الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | عبدالله محمد الطوالة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - الدعوة والاحتساب |
إن أخطر ما يصيب الأمة الإسلامية روح الهزيمة النفسية وضعف الهمة الذي يولّد الانحطاط والتقهقر والتخلف، إن الأمة الإسلامية وهي تعيش هذه المرحلة الحرجة من تاريخها بحاجة إلى أن تبث في نفوس أبنائها معاني العزة، وأن تعمقها في شخصياتهم، وتصقل بها فكرهم ورأيهم، وترفع بها ذكرهم، وتدفعهم بها نحو المعالي والسؤدد والشموخ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذو الملك والملكوت، والعزة والجبروت، الحمد لله عزَّ ربنا فارتفع، وذلَّ كل شيء لعظمته وخضع، لا رادّ لحكمه ولا معقّب لما صنع، الحمد لله ذو الجلال والإكرام، الملك القدوس السلام.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلُ شيءٍ قائمٌ به، وكلُ شيءٍ خاضعٌ له، وكلُ شيء راجعٌ إليه، (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه:8]، إلهاً واحداً أحداً فرداً وتراً، كل مَلكٍ غيرُهُ مملوك، وكل قويٍ غيرُهُ ضعيف، وكل حيّ غيرهُ ميت، وكل غنيٍ غيرهُ فقير. (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)[طه:6].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبياً نصره الله بالرعب وبعثه للثقلين رحمةً وبشراً، مَن صلَّى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الأرفعين قدراً، والأطيبين ذكراً.
أما بعد: فأوصيكم -أيها الكرام ونفسي- بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله، فتقوى الله فرجٌ ورزق، وعلمٌ وقرب، وأجرٌ وحسن عاقبة، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[ الطلاق:2-3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق:4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق:5].
أيها المؤمنون: إن الشعور بالدونيّة والهزيمة النفسية شر هزيمة تُمْنى بها أمة؛ تفت عضدها، وتفلّ حدها، وتغيّب قُدَرَها، وتجرّئ عُداتها، ولا تقوم معه للحق قائمة. وهذا ما يعارض إرادة العز لأمة الإسلام، وقدره الذي ارتضاه الله لها بقوله: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون:8]؛ مهما بلغ قرحها وغار جرحها واستشرس عدوها (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:139]؛ حتى غدا سنام العز لأهل الإيمان شعاراً ودثاراً، يصف ذلك الحالَ إبراهيمُ النخعي بقوله: "كَانُوا يكْرهُونَ للْمُؤْمِنين أَن يُستذلوا؛ فيجترئَ عَلَيْهِمُ الْفُسَّاق".
حدث قيس بن مسلم -رحمه الله- عن طارق بن شهاب -رضي الله عنه- قال: "خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا الْمَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا؟! تَخْلَعُ خُفَّيْكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ، وَتَأْخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ، وَتَخُوضُ بِهَا الْمَخَاضَةَ؟! مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ عُمَرُ: "أَوَّهْ! لو لَمْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ لجَعَلْتُهُ نَكَالًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ؛ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ".
العزة حقيقة متى استقرت في القلب قوّته؛ فاستعلى بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله، وهي منزلة شريفة تنشأ عن معرفة المرء بقدر نفسه وإكرامها عن الضراعة للأغراض والأعراض الدنية؛ فيترفّع بها عما يُلحِقه غضاضةً. وليس ذلك من الكبر في شيء؛ إذ الكبر جهلٌ بقدر النفس وإنزال لها فوق منزلتها؛ ولهذا لما قيل للحسن البصري -رحمه الله-: "ما أعظمك في نفسك! فقال: لست بعظيم، ولكني عزيز".
وهذا ربعي بن عامر الصحابي الجليل البطل، الذي ضرب مثالاً عجيبًا في عزة المؤمن، ففي معركة القادسية وعندما طلب رستم قائد الفرس من سعد بن أبي وقاص أن يبعث إليه رسولاً يتفاوض معه، فدخل عليه ربعي -رضي الله عنه-، وقد زينوا مجلسهم بالنمارق المذهبة والحرير، وأظهروا اليواقيت واللآلئ الثمينة، وقد جلس رستم على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف مثلم وترس ورمح بدائية، وفرس قصيرة، فلم يزل راكباً حتى داس بفرسه على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم وإنما دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلاّ رجعت.
فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق تلك النمارق يخرقها برمحه، فقالوا له: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسَلَنَا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.
لقد عاش هذا الصحابي الجليل العزة في أسمى معانيها، وما ذاك إلا لأن الإيمان عظم في قلبه فغدت الدنيا عنده حقيرة ومباهجها صغيرة وكبيرها صغير لا يعدو قدره.
أحبتي في الله: لقد أكّد الله -سبحانه- استئثاره بالعزة جميعاً في ثلاث آيات من كتابه العزيز؛ وأنه لن يجد العزة إلا من تولاه الله، وطلبها عنده، وركن إلى حماه، يقول الله -جل في علاه-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)[فاطر:10]، قال أبو بكر الشبلي: "من اعتز بذي العز فذو العز له عَزَّ"، وقال رجل للحسن: "إني أريد السِّند؛ فأوصني، قال: أعِزَّ أمرَ الله حيث ما كنت يُعزَّك الله، قال: فلقد كنت بالسند وما بها أحد أعزُّ مني".
وَإِذَا تَذَلَّلَتِ الرِّقَابُ تَخَشُّعًا | مِنَّا إِلَيْكَ فَعِزُّهَا فِي ذُلِّهَا |
ولما كانت العزة لله، وهو ربها؛ صار سبيلها مقطوعاً إلا من سبيله؛ فلا تطلب إلا منه. وأعظم سبيل لتحصيلها: الإيمان بالله -جل وعلا-، وبقدر ما حقق العبد من الإيمان يكون حظه من العزة، كما قال الله -سبحانه-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون:8]؛ إذ بالإيمان تكون ولاية الله التي لا يذل بها متمسّك، ولا يعز بتركها عادٍ، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ".
ومن أجلى حقائق الإيمان التي تكمن فيها العزة حسن الطاعة والاستجابة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- قوله: "وجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"، ويقول سفيان الثوري: "كَانَ يُقَالُ: مَنْ أَرَادَ عِزًّا بِلا عَشِيرَةٍ، وَهَيْبَةً بِلا سُلْطَانٍ؛ فَلْيَخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى عِزِّ طَاعَتِهِ". وأنى لمن كبّرَ الله في كل شأنه أن يذل لغيره!
ألا إنما التقوى هي العز والكرم | وحبك للدنيا هو الذل والسقمَ |
وليس على عبد تقي نقيصة | إذا حقق التقوى وإن كان معدما |
يقول الحسن البصري: "مَنْ تَعَزَّزَ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْرَثَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الذِّلَّةَ، وَلا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَهُ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِهِ"، ويقول عن المنعَّمين الفجرة: "إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إلا إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ".
روى الحاكم وغيره بسند صحيح أن حكيم بن حزام ذهب إلى السوق يومًا، فوجد فيها حلة تباع، وكانت حلة نفيسة جميلة، فقال: حلة من هذه؟ قالوا: هذه حلة ذي يزن ملك اليمن، فاشتراها حكيم بخمسين دينارًا، ثم ذهب وأهداها للنبي، -صلى الله عليه وسلم- فلبسها رسول الله وصعد بها المنبر، فما رُئيت حلة أجمل منها وهي على رسول الله، فنزل -عليه الصلاة والسلام- وألبسها لحبّه وابن حبه أسامة بن زيد؛ وذلك لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان عازفًا عن الدنيا، فلبسها أسامة، وكان آنذاك فتى صغيرًا، وكان دميم الخِلقة، وكان أبوه مولى، فلبسها ونزل بها السوق، فرآه حكيم بن حزام، -ولم يكن قد أسلم بعد- فقال له: حلة من هذه؟ فقال: حلة ذي يزن ملك اليمن، فقال له حكيم: أوَتلبس أنت حلة ملك اليمن؟! قال: نعم، أنا خير من ذي يزن، وأمي خير من أمه، وأبي خير من أبيه.
انظروا إلى هذه العزة وكيف كان يشعر بها ذلك الفتى المسلم، كان يشعر بأنه أفضل من ذي يزن ملك اليمن، لماذا؟ لأنه مسلم وذاك كان كافرًا، فلأصغر رجل من المسلمين هو أفضل من كفار الدنيا كلها بالغاً ما بلغوا من مكانة الدنيا وحطامها، لا لشيء سوى أنه مسلم وهم كفار، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون:8]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آل عمران:26].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحديد:28].
أيها الناس: الإنسان بفطرته يحب العزة لنفسه، ويكره الذل والذلة، والناس يتلمسون مواطن العزة ويطلبونها لأنفسهم؛ ولذا يسعون للجاه؛ لما فيه من عزة على من يعرفونهم، ويكدحون في جمع المال لنيل العزة به، يستوي في ذلك المؤمن والكافر والبر والفاجر، إلا أن المؤمن قوي بإيمانه، عزيز بدينه، قد ذل لله -تعالى- فأعزه الله –سبحانه-، فلا يذل لسواه، ولا يخشى غيره.
وحتى ولو كان المؤمن ضعيفاً مستضاماً، فإنه لا يذل للخلق، ولا يتنازل عن شيء من دينه، ذلك أنه عزيز بعزة الله -تعالى-؛ يوقن أن الله قد شرّفه بعبوديته له، والانتساب لدينه، والفخر بإسلامه، وتطبيق شريعته، ولو سخر منه الساخرون، واستهزأ به المنافقون. فهذه هي العزة بالحق؛ لأنها اعتزاز بمن يملك العزة، ولا عزة لمخلوق إلا به -عز وجل- (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا)[فاطر:10]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الصافات:180].
ومن أوصاف أهل هذه العزة أنهم (أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح:29]، ونعتهم الله -تعالى- بقوله -سبحانه-: (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ)[المائدة:54]، فلا يلينون في الحق، ولا يداهنون الخلق، ولا يستكينون للعدو، ولا يتنازلون عن شيء من دينهم، قال -تعالى-: (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا)[آل عمران:146].
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: "لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متحزقين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أُريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون"؛ أي: غيرةً لله -تعالى-، ونصرةً لدينه، واعتزازًا بالحق.
أما أهل الكفر والنفاق فتغرهم قوتهم، وتعجبهم كثرتهم، فيعتزون بها، قال الله عن سحرة فرعون: (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الغَالِبُونَ)[الشعراء:44].
ومثلهم المنافقون، الذين يعتزون بالكفار ويذلون لهم، ويسارعون فيهم، ويطبقون مناهجهم، ويتبعونهم في ضلالهم ؛ طلبا للعزة منهم، كما حكى الله تعالى عنهم فقال سبحانه (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا)[النساء:138-139].
ومن اعتز بغير الله -تعالى- فإن عاقبته إلى ذلّ، وانظروا إلى حال بعض طغاة العصر كيف هووا من ذرى العلياء والمجد إلى أسفل دركات الذل؛ لأنهم اعتزوا بغير الله -تعالى- فأذلهم الله -تعالى-، ومن طلب عزاً بباطل أورثه الله ذلاً في الدنيا قبل الآخرة..
إن أخطر ما يصيب الأمة الإسلامية روح الهزيمة النفسية وضعف الهمة الذي يولّد الانحطاط والتقهقر والتخلف، إن الأمة الإسلامية وهي تعيش هذه المرحلة الحرجة من تاريخها بحاجة إلى أن تبث في نفوس أبنائها معاني العزة، وأن تعمقها في شخصياتهم، وتصقل بها فكرهم ورأيهم، وترفع بها ذكرهم، وتدفعهم بها نحو المعالي والسؤدد والشموخ.
الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الالتزام بالعزة والأخذ بمقوماتها على كل مستوياتها، جماعات وأفراداً، ألا وإن الاعتزاز بالدين من أقوى ما نواجه به أعداءنا في زمن تداعت فيه الأمم علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فهلم إلى طريق العزة والمجد والخلود.
ووالله إن العزة لأهل الحق والإيمان باقية ما استقاموا على النهج، وأصلحوا نفوسهم، وأخذوا بدروب الاستقامة ودروب الفضيلة؛ وأسباب التقدم والرقي، ذلك أن العزة لا تجتمع مع السفاسف والدنايا والبعد عن منهج الله.
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان، كما تدين تدان.
اللهم …