البحث

عبارات مقترحة:

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

خذ العفو

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. سماحة الإسلام ويسر تشريعاته .
  2. معنى قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ) .
  3. مظاهر أخذ العفو في معاملاتنا .
  4. الإعراض عن الجاهلين وفضله. .

اقتباس

خذوا العفو من الناس, لا تبحثوا عن النيات ولا تنقبوا عن المقاصد, ولا تفتشوا عن خبايا القلوب, خذ العفو؛ ليس لك من الناس إلا الظاهر, خذ العفو؛ لا تفسر نوايا الناس وماذا يقصدون؟! خذ العفو؛ اترك القلوب وما فيها لله؛ فالله وحده يعلم ما في القلوب, خذ العفو؛ كن سهلًا بسيطًا في التعامل مع الناس...

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70 – 71 ].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

عباد الله: إن الله اختار لنا الإسلام وجعله أيسر الأديان, جعله الله أيسر الأديان التي شرعها, وما جعل علينا فيه حرج, (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)[سورة القمر:22], (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[سورة الحج:78], وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ"(صحيح البخاري).

وكان من قبلنا من إذا أراد منهم أن يتوب فعليه أن يقتل نفسه, أما في دين الإسلام فليس عليه ذلك, عليه أن يترك الذنب ويندم على فعله, ويعزم على عدم الرجوع إليه, ويستغفر ربه ويرد المظالم إلى أهلها, قال الله -عز وجل-: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[البقرة: 54].

وإن من يسر الله على الناس ما ذكره الله -تعالى- في سورة الأعراف في بعض آية منها؛ يقول الله -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199], هذا منهج عظيم لو جعله المسلم في حياته؛ لعاش عيشة السعداء, مرتاح الضمير طيب النوايا, وما اختلف الناس إلا على فهم هذه الآية, كلفوا أنفسهم ما لا يطيقون, وحكموا على الناس بأهوائهم ومزاجاتهم وفهمهم؛ فأخطؤوا الأحكام, وظلموا الأنام, وأكثروا في الخصام.

الله -عز وجل- يقول: (خُذِ الْعَفْوَ)؛ يا أيها الناس: خذوا العفو من الناس, لا تبحثوا عن النيات ولا تنقبوا عن المقاصد, ولا تفتشوا عن خبايا القلوب, خذ العفو؛ ليس لك من الناس إلا الظاهر, خذ العفو؛ لا تفسر نوايا الناس وماذا يقصدون؟! خذ العفو؛ اترك القلوب وما فيها لله؛ فالله وحده يعلم ما في القلوب, خذ العفو؛ كن سهلًا بسيطًا في التعامل مع الناس, لا تشدد ولا تشك ولا تبغض بمجرد سوء ظنك ,أو بمجرد هواك, أو بتفسير النوايا وخبايا القلوب, خذ العفو؛ كن إنسانًا عفويًا يقبل اليسير, ويترك التجسس والتحسس مالم يظهر لك قصد متعمد.

خذ العفو؛ لا تقل ماذا يقصدون؟ ماذا ينوون؟ ما هي المقاصد؟ وما هي النوايا؟ هذه ليست إليك؛ فالله وحده هو الذي يتولى السرائر, أما أنت فليس لك من الناس إلا ما ظهر, هكذا المسلم, هكذا يجب أن يكون بين أقاربه وأهله وأخوته وجيرانه؛ حتى يحبوه ويقبلوه ويقتربوا منه ويصلوه, لا كما يفعل المتكبرون العتاة المتعالمون, يهرب منه القريب والبعيد؛ لسوء فهمه وخسة طبعه, ورداءة طويته, دائمًا يقول: ماذا تقصدون؟ ما هي نواياكم؟ ماذا وراءكم؟, والله -تعالى- أمرنا بأخذ العفو بالحكم على الظاهر, عن وهب بن كيسان قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: على المنبر (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ), قال: "والله مَا أَمَر بها أن تُؤخَذ إلا مِن أَخْلاق النَّاس, والله لآخُذَنَّها مِنْهم مَا صَحِبْتُهم"(صحيح الأدب المفرد للألباني).

والحديث هنا لا يخص أهل الشر وأهل النفاق وأهل المكر الذين يبطنون ما لا يظهرون, ليس الحديث عنهم فإن لهم شأناً آخر, إنما الحديث عن الأهل والجيران والأقارب, يجب أن نترك الناس على عفويتهم وعلى سجيتهم, ونقبل منهم ما ظهر, والنوايا أمرها إلى الله لا نفسرها ولا نصل إليها, الناس يختلفون في الفهم وفي أسلوب حياتهم وكلامهم, فخذ الناس على ظاهرهم وفسر أساليبهم وأفعالهم كما يريدون وكما يفهمون, وليس كما تفهم أنت وتظن أنت, وهذا مسلك عظيم لو فعله الناس لسلموا من مشاكل واختلافات لا تعد, فقد يتكلم المسلم بكلام ويقصد شيئًا, ثم يأتي من يسمعه ويفسره بفهمه وبطريقته, ويصدر بعد ذلك أحكامًا لا تصح ولا يوثق بها, وتدخل الناس في مشاكل واختلافات وتباعد, إذا دعوتهُ فلم يأتِ فتقول: "لعل عذره شيء", طرقت عليه الباب ولم يرد فقل: "لعل لديه عذر لا نعرفه", اتصلت عليه ولم يرد فقل لنفسك: "لعله بعيد عن هاتفه أو مشغول", وهكذا تمضي الحياة بسهولة وبساطة وعفوية.

فلنتأمل -يا عباد الله- كم في هذه الآية من المعجزات!, وكم فيها من الفضائل!, وكم فيها من المحامد!, فما بال الناس يسيء إليه قريبه؛ أما بظلم, أو بكلمة سيئة, أو موقف صعب في حالة غضب, ثم لا يعفو عنه, بل يقطعه ويتركه ويهجره, والله أمر بالعرف بين الناس أن لا ينقطع, ما بال الناس يحتاج أحدهم إلى قريبه أو جاره أو صديقه في موقف من المواقف؛ فيعتذر منه لسبب من الأسباب قد تكون صحيحة, ثم هذا يضمرها في نفسه حتى تأتي فرصة من الفرص يحتاج إليه فيقول له: "تذكر زمان؟ تذكر الموقف الفلاني؟ لما سألتك لما احتجتك هل تذكر؟ فهذه بتلك واحدة بواحدة!".

والله -تعالى- أمر بالعرف بين الناس أن لا ينقطع, بعضهم يعاون قريبه أو جاره في زواج أو موقف بمبلغ معين, فإذا جاءت المناسبة عنده وعاونه ذاك بأقل مما دفع له يغضب ويزعل بل يقطعه, وقد حصل ذلك بين أناس نعرفهم تقاطعوا سنوات بسبب أن الثاني لم يرد نفس المبلغ للأول, والله أمر بالعرف بين الناس أن لا ينقطع.

اللهم صلنا بوصلك, وأمددنا بمددك, وزدنا من فضلك, اللهم أغننا بفضلك عمن سواك, وبحلالك عن حرامك, وبطاعتك عن معاصيك, ألف بين قلوبنا, وأصلح ذات بيننا وألهمنا رشدنا.

أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفرْ لي ولكُم؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرّحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى, حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه.

عباد الله: ويقول الله -عز وجل- في الآية: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199], كانت الجاهلية الأولى تحدي ورد أفعال, وواحدة بواحدة, حتى إن أحدهم يقول:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ولو عاش الناس بهذه النفسيات والأفهام الجاهلية؛ لما زالت العداوات, ولما تواصل الناس, ولما حصلت الألفة والتقارب, فالله -تعالى- أخبرنا أن في الناس جاهلين يجهل عليك في القول, يجهل عليك في الفعل, يجهل عليك في التعامل, يجهل عليك في الطريق, فماذا تفعل؟ ما موقفك؟ تحاسب هذا؟ وتلحق بذاك؟ وتغضب على أولئك؟ وتقطع أولادك؟ ستتعب وتتعب غيرك, والله رزقك العقل؛ فأستجب لأمره وأعرض عن الجاهلين.

من جهل عليك وأخطأ عليك فقل له: "سامحك الله, عفا الله عنك, غفر الله لنا ولك", قَدِمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْنِ بنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ علَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيْسٍ، وكانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وكانَ القُرَّاءُ أصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ ومُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أوْ شُبَّانًا، فَقالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أخِيهِ: يا ابْنَ أخِي، هلْ لكَ وجْهٌ عِنْدَ هذا الأمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لي عليه، قالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لكَ عليه، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فأذِنَ له عُمَرُ، فَلَمَّا دَخَلَ عليه قالَ: هِيْ يا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ ما تُعْطِينَا الجَزْلَ, ولَا تَحْكُمُ بيْنَنَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ به، فَقالَ له الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ! إنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قالَ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199]، وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلِينَ، واللَّهِ ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عليه، وكانَ وقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ.) صحيح البخاري.

قال -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت: 34], من يصل إلى هذه المرتبة إلا المؤمنون الوقّافون عند كلام الله -تعالى-؛ ولذا أخبرنا الله -تعالى- أنه لا يصل إلى هذه المرتبة العالية من التعامل إلا صاحب الصبر وصاحب الحظ العظيم؛ قال -تعالى-: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فصلت: 35], (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53].

لا ترد السيئة بالسيئة ولا القبح بالقبيح, إذا كنت مؤمنًا تقف عند قول الله -عز وجل-: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف: 199].

اللهم اشرح صدورنا وزيِّن أخلاقنا, اللهم إنا نسألك كلمة الحق في الرضا والغضب, اللهم سدد أقوالنا وافعالنا, وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .