المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وَمِنْ أَسْبَابِ حِرْمَانِ الْإِنَاثِ مِنَ الْمِيرَاثِ: الْعَادَاتُ وَالتَّقَالِيدُ الْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ لِجَهْلِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، فَيَعْتَبِرُونَ إعْطَاءَ الْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا مِنَ الْإِرْثِ عَيْبًا وَمَنْقَصَةً، بَلْ يُصَرِّحُ بَعْضُهُمْ: أَنَّ إِعْطَاءَ النِّسَاءِ مِنَ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَا بَعَدُ:
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَدْ حَدَّ حُدُودًا وَفَرَضَ فَرَائِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُ الْحَقُّ مَنْ يَقُولُ: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)[البقرة: 285]؛ إِذْ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِشَرْعِ اللهِ -تَعَالَى- عَنْ مَحَبَّةٍ وَرَغْبَةٍ؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].
وَإِنَّ مِمَّا شَرَعَ اللهُ -تَعَالَى- الْمِيرَاثُ، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّرْعُ فِي تَقْسِيمِ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ تَفْصِيلاً تَامًّا؛ فَأَعْطَى لِكُلِّ صَاحِبِ حَقٍّ فِي الْمِيرَاثِ نَصِيبَهُ، فَقَالَ فِي شَأْنِ الْأَوْلَادِ ذُكُورًا وَإِنَاثًا: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)[النساء: 11]، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا الْبَيَانِ الْإِلَهِيِّ الْوَاضِحِ يَأْبَى بَعْضُ النَّاسِ إِلَّا الِاعْتِرَاضَ عَلَى شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى- طَمَعًا وَجَشَعًا فِي الْمَالِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)[الفجر: 19، 20]؛ والتُّرَاثَ: الْمِيرَاثَ، و(أَكْلًا لَمًّا) أي: "شَدِيدًا وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ، وَيَأْكُلُونَ نَصِيبَهُمْ"(تَفْسِيرُ الْبَغَوِيِّ).
إِنَّهَا عَادَةٌ جَاهِلِيَّةٌ قَبِيحَةٌ أَنْ تُحْرَمَ الْإِنَاثُ مِنْ حَقِّهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ، وَقَدْ كَرَّمَهُنَّ اللهُ -تَعَالَى-، وَفَرَضَ لَهُنَّ نَصِيبًا مَعْلُومًا لَا يَنْبَغِي أَخْذُهُ وَلَا نُقْصَانُهُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ وَتَعَدَّى وَأَكَلَ حَرَامًا، وَعَانَدَ شَرْعَ اللهِ –سُبْحَانَهُ-، وَرَدَّ حُكْمَ اللهِ الْعَدْلِ الَّذِي حَكَمَ لِلْمَرْأَةِ بِنَصِيبٍ فِي الْإِرْثِ؛ فَلِلْأُمِّ نَصِيبٌ، وَلِلزَّوْجَةِ نَصِيبٌ، وَلِلْبِنْتِ نَصِيبٌ، وَلِلْأُخْتِ نَصِيبٌ، وَلِلْجَدَّةِ نَصِيبٌ، فَمَا لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يَتَعَدَّوْنَ عَلَى حُدُودِ اللهِ -تَعَالَى-، وَيَرْفُضُونَ مَا حَكَمَ بِهِ لِلنِّسَاءِ مِنْ أَمْوَالٍ، وَيَتَّخِذُونَ كَافَّةَ الْوَسَائِلِ لِلتَّحَايُلِ عَلَى الشَّرْعِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَاللهُ -تَعَالَى- قَالَ: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)[النساء: 11]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]؛ إِنَّهُ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، فَلْيَحْذَرْ كُلُّ مَنْ أَكَلَ مَالَ الْإِنَاثِ ظُلْمًا؛ بِمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا فِي الْإِرْثِ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
عِبَادَ اللهِ: وَفِي بَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمَةِ الْيَوْمَ تَنْتَشِرُ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الْجَاهِلِيَّةُ، وَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ، مِنْهَا: الطَّمَعُ؛ فَكُلَّمَا زَادَ الْإِنْسَانُ جَشَعًا؛ ضَعُفَ عِنْدَهُ الْخَوْفُ مِنَ اللهِ -تَعَالَى-؛ إِذْ يَقُودُهُ حُبُّ الْمَالِ إِلَى الْهَلَكَةِ، فَلَا يُبَالِي صَاحِبُهُ بِمُخَالَفَةِ شَرْعٍ، وَلَا يُبَالِي أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ!.
وَمِنْ أَسْبَابِ حِرْمَانِ الْإِنَاثِ مِنَ الْمِيرَاثِ: الْعَادَاتُ وَالتَّقَالِيدُ الْمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ لِجَهْلِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، فَيَعْتَبِرُونَ إعْطَاءَ الْمَرْأَةِ نَصِيبَهَا مِنَ الْإِرْثِ عَيْبًا وَمَنْقَصَةً، بَلْ يُصَرِّحُ بَعْضُهُمْ: أَنَّ إِعْطَاءَ النِّسَاءِ مِنَ الْإِرْثِ إِدْخَالٌ لِأَزْوَاجِهِمُ الْغُرَبَاءِ فِي أَرَاضِيهِمْ فَيَحْرِمُونَ الْإِنَاثَ مِنْهُ حِرْمَانًا تَامًّا، وَيُقَدِّمُونَ أَعْرَافَهُمْ عَلَى شَرْعِ اللهِ، وَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، عِيَاذًا بِاللهِ مِنْ هَذَا الْمُنْكَرِ.
وَمِنَ الْأَسْبَابِ: ضَعْفُ الْمَرْأَةِ؛ فَالْمَرْأَةُ خُلِقَتْ ضَعِيفَةً لَا تَكَادُ تُطَالِبُ بِحَقِّهَا، فَإِذَا هُضِمَتْ وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يَنْصُرُهَا سَكَتَتْ؛ وَلِذَلِكَ فَبَعْضُ الْأَقْرِبَاءِ يَسْتَغِلُّ ضَعْفَهَا وَيَتَحَايَلُ عَلَيْهَا بِشَتَّى الْحِيَلِ؛ لِتَتَنَازَلَ لَهُ عَنْ نَصِيبِهَا مِنَ الْمِيرَاثِ، فَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الْمِسْكِينَةُ حِينَذَاكَ إِلَّا الْإِذْعَانَ؛ خَوْفًا مِنَ الْإِيذَاءِ أَحْيَانًا، وَاسْتِحْيَاءً أَحْيَانًا، وَبُعْدًا عَنِ الْمَشَاكِلِ تَارَةً أُخْرَى.
وَمِنَ الْأَسْبَابِ: تَأْخِيرُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، بَلْ رُبَّمَا يَمُوتُ الْإِخْوَةُ وَيَكْبَرُ بَنُوهُمْ وَيَتَفَرَّقُ النَّاسُ دُونَ أَنْ تُقَسَّمَ تَرِكَةُ الْجَدِّ، وَكُلَّمَا طَالَ الْوَقْتُ تَعَقَّدَتِ الْأُمُورُ، وَصَعُبَ بَعْدَهَا حَلُّ الْقَضَايَا الْمَالِيَّةِ اَلْمُتَرَاكِمَة، وَرُبَّمَا لَا يُعْرَفُ لِطُولِ الزَّمَنِ مَا هُوَ الْمَالُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَسَّمَ، وَتَنْشَأُ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْخِلَافَاتُ وَالْخُصُومَاتُ الَّتِي تَزِيدُ الْأَمْرَ تَعْقِيدًا، وَيَبْقَى الذُّكُورُ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ عَلَى الْأَمْوَالِ، فِيمَا يَضِيعُ حَقُّ الْإِنَاثِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ حِرْمَانَ الْإِنَاثِ مِنَ الْمِيرَاثِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ، وَلَهُ آثَارٌ وَأَضْرَارٌ، مِنْهَا:
أَنَّ آكِلَ مَالِهِنَّ آكِلٌ لِلْمَالِ الْحَرَامِ، فَإِنْ كُنَّ صَغِيرَاتٍ وَالْمِيرَاثُ مِنْ أَبِيهِنَّ فَهُوَ آكِلٌ لِأَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا، وَاللهُ قَدْ حَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي حَذَّرَ مِنْهَا رَسُولُنَا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فَقَالَ: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا هُنَّ؟.. وَذَكَرَ مِنْهُنَّ: "وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَمِنْ أَضْرَارِ حِرْمَانِ الْإِنَاثِ مِنْ نَصِيبِهِنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ: قَطْعُ الْأَرْحَامِ، وَبَثُّ الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، فَكَمْ مِنْ صِلَاتٍ مُقَطَّعَةٌ! وَمُشَحَانَاتٍ وَنِزَاعَاتٍ! بِسَبَبِ مَنْعِ الْإِنَاثِ مِنَ حَقِّهِنَّ الْمَشْرُوعِ؛ امْرَأَةٌ لَا تُكَلِّمُ عَمَّهَا، وَأُمٌّ هَجَرَتْ بَنِيهَا، وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ مُتَقَاطِعُونَ مُتَخَاصِمُونَ لِسِنِينَ طَوِيلَةٍ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْمَحَاكِمِ سَيَرَى كَمًّا كَبِيرًا مِنْ قَضَايَا الْخُصُومَاتِ وَالنِّزَاعَاتِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ سَبَبُهَا الْمِيرَاثُ! وَاللهُ -تَعَالَى- يُحَذِّرُ مِنْ قَطْعِ الْأَرْحَامِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ سَبَبَهُ مُعَانَدَةُ الشَّرْعِ وَمُخَالَفَةُ الْأَمْرِ؟!، يَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22- 23].
وَمِنَ الْأَضْرَارِ -أَيْضًا-: أَنْ تَعِيشَ بَعْضُ النِّسَاءِ فِي الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، مَعَ أَنَّ لَهَا مِنَ الْمَالِ مَا يَكْفِيهَا وَبَنِيهَا لِتَحْيَا حَيَاةً كَرِيمَةً، لَكِنَّهَا مَحْرُومَةٌ مِنْهُ وَأَوْلَادُهَا، فَقَدْ تَضْطَّرُّ لِلْعَمَلِ وَمُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ، وَقَدْ تَسْأَلُ النَّاسَ وَتُذِلُّ نَفْسَهَا، فَكَمْ فِي الْمُجْتَمَعِ مِنْ فَقِيرَةٍ جَائِعَةٍ تَعِيشُ حَيَاةَ الْبُؤْسِ وَهِيَ غَنِيَّةٌ قَدْ حُرِمَتْ مِنْ مَالِهَا، وَأُلْجِئَتْ إِلَى الْفَاقَةِ وَقَسْوَةِ الْعَيْشِ! مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُشْكِلَاتٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ، فِيمَا يَنْعَمُ الظَّلَمَةُ بِنَصِيبِهَا، فَـ"اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فَاتَّقُوا اللهُ -يَا مَنْ تَأْكُلُونَ الْحَرَامَ، وَتَمْنَعُونَ النِّسَاءَ مِنْ حَقِّهِنَّ-؛ فَالْمَوَارِيثُ مِنْ حُدُودِ اللهِ -تَعَالَى-، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَنْ حُدُودِهِ الَّتِي شَرَعَهَا: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا)[البقرة: 187]، (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[البقرة: 229]، وَلَمَّا أَنْهَى اللهُ -تَعَالَى- الْحَدِيثَ عَنِ الْمَوَارِيثِ وَأَعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 13-14].
وَقَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا آيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَقِسْمَةَ التَّرِكَةِ، وَخَتَمَهَا بِآيَةِ الْكَلَالَةِ وَهُوَ الْمَيِّتُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ، وَلَهُ أُخْتٌ، قَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النساء:176]؛ قَالَ الْبِقَاعِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: "وَوَضْعُ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَبَى تَوْرِيثَ النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ الَّذِي تَكَرَّرَ الِاسْتِفْتَاءُ عَنْهُ فَقَدِ اسْتَنْكَفَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَاسْتَكْبَرَ وَإِنْ آمَنَ بِجَمِيعِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَحْكَامِ".
فَحَقُّ الْمَرْأَةِ فِي الْمِيرَاثِ فَرْضٌ فَرَضَهُ اللهُ لَهَا؛ سَوَاءً كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ أُمًّا أَوْ بِنْتًا أَوْ أُخْتًا، وَالَّذِينَ يَمْنَعُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ نَصِيبِهَا بِكَافَّةِ السُّبُلِ وَالْحِيَلِ هُمْ ظَلَمَةٌ مُعْتَدُونَ آكِلُونَ مَالًا حَرامًا، مُعَطِّلُونَ لِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، بَلْ لَوْ كَرِهَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِقَلْبِهِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَطَأٌ فَلَا يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تَرِثَ وَتَأْخُذَ نَصِيبًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ كَانَ ذَلِكَ رِدَّةً عَنِ الْإِسْلَامِ، عِيَاذًا بِاللهِ!.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَعَلَى مَنْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْكَبِيرَةِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ -تَعَالَى-، وَلْتَكُنْ تَوْبَتُهُ صَادِقَةً؛ فَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْ مِيرَاثِ مَن مَنَعَهَا حَقَّهَا الْمَفْرُوضَ لَهَا شَرْعًا، وَلْيَتَحَلَّلْ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ؛ فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ؛ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].