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ -تَعَالَى- فِيهَا"(رواه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، قال المنذري: "إسناده جيد"، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رجاله ثقات").
فإليكم الآنَ خمسةَ أذكار أجورُها من أعظمِ الأجورِ إن لم تكن أعظمَها: الأولُ: قالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مِائةَ مَرَّة ٍقبلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها لَمْ يَجِيءْ يَوْمَ القِيامَةِ أَحَدٌ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِهِ إلاَّ مَن قَالَ قَوْلَهُ، أوْ زَادَ"(سنن النسائي الكبرى، وحسنه الألباني).
انتبِهْ! تقولُه مائتَي مرةٍ يوميًا قبلَ طلوعِ الشمسِ مائةً، وقبلَ غروبِها مائةً.
الثاني: روَى البخاريُ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ (يعنيْ استيقظَ) فَقالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ"(صحيح البخاري).
اللهُ أكبرُ! استجابةُ دعاءٍ وقَبولُ صلاةٍ، بمجردِ كلماتٍ! فلا تَعجَزْ ولا تَكسَلْ.
الذِكرُ الثالثُ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ للنَّبِيِّ -صلى لله عليه وسلم-: عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي صَلاَتِي؟ فَقَالَ: "كَبِّرِي اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِي مَا شِئْتِ يَقُلْ: نَعَمْ، نَعَمْ"(حسنه الترمذي واستغربه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم على شرط مسلم)، "وَإِذَا اسْتَغْفَرْتِ قَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكِ"(رواه ابن السنّي عن أم رافع، قال ابن حجر: "حديث حسن"، قال العراقي: "إيراد هذا الحديث في باب صلاة التسبيح فيه نظر، ينظر: "قوت المغتذي على جامع الترمذي" للسيوطي).
ويُقالُ قبلَ الدخولِ في الصلاةِ، أو إذا انتهى منَ التشهدِ وقبلَ السلامِ.
الرابعُ: عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ"(صحيح مسلم).
الخامِسُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ: التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ، يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟!"(رواه ابن ماجه، وصححه الحاكم، والبوصيري، والألباني) إيْ واللهِ، نُريدُ أن يَذكُرَنا ربُّنا.
فاللهم ارحمْنا ولا تَحرِمنا، اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنا بِدُعَائِكَ أَشْقِياء، وَكُنْ بِنا رَؤوفًا رَحِيمًا، يَا خَيْرَ الْمَسْؤولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ.
سبحانَكَ ربَنا ما عبدناكَ حقَ عبادتِكَ، سبحانَك ما قَدَرناكَ حقَ قدرِكَ.
اللهم أرخِصْ أسعارَنا، وآمِنْ ديارنا، وحسّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا، وطيبْ أقواتَنا، ووفقْ ولاتَنا، وسدّدْ إمامَنا ووليَ عهدِهِ، واحفظْ حُماةَ حدودِنا، واشفِ مرضانا، وارحمْ موتانا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ اللهم ديونَنا.
سبحانَ مَن يَسقيْنا على معاصيْنا (استسقاء).