البحث

عبارات مقترحة:

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

فوائد وعظات من وصايا لقمان لابنه

العربية

المؤلف بندر بليلة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه
عناصر الخطبة
  1. في وصايا القرآن موعظة وذكرى .
  2. من وصايا لقمان لابنه .
  3. الحكمة خير ما يُرزَقه العبد .

اقتباس

وإن من خير ما يؤتاه العبد حكمة تبصِّرُه بالخير، وتقرِّبُه منه، وتبصِّرُه بالشر، وتصرفه عنه، فيسير في دنياه على بينة وبرهان، آمِنًا من التخبُّط، سالِمًا من العثار، متثبِّتًا في شأنه، متروِّيًا قبلَ إقدامه، لا يطيش لأدنى وارد، ولا يستفزِّه كلُّ بارق...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله مُنزِل القرآن والحكمة، ومُفِيض الجُود والرحمة، لك الحمد ربَّنا حمدا يمحو غواشي الظُّلْمة، ويكشف أقنعة الغُمَّة، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، أكمَل اللهُ لنا بشرعه الدِّين، وأتم علينا النعمة، وجعلنا به خير أمة، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أولي العزم والهمة، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، ما تعاقَب النور والظُّلْمة.

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واغتَنِموا الأعمارَ قبل ازورارها، ولا تُلْهِيَنَّكُم الحياةُ الدنيا بزخرفها واخضرارها، فكم غرَّت وأَغْرَتْ ثم أَغَارَتْ، (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ)[الِانْشِقَاقِ: 4].

وإن للموت لَخَطَفات، وإن في الآخرة لَوَقَفات، فكونوا من حسناتكم على وَجَل، ومن سيئاتكم على خَجَل، وسِيروا إلى ربِّكم على عَجَل، قبل نزول الأجل.

أيها المسلمون: إن في وصايا القرآن الحكيم لَذكرى لأولي الألباب، ونورا من نور الله العظيم، يهدي به من يشاء من عباده، وفي طيها من أسرار القرآن وعجائبه ما لا يُحاط به، ولا يُوقَف على غَوْرِه، ولا غَرْوَ فهو كلام الحكيم العليم، (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)[النَّمْلِ: 6]، وخير الوصايا ما خرَج من مشكاة الحكمة، وأُلْبِسَ لبوسَ العطف والرحمة، وذلك بيِّن كلَّ البيان، فيما حكاه -سبحانه- عن عبده لقمان، العبد الصالح، الذي فجَّر الله في قلبه ينابيعَ الحكمة، فجرى بها لسانُه عذبًا نميرًا، وصارت حكمتُه في الناس مثلًا، فما أحسن ذلك المجرى، وما أبلغ ذيَّاك المسرى، قال سبحانه مُنعِمًا ممتَنًّا: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[لُقْمَانَ: 12]، ثم أتبع ذلك بذكر وصاياه العشر لابنه، وهي وصايا غالية عالية، بليغة محكَمة، جامعة لخصال الخير، محيطة بأطراف الفضيلة، فقال جلَّ ذِكْرُه: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)[لُقْمَانَ: 13]، فابتدأ بحق الله على عبيده، وهو أعظم الحقوق وأَوَّلُها وأَوْلَاها، حق التوحيد الخالص من الشرك، ولا غَناءَ للعبد إلا به، وإلا كان كمن تَخْطَفُه الطيرُ، أو تهوي الريح في مكان سحيق، وعظَّم أمر الشرك وجعَلَه ظلمًا عظيمًا؛ لأنه تسوية بين الخالق والمخلوق، بين مَنْ له الأمر كله، ومن ليس له من الأمر شيء، فكيف يذل المخلوق لمخلوق مثلِه، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فَاضْرَعْ أيها المسلمُ إلى الذي رفَعَكَ عن العبادة للعبيد، وأعتَقَكَ من الرق للنظير والنديد، وعصَمَكَ من السجود للصنم، وقضى لكَ بقَدَم الصِّدْق في القِدَم، أن يتم عليكَ نعمة هو ابتدأها، واقصر حُبَّكَ عليه وحدَه، وتوكَّلْ عليه وحدَه، وآثِرْ رضاه وحدَه، واجعل حبَّه ورضاه هو كعبة قلبِكَ، التي لا تزال طائفًا بها، مستلِمًا لأركانها.

عباد الله: وإنه ليس حق بعد حق الله -تعالى- كحق الوالدينِ، فكانت الوصية ببرهما وشكر معروفهما والإحسان إليهما قرينة الوصية بتوحيد الله -تعالى-، قال جل شأنه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لُقْمَانَ: 14]، فيا لَلِّهِ! كم للوالدين من يد إلى الولد ممتدة، وعين عليه حفيظة، وقلب من أجله حادب مشفِق، ونَفْس عليه موقوفة مرصَدة معدَّة، إنهما -واللهِ- آيةُ الإيثار والنُّبْل، ومورد الرعاية والفضل، وتفضل الأم بمشقة على مشقة، وتعب في إثر تعَب، ولا يزيدها التعبُ والوهنُ إلا حُنُوًّا، فهي وعاء النَّسَب، وغرس الحَمْل، بل هي زينة الحياة، وزهرة الجناة، هي بيت الجَلال وموطن الدلال، ومسكن الضَّعْف، ومهبط العطف.

وكم أحسن مَنْ قال:

لِأُمِّكَ حَقٌ لَوْ عَلِمْتَ كَبِيرٌ

كَثِيرُكَ يَا هَذَا لَدَيْهِ يَسِيرُ

فَكَمْ لَيْلَةٍ بَاتَتْ لِثِقْلِكَ تَشْتَكِي

لَهَا مِنْ جَوَاهَا أَنَّةٌ وَزَفِيرُ

وَفِي الْوَضْعِ لَوْ تَدْرِي عَلَيْهَا مَشَقَّةٌ

لَهَا غُصَصٌ مِنْهَا الْفُؤَادُ يَطِيرُ

وَكَمْ غَسَلَتْ عَنْكَ الْأَذَى بِيَمِينِهَا

وَمَا حِجْرُهَا إِلَّا لَدَيْكَ سَرِيرُ

وَتَفْدِيكَ مِمَّا تَشْتَكِيهِ بِنَفْسِهَا

وَمِنْ ثَدْيِهَا شُرْبٌ لَدَيْكَ نَمِيرُ

وَكَمْ مَرَّةً جَاعَتْ وَأَعْطَتْك قُوتَهَا

حُنُوًّا وَإِشْفَاقًا وَأَنْتَ صَغِيرُ

فَدُونَكَ فَارْغَبْ فِي عَمِيمِ دُعَائِهَا

فَأَنْتَ لِمَا تَدْعُو بِهِ لَفَقِيرُ

أيها المسلمون: وإن بلَغ الأمرُ بالأبوين أن يدعوا ولدَهما إلى الشرك فإن حقَّهما في البِرِّ والمصاحَبةِ باقٍ، مع ترك طاعتهما في معصية الله والشرك به -سبحانه-، وليس وراء هذا التعظيم لحقهما تعظيم، وليس بعد هذه الرعاية لشأنهما رعاية، قال عز مِنْ قائلٍ: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[لُقْمَانَ: 15].

ولا يزال لقمان يُبلِغ في موعظة ابنِه، فيقول له في تعطُّف وتحنُّنٍ وإشفاقٍ: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لُقْمَانَ: 16]، يقول له: رَاقِبْ ربَّكَ في سِرِّكَ وجهرِكَ، واحذر أن تكون حيث يكرَهُ، وألَّا تكون حيث يحب؛ فإنه عليك مطَّلِع وشاهِد، وإنه لا تخفى عليه خافيةٌ، مهما صغرت ودقَّت، ولَعمر الله لقد وقعَت هذه الوصيةُ موقعَها حقًّا، فإن لقمان -رحمه الله-، قد ابتدأ موعظةَ ابنه بأعظم مطلوب، وهو التوحيد الخالص، ثم أتى ليذكره بعمل القلب وتهذيبه، الذي هو أشرف العمل وأكرمه عند الله، فإن الله لا ينظر إلى الصور والأشكال، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال.

أيها المسلمون: ولا يزال لقمان الحكيم -رحمه الله- ينبِّه ابنَه على محاسن الشِّيَم، وكرائم الأخلاق والقِيَم، فلما انتهى من تصفية الاعتقاد وإخلاص التوحيد أتبَعَه بأشرف العمل، وهو عمل القلب من المراقَبة، وما تستتبعه من الخوف والرجاء، حانت منه التفاتةٌ إلى عمل الجوارح، واختص منها أشرفها وأكرمها، وهو إقام الصلاة، فقال في معرِض وعظِه: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)[لُقْمَانَ: 17].

الصلاة -عباد الله- شعار المؤمنين، وراحة العابدينَ، وقرة عيون المنيبينَ، وقد وضعت في شريعة الإسلام على أكمل الوجوه وأحسنها، التي تعبَّد بها الخالقُ -تبارك وتعالى- عبادَه، فهي مشتَمِلة على الثناء والحمد، والتمجيد والتسبيح والتكبير، وشهادة الحق، والقيام بين يدَي الربِّ مقامَ العبد الذليل الخاضع المدبر المربوب، والتضرع والتقرب إليه بكلامه، ثم انحناء الظَّهْر ذُلًّا له وخشوعًا واستكانةً، ثم استوائه قائمًا ليستعدَّ لخضوع أكمل له من الخضوع الأول، وهو السجود من قيام فيضع أشرفَ شيء فيه، وهو وجهُه على التراب خشوعًا لربه، واستكانةً وخضوعًا لعظمته، وذُلًّا لعزته، قد انكسر له قلبُه، وذلَّ له جسمُه، وخشعت له جوارحُه، ثم يستوي قاعدًا يتضرَّع له، ويتذلَّل بين يديه، ويسأله من فضله، ثم يعود إلى حاله من الذُّلِّ والخشوع والاستكانة فلا يزال هذا دأبه حتى يقضي صلاتَه، فيجلس عند إرادة الانصراف منها مثنيًا على ربه، مسلمًا على نبيِّه وعلى عباده، ثم يصلي على رسوله، ثم يسأل ربَّه من خيره وبِرِّه وفضله، فأي شيء بعد هذه العبادة من الحُسْن، وأي كمال وراء هذا الكمال، وأي عبودية أشرف من هذه العبودية؟

عبادَ اللهِ: وبعد أن وصَّى لقمانُ ابنَه بما فيه تكميل نفسه انتقل به إلى الوصية بما فيه تكميل غيره، فإن أفضل الناس مَنْ كان كاملًا في نفسه مُكَمِّلًا لغيره، وذلك قوله: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[لُقْمَانَ: 17]، فالمعروف اسم جامع لكل ما تألَفُه النفوسُ من الخير، والمنكَر اسم جامع لِمَا تُنكِره النفوسُ من الشر؛ فهي إذنٌ وصيةٌ بالأمر بخِلال الخير كلها، والنهي عن خلال الشر كلها؛ ولذا كان هذا الأمر والنهي عنوان الخيرية، وسر التفضيل لهذه الأمة المحمدية، في قوله -تبارك وتعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110].

ثم أردَف ذلك بقوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[لُقْمَانَ: 17]، وهو إرشاد بليغ إلى لزوم الصبر على كل عامِل لله -تعالى-، فإقامُ الصلاةِ على وجهها بفروضها وأركانها، وركوعها وسجودها وخشوعها يُحتاج فيه إلى الصبر والمكابَدة والمجاهَدة، فإنها لَكبيرة ثقيلة إلى على الخاشعينَ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج فيه إلى الصبر وتحمُّل الأذى، فليس ثَمَّ مكان هاهنا للانتصار للنفس ولا لطلب حظِّها.

نفعني اللهُ وإياكم بما أنزَلَه من البينات والهدى، وبارَك لنا في سنة خير الورى، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفِروه إنه كان غفارا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله ما همَع سحاب، ولَمَع سراب، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، الذي أنزل عليه خيرَ كتاب، وعلى آله والأصحاب، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب.

أما بعد أيها المسلمون: فقد جاءت أواخر هذه الوصايا النورانية لِتُنَبِّه على أدب المرء في نفسه وأدبه مع الناس، بعد أن نبَّهَت أوائلُها على صلته بربِّه عقيدةً وعملًا، ففي أدَب المرء مع الناس قال تعالى وتقدَّس: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[لُقْمَانَ: 18]، فنهاه عن تصعير الخد للناس، وهو إمالته عنهم والإعراض تكبُّرًا واختيالًا، ونهاه عن المشي في الأرض مرحًا؛ وهو كناية عن العُجْب بالنفس والفخر بها، فجاءت وصيتُه متضمنةً الحثَّ على التواضع، وخفض الجَناح، ولِين الجانب، وهذه من أحسن الأخلاق وأقربها إلى نَيْل محبة الرب -تعالى- ومحبة خَلْقِه، قال بعضُ العلماء في شأن بعض المختالينَ: "إذا حفظ أحدُهم مسألتينِ، وجلَس بين يديه طالبانِ، أو نال طرفًا من رياسة مشيَ خيلاءَ، وودَّ لو حكَّ بيافوخه السماءَ"، يمرون عن هذه الآية وهم عنها معرضون، وماذا يفيد أن يَقْرَأ القرآنَ أو يُقرأ عليه وقلبه عن تدبره بمراحل.

ثم جاءت الوصية بأدب المرء في نفسه بقوله جل ثناؤه: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لُقْمَانَ: 19]، وهو أدب عالٍ غالٍ، يربي المرءَ على خُلُق كريم؛ أن يقصد في مشيه متوسِّطًا، ليس بالبطيء المثبِّط، ولا السريع المفرِط، وهو تنبيه إلى حُسْن الاعتدال في الأمر كله، وأن يخفض من صوته؛ لأن رفعَه من غير حاجة قبيح منكَر، وكفى به قبحًا أن مثل بنهيق الحمير.

فدونَك أيها الأبُ الحاني، والمربِّي المشفِق، دُرَرًا من الحكم النورانية، والوصايا الذهبية، خذها بقوة، ولتكن هاديًا لك في طريق التهذيب والإصلاح، تبلغ الأمل المنشود، وتوفَّق إلى الفَلَاح.

هذا وإن من خير ما يؤتاه العبد حكمة تبصره بالخير، وتقربه منه، وتبصره بالشر، وتصرفه عنه، فيسير في دنياه على بينة وبرهان، آمِنًا من التخبُّط، سالِمًا من العثار، متثبِّتًا في شأنه، متروِّيًا قبلَ إقدامه، لا يطيش لأدنى وارد، ولا يستفزِّه كلُّ بارق، قال سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 269].

ثم صلُّوا وسلِّموا على خِيرتِه من خَلْقِه، المصطفى لوحيه، والمنتَخَب لرسالته، من ختَم اللهُ به نبوتَه، وفتَح به رحمتَه، المرفوع ذِكْرُه، مع ذكره في الأولى، والشافع المشفَّع في الأخرى، كما أمركم ربكم -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والأصحاب، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودَمِّرْ أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئنا وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم ما سألناك من خير فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا، وما قَصُرَتْ عنه آمالُنا وأعمالُنا من خيرَي الدنيا والآخرة فبَلِّغْناه، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم اجعل عمله في رضاك، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح الإسلام وعز المسلمين يا رب العالمين.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم بفضلك عُمَّنا، وبلطفك حُفَّنا، وعلى الإسلام والسنة والجماعة جَمْعًا تَوَفَّنَا، تَوَفَّنَا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غيرَ خزايا ولا مفتونين، ولا مبدِّلين ولا مغيِّرين يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من أهل الصلاح والاستقامة، وهيئ لنا سلوك سبيل الكرامة، ولا تخزنا يوم القيامة، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا، اللهم كن لهم معينا وظهيرا، ومؤيِّدًا ونصيرا، يا رب العالمين.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح أحوال المسلمين في مكان، وردهم إلى دينك، وإلى سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم- ردا جميلا.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم كن لهم معينا وظهيرا، ومؤيدا ونصيرا، يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23].

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، ولمن أوصانا بدعاء الخير، عم الجميع بالرحمة والرضوان، وعاملنا وإياهم باللطف والإحسان، واجعل عاقبة أمرنا يا مولانا عندك العفو والصفح والغفران، والعتق من النيران.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.