الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | عبدالله ابراهيم الكيلاني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أعلام الدعاة |
مهما بدت الذنوبُ كبيرةً فرحمةُ اللهِ أكبرُ، وعندما تتوجه إلى ربك الغفور تدعوه خوفًا وطمعًا، فستجدُ الله غفورًا رحيمًا. ولنتعرف على قصة أحد التائبين كان في بداية أمره مسرفًا على نفسه بشرب الخمر، وصار من كبار العُبَّاد في زمانه...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه وَنستَعِينُه ونسْتغْفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرُورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومَن سَار على نهجِه، واقْتَفَى أثرَه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:56].
أيها المحب: مهما بدت الذنوبُ كبيرةً فرحمةُ اللهِ أكبرُ وأوسع، وعندما تطرقُ أبواب الرحمة بنية صادقة، وتتوجه إلى ربك الغفور تدعوه خوفًا وطمعًا، فستجدُ الله غفورًا رحيمًا.
ولنتعرف على قصة أحد التائبين كان في بداية أمره مسرفًا على نفسه بشرب الخمر، وصار من كبار العُبَّاد في زمانه، بعد أن مَنَّ اللهُ عليه بالتوبةِ حين لجأ إلى باب ربه بقلب صادق وبدموع هتون.
هذا التائب اسمه مالك بن دينار، كان من كبار العُبَّاد حتى روى له البخاري في صحيحه أحاديث عن محمد بن سيرين، وعن القاسم بن محمد.
سُئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيّاً، وكنت منهمكاً على شرب الخمر. ثم إنني تزوجت ورُزِقْتُ ببنت. فشُغِفْتُ بها، فلما دبَّت على الأرض ازدادت في قلبي حبّاً، وألفتني وألفتها. قال: فكنتُ إذا وضعت المُسْكِر بين يدي جاءت إليَّ وجاذبتني عليه وهرقته على ثوبي، هذه الطفلة الصغيرة ترى أباها يشرب الخمر فتحاول منعه.
يقول مالك بن دينار: فلما تم لها سنتان ماتت، فأكمدني حزنها. فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بتُّ ثملاً من الخمر، ولم أصَلِّ صلاة العشاء. فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونُفِخَ في الصور، وبُعثرت القبورُ، وحُشرَ الخلائقُ، وأنا معهم. فسمعت حسّاً من ورائي، فالتفتُ، فإذا أنا بتنينٍ أعظمَ ما يكونُ أسودَ أزرقَ قد فتح فاهُ مسرعاً نحوي. فمررتُ بين يديه هارباً، فزعاً، مرعوباً.
فمررتُ في طريقي بشيخٍ نقيّ الثوبِ طيبِ الرائحة، فسلَّمتُ عليه فرد السلام، فقلت: أيها الشيخ! أجرني من هذا التنين أجارك الله، فبكى الشيخ وقال لي: أنا ضعيف وهذا أقوى مني وما أقدر عليه، ولكن مُرَّ وأَسْرِع فلعلَّ الله أن يتيح لك ما ينجيك منه.
فوليت هارباً على وجهي، فصعدت على شرف من شرف القيامة، فأشرفت على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوي فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجعْ فلستَ من أهلها!
فاطمأننت إلى قوله ورجعت، ورجع التنين في طلبي -أي: أنه قد بُشِّر أنه ليس من أهل النار، ولكن ما بال هذا التنين يركض وراءه؟-؛ فأتيتُ الشيخَ فقلت: يا شيخ! سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل. فبكى الشيخُ، وقال: أنا ضعيف، ولكن سِرْ إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائعَ المسلمين، ِفإن كان لك فيه وديعة فستجيرك.
فلما نظرت إلى الجبل ولَّيتُ إليه هارباً، والتنين من ورائي، حتى إذا قرُبْتُ مِنه صاحَ بعضُ الملائكة: "ارفعوا الستور وافتحوا المصاريع وأشرفوا"! فلعل لهذا البائسِ فيكم وديعةُ تجيره من عدوه. فإذا الستور قد رُفِعَتْ، والمصاريع قد فُتِحَتْ، فأشرف عليَّ أطفالُ بوجوه كالأقمار. وقرُبَ التنينُ مني، فتحيرتُ في أمري. فصاح بعضُ الأطفال: "ويحكم! أشرِفوا كلكم، فقد قرُبَ منه عدوه".
فأشرفوا فوجاً بعد فوج، وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت عليَّ معهم. فلما رأتني بكت، وقالت: أبي والله!. فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها، ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولى هارباً، ثم أجلستني، وقعدت في حجري، وضربت بيدها اليمنى إلى لحيتي، وقالت: يا أبت (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)[الحديد: 16]. فبكيتُ وقلتُ: يا بنية! وأنتم تعرفون القرآن؟ فقالت: يا أبت! نحن أعرف به منكم.
قلت: فأخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني. قالت: ذلك عملُكَ السيءُ قوَّيتَه؛ فأراد أن يُغرقَك في نار جهنم. قلت: فأخبريني عن الشيخ الذي مررتُ به في طريقي. قالت: يا أبت! ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن به طاقة بعملك السوء. قلت: يا بنية! وما تصنعون في هذا الجبل؟ قالت: نحن أطفال المسلمين قد أُسْكِنَّا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفعُ لكم.
قال مالك بن دينار: فانتبهتُ فزِعاً ولمَّا أصبحت فارقتُ المُسْكِر، وكسرتُ الآنية وتبتُ إلى الله عز وجل. وهذا كان سبب توبتي.
أخي المستمع جاء في الحديث القدسي فيما رواه مسلم عن أبي ذر عن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً"(رواه مسلم).
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي لكم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه.