المقيت
كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
هل تدركون أن الإسلام دينُ الفطرة أي الخِلقة، ويحض على طهارة أتباعه ظاهريِا وباطنيا، وطهارة الباطن بالإيمان والذكر، وحسن العمل، وطهارة الظاهر بالنظافة، وحسن المظهر، قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)[الروم: 30]. وثمةَ خصال وسننٌ حضّ عليها الإسلام تزيد من جمال المسلم، وتجلّي طيبه ونظافته، فقد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أسبغَ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، والحمد لله على أرزاقه الباهرة، والحمد لله على آلائه الوافرة، نحمده ونشكره، ومن كل ذنب نستغفره. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أما بعد: معاشر المسلمين: هل تدركون أن الإسلام دينُ الفطرة أي الخِلقة، ويحض على طهارة أتباعه ظاهريِا وباطنيا، وطهارة الباطن بالإيمان والذكر، وحسن العمل، وطهارة الظاهر بالنظافة، وحسن المظهر، قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)[الروم: 30].
وثمةَ خصال وسننٌ حضّ عليها الإسلام تزيد من جمال المسلم، وتجلّي طيبه ونظافته، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الفطرةُ خمس: الختانُ والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط".
ومن المؤلم هنا أن تشاهدنا بُعَداء عن هذا الهدي.
الفطرةُ اليوم إيمانٌ ومطهرة | ولُبس شيء من الآداب والجُملِ |
من يهدهِ الله للإسلام فطرتَه | يغدُ الجميلَ ويغدُ طيّبَ الحللِ |
من ذا يضارع منهاجًا له دررٌ | مثل النجوم بلا زيف ولا خللِ |
وترى بعضَ المسلمين يتساهل في ذلك، فإذا صافحته وجدته طويل الأظافر، كريه الرائحة، متباهيًا بشراسته.
وآخر قد فتلَ شاربه، وأطاله بطريقة مزرية، مشابها بعض الأمم.
عجبًا له ظنّ الأظافر قوةً | وشواربا فُتلت بلا إحسانِ |
والله ما هذا السلوك بديننا | وخصالهُ كالطيب للإنسان |
واذا أكلتَ أكلت سما ناقعا | يصليك بين مَقاتلٍ وهوانِ |
خصالُ الفطرة -يا مسلمون-: عطرٌ وجمال، وطيب ومظهر، وطهارةٌ وتربية، وهنا يقول عليه الصلاة والسلام: "الفطرة خمس: أو خمس من الفطرة"، ويبتدئها "بالختان"، وهو واجب في حق الرجال، مكرمة وسنةٌ للنساء، وهو عبارة عن قطع الغَلفة التي تغطي الحشفة من الرجل.
و"الاستحداد" هو إزالة شعر العانة بالحديد، ولا ارتياب أن تنظيفه من الفطرة الجميلة، وإهمالها مما يورث الأذى لصاحبها، وقد ينتج عنه الروائح الكريهة، والنظافة من روائع خصال الإيمان.
ثم عد صلى الله عليه وسلم: "قصّ الشارب" قيل: أخذهُ بالكلية، وقيل: أخذُ الإطار أعلاه وأسفله، وهذا أحسن لحديث: "من لم يأخذ من شاربهِ فليس منا".
وبعده "تقليم الأظافر"، وفي التقليم نظافةٌ، وحسن منظر، وإنما يهملها ذوو السفه والبطر، وفي ذلك من الضرر الخلقي والصحي ما لا يخفى.
وقد ذكرت دراسات حديثة في الطب كيف تتجمع البكتيريا في تلكم الأماكن، وتكون مرتعا لفيروسات فتاكة.
والخامسة في الحديث: "نتف الآباط" أي إزالة شعر الإبط، وهذا أكمل وأطيب، وأبعد عن الأمراض والروائح المستكرهة.
وقد أفاد الطب الحديث: أن ترك شعر الإبط والعانة بلا إزالة وتنظيف سبب للقذارة وحصول أمراض، كان المرء في غنى عنها، لو بادر بلا تأخير، فما أعظمَ هذا الدين، وما أطيبَ إسلامنا الذي هو دين الفطرة بحق.
وقد صح حديث آخر، هو قوله صلى الله عليه وسلم: "عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاءُ اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتفُ الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء" قال الراوي: "ونسيت العاشرة إلا أن تكون "المضمضة"(أخرجه ومسلم وأصحاب السنن -رحمهم الله جميعا-).
وقد زاد هنا: "إعفاءُ اللحية" وهي زينة الرجال وكمالهم وجمالهم، ويحرم الحلق بالاتفاق.
ثم السواك وهو تطهير الفم والأسنان، قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "في السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويصفي الصوت…"، وذكر أربابُ الطب إعجازات في ذلك، واستفادة شركات المعاجين من "شجرة الأراك"، وشبهها من المطهرات.
وعد عليه الصلاة والسلام الاستنشاق والمضمضة، وهما معروفان، والمؤمن يتوضأ كل يوم، ثم غسل البراجم، والمراد بها عُقد الأصابع التي في ظهر الكف وتنظيفها مشروع وهدي متبوع، فعليها فطريات وجرثومات، ومن حكمة الله أنك تتوضأ كل يوم وتصلي وتتعاهدها نظافةً وعناية.
وفقنا الله وإياكم للنظافة، وحسن العمل.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الإخوة الفضلاء: ليتخيلْ كلُّ واحد منا، رجلا، غيرَ مبالٍ بهذه الخصال، لا يقصُّ، ولا يقلّم، ولا يستحد، ولا يتنظف، كيف حاله، وما شأنهُ؟
وحتى لو لبس الملابس الغالية، وتقلد المهام العالية، فلن تغني عنه شيئًا، وسيبين لكم شذوذه، وأنه منافٍ للفطرة، وبات مرتعًا للأوبئة والأوساخ، وليس هذا من الإسلام في شيء، وإن الطبَ الحديث والعلمَ الحديث ليؤكد صحة نبوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- باكتشافاتهم الدالة على خصال الفطرة، فأيقنوا بدينكم يا مسلمون، واعتقدوا فضله وشرفه، فدينُكم دينُ النظافة، ودينكم دين الوقار، ودينكم دينُ البهاء والجمال "والله جميلٌ يحب الجمال" فلِم تُهلكِ نفسَك -عبدالله- بتلك الخصال، وفيها مشابهةُ بالذين كفروا وأعرضوا؟!
تعزّز بدينك، واستمسكِ بالهدي، والتزمِ السنة والفطرة، فهي خير لك وأطيب ثوابا وعاقبة.
واحرص على ذلك، ولا تتجاوز بها الأربعين يوماً التي وقتها رسول الله، ومن طالت قبل ذلك بادر بإزالتها.
ومع ما فيها من أمراض وقذارات فيها تشبه بالكفار، فتطويل هذه الخصال من سمتهم وزيهم، ويشبه ذلك محاكاتهم في عاداتهم وأعيادهم.
ويتردد -يا مسلمون- هذه الأيام ما يسمى "عيد الحب" أو "الفالنتاين" في الرابع عشر من فبراير، وهو عيد وثني روماني، لا أصل له، وليس من ديننا، يتهادى فيه الناس الورود الحمراء والبسمات والتهاني، ولا يجوز لنا فعله ولا محاكاة الكفار، وإنما عندنا عيدان معروفان، نفرح فيهما ونتهادى على الدوام، فاحذروه البدع والمخالفات، قال عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" أي باطل مردود، وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".
فتمسّكوا بدينكم -يا مسلمون-، وتعززوا به ولا تَذلوا ولا تهونوا، فإنكم على الحق المبين.
وصلوا وسلموا على النبي المختار...