الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الحياة الآخرة |
ابن آدم يا من عليه نُذُر الموت تدور، وهو مستأنس في المنازل والدور، لابد أن تخرج من الدور والقصور على الرغم منك والقصور، لا بد من الرحيل إلى دار القبور، والتخلي مما أنت به مغرور، والبلية أن ذلك منك على الغفلات والفتور، غرك والله الغرور بفنون الخداع والغرور. يا مظلم القلب وما للقلب نور، الباطن خراب والظاهر معمور، إنما ينظر إلى الباطن لا إلى الظهور، لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور، كان عين العين منك تفور لو تفكرت في الكتاب المستور، دفنت الاستغفار بين السطور، لو تصورت النفح في الصور وانتشار الخلائق من القبور...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الإله الحق الذي لا تحصى أدلة وحدانيته ولا تعد، الكريم الذي لا تنتهي أيدي كرمه ولا تُحدّ، جل عن شريك وانفرد، وتقدس عن الصاحبة والوالد والولد، وتنزه عن الاحتياج إلى أحد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 1- 4].
أحمده سبحانه حمدا يفوق العدد، وأشكره والشكر لحفظ نعمه أوثق الوثائق وأقوى العدد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له على رغم أنف من كفر به وجحد شهادة أدخرها ليوم لا ينفع فيه أحد عن أحد إلا من رحم الله الذي هو في الضر والنفع انفرد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله وأشرف مرسل وأكرم من ولد، المخصوص بعلو الرتبة والقول الأسد، اللهم صلّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن إلى سنته استند.
يا مَن يُجيب دُعاءَ المُضطرَ في الظُلَمِ | يا كاشِفَ الضَرّ و البلوَى مَع السَقَمِ |
قَد نامَ وفدُكَ حَولَ البَيتِ و انتَبَهُوا | وأنتَ يا حيُ يا قَيُوم لَم تَنَمِ |
أدعوكَ رَبي حَزيناً هائِماً قَلِقاٌ فارحَم | بُكائيَ بِحق البَيتِ و الحَرَمِ |
إن كانَ جُودكَ لا يَرجُوهُ ذو سَفَهٍ | فمَن يَجُود على العَاصِينَ بِالكَرَمِ |
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، ابن آدم يا من عليه نُذُر الموت تدور، وهو مستأنس في المنازل والدور، لابد أن تخرج من الدور والقصور على الرغم منك والقصور، لا بد من الرحيل إلى دار القبور، والتخلي مما أنت به مغرور، والبلية أن ذلك منك على الغفلات والفتور، غرك والله الغرور بفنون الخداع والغرور.
يا مظلم القلب وما للقلب نور، الباطن خراب والظاهر معمور، إنما ينظر إلى الباطن لا إلى الظهور، لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور، كان عين العين منك تفور لو تفكرت في الكتاب المستور، دفنت الاستغفار بين السطور، لو تصورت النفح في الصور وانتشار الخلائق من القبور، وذلك المجمع العظيم والحضور والسماء تتغير وتمور والنجوم تنكدر وتغور، والجبال تنهال انهيال الكثيب المنثور، والشمس كاسفة والقمر ذاهب النور، والتقى أهل السماوات وأهل الأرض لأمر مقدور وغضب الرب غضبًا لم يغضب مثله ولم يغضب بعده مثله ومن يقوم لغضب الرب يا مغرور.
ومد الصراط ولابد من عبور، وأنت متحير في الأمور تبكي على مخالفة الأمور، وتعتذر ولست بمعذور، ستحزن بعد السرور وما أضمرت الصدور، وترى ما فعلته من حسن أو فجور، وتسلك من الندم الأجاج بحور، ويعلوك من الحسرات أثقل من جبال الطور على فعل الشرور ومخالفة الأمور، إذا وُفيت الأجور ونجا المخلصون وهلك أهل الزور فانتبه لنفسك يا مغرور ..
فانتبه لنفسك يا مغرور واعصِ الهوى؛ فإن الهوى عسور، وارفض القليلة الفانية لتجارة لن تبور، واغتنم صالح العمل قبل أن تصبح وأنت في قبضة الموت مأثور.
مثّل لنفسك أيها المغرور | يوم القيامة والسماء تمور |
إذ كورت شمس النهار وأدنيت | حتى على رأس العباد تسير |
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت | وتبدلت بعد الضياء كدور |
وإذا العشار تعطلت وتخربت | خلت الديار فما بها معمور |
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت | وتقول للأملاك أين تسير |
فيقال سيروا تشهدون فضائحا | وعجائبا قد أحضرت وأمور |
وإذا الجنين بأمه متعلق | يخشى القصاص وقلبه مذعور |
هذا بلا ذنب يخاف لهوله | كيف المقيم على الذنوب دهور؟! |
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [يونس:45].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم ملك بر رءوف رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الملك الخلاق، الولي فما ولي من دونه ولا واق، الغني فلا تفنى خزائنه مع كثرة الإنفاق، المحيط علمه بجميع الخلائق في جميع الآفاق، الناظر إلى بواطنهم وظواهرهم، والسميع لجميع أصواتهم في الإشراق والإغساق.
فسبحانه من إله على عرشه استوى، وعلى ملكه احتوى فلا منازع له، خضعت الأكوان لعظمته، وذلت الصعاب لسطوته، واندك الجبل لهيبته، ورعدت السماوات لكلمته وصعقت الملائكة من مخافته، وانطفأت النار لطاعته، وجل من أليم أخذه وإشفاق، أحمده سبحانه وله مالكية الحمد والاستحقاق، وأشكره على إحسانه الذي لا يعد ولا يطاق.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ضد ولا ند ولا منازع ولا مشاق، شهادة أرجوه أن يهون عليّ كرب السياق وأن يختم بها حياتنا يوم الرحيل من الدنيا والفراق، وأن يؤمننا بها يوم الكرب والشدائد والوجل.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله، ولا تجعلوا الدنيا أكبر همكم ولا مبلغ علمكم ولا غاية قصدكم، فيفرق الله شملكم، ويعجل فقركم، واعتبروا بالذين مضوا قبلكم من القرون الخالية والملوك الصيت ذات المراتب العالية والعدد والعديد كيف طحنتهم الحوادث طحن الحصيد، وشردهم هاذم اللذات أي تشريد، وأنزلهم من قصر مديد إلى حُفَر مظلمة تحت الصعيد، وبددهم البلاء أيّ تبديد، فلا أحد منهم يبدئ ولا يعيد، قد خلى وحده في لحده بمكتسبه وحيد، وتمنى العود لإصلاح العمل وهيهات أنى له التناوش من مكان بعيد.
وهم إنما سبقوكم بمضي الآجال وأنتم على آثارهم بيقين الارتحال، فرحم الله امرئ لم يجعل الدنيا أكبر أشغاله، وصرف للآخرة همته وإقباله، واستعد للموت وإعضاله، وللقبر وظلمته وضنكه وأهواله، وللملك وشدة روعته وسؤاله، وللرب وعظيم هيبته وجلاله، وهل يعطى كتابه بيمينه أو بشماله، وهل يسير إلى نعيم الجنة أو إلى عذاب النار وأغلاله.
ويدخل الإيمان بالمـوت ومـا | من بعده علـى العبـاد حتمـا |
وأن كـلا مقـعـد مـسـؤول | ما الرب ما الدين وما الرسـول |
وعنـد ذا يثـبـت المهيـمـن | بثابـت القـول الذيـن آمنـوا |
ويوقـن المرتـاب عنـد ذلـك | بـأن مـا مـورده المهـالـك |
وباللقـاء والبعـث والنشـور | وبقيامـنـا مــن القـبـور |
غـرلا حفـاة كجـراد منتشـر | يقول ذو الكفران ذا يوم عسـر |
ويجمع الخلـق ليـوم الفصـل | جميعهـم علويهـم والسفلـي |
في موقف يجـل فيـه الخطـب | ويعظـم الهـول بـه والكـرب |
وأحضروا للعـرض والحسـاب | وانقطعـت علائـق الأنـسـاب |
وارتكمـت سجائـب الأهـوال | وانعجـم البليـغ فـي المقـال |
وعـنـت الـوجـوه للقـيـوم | واقتص من ذي الظلم للمظلـوم |
وسـاوت الملـوك للأجـنـاد | وجـيء بالكتـاب والأشـهـاد |
وشهدت الأعضـاء والجـوارح | وبـدت السـوءات والفضائـح |
وابتلـت هنـالـك السـرائـر | وانكشف المخفى في الضمائـر |
ونشـرت صحائـف الأعمـال | تؤخـذ باليمـيـن والشـمـال |
طوبـي لمـن يأخـذ باليميـن | كتابـه بشـرى بحـور عيـن |
والويـل لـلآخـذ بالشـمـال | وراء ظهـر للجحيـم صالـي |
والوزن بالقسط فـلا ظلـم ولا | يؤخذ عبد بسـوى مـا عمـلا |
فبيـن نـاج راجـع ميـزانـه | ومقـرف أوبـقـه عـدوانـه |
وينصب الجسـر بـلا امتـراء | كما أتى فـي محكـم الأنبـاء |
يجوزه النـاس علـى أحـوال | بقـدر كسبهـم مـن الأعمـال |
فبيـن مجتـاز إلـى الجنـان | ومسرف يُكـبّ فـي النيـران |
والنـار والجنـة حـقّ وهمـا | موجودتـان لا فنـاء لهـمـا |
وحوض خير الخلق حـق وبـه | يشرب في الأخرى جميع حزبـه |
كـذا لـه لـواء حمـد ينشـر | وتحته الرسـل جميعـا تحشـر |
كذا له الشفاعة العظمـى كمـا | قـد خصّـه الله بهـا تكـرمـا |
من بعد إذن الله لا كمـا يـرى | كل قبـوري علـى الله افتـرى |
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، اللهم صلّ وسلم على نبيك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى جميع الصحابة أجمعين والتابعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وانصر من نصر دينك واجعلنا من أنصار دينك يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعدائك أعداء الدين.