المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
معاشرَ المسلمينَ: اتقوا الإشاعات والافتراء، والتهويل والإرجاف والاستهزاء، واحمدوا الله على العافية، ولا تتعرضوا للبلاء، واتقوا أسباب العدوى وأماكن الوباء، واسألوا الله الصحة والعافية والشفاء، وتحصنوا بالأذكار والدعاء...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُجِيب الدعاء، وكاشِف الكرب والبلاء، نحمده على النِّعَم والآلاء، ونعوذ به مِنْ شرِّ ما خلَق من البلاء والوباء، يُصِيب به مَنْ يشاء ويصرِفُه عمَّن يشاء، أشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له العظمةُ والثناءُ، والعزةُ والكبرياءُ، والدوامُ والبقاءُ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتم الأنبياء، وصاحب المعراج والإسراء، والحوض واللواء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان في السراء والضراء.
أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بالتقوى، فهي المناص، وباتباع السُّنَّة فهي الخلاص، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].
معاشرَ المسلمينَ: الدنيا دار مصائب وابتلاء، ومِحَن ولَأْواء، دار مَواجِع وفَواجِع، دار آلام ونِقَم، وصحة وسَقَم، ومَرَض وعافية، وشفاء وبلاء، دار أقراح وأتراح، وهموم وأحزان، ويأس وبؤس، الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، كثيرة الإحن والمحن، يبتلي الله فيها البر والفاجر، والمؤمن والكافر، لا ينتظر فيها بعد الصحة إلا السقم، وبعد الشباب إلا الهرم، وبعد الغنى إلا الفقر والعدم، سنة لا تتبدل ولا تتغير، مهما تقدم العلم وتطور، كلا ولو انتقل الإنسان على سطح المجرَّات والقمر، وخاض أعماق المحيطات واستقر، سيبقى النقص والعجز قائمًا، سيبقى النقص والعجز قائمًا، وسيعترف العلم والعقل بعجز العالَم، (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)[الرَّحْمَنِ: 33]، إنها قدرة الله وعظمته، مشيئته وإرادته، أمره وحكمته، كل شيء بيده، لا يُسأَل عمَّا يَفعَل، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[يس: 82-83].
عبادَ اللهِ: جدير بالمؤمن في وقت الشدة والرخاء، والضيق والسعة والهناء، أن يتوب إلى الله وأن يفوِّض أمره إليه، وأن يلجأ إلى الله ويتوكل عليه، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطَّلَاقِ: 3]، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كله له خير، إن أصابته سرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبَر فكان خيرًا له، (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الْحَدِيدِ: 22-23].
فعليكم -عبادَ اللهِ- بالرضا والاحتساب، والتَمِسوا الأجرَ من الله والثواب، واستسلِموا للقضاء والقَدَر، وتيقَّنوا الثوابَ على المصيبة والضرر، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 155-157].
الخطبة الثانية:
الحمد لله شارِع الحلالِ والحرامِ، وخالِق الأرواحِ والأجسامِ، ودافِع الأوصابِ والأسقامِ، الْمُنعِم على عباده بالعافية من عوارض الليالي والأيام، جعَل من البلاء رحمةً ورفعةً وتكفيرًا، ومن العلة أجرًا وذخرًا وتطهيرًا، فعلى الصحة والعافية كونوا من الشاكرين، وعلى البلاء والمصيبة كونوا من الصابرين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
عباد الله: إن الوباء حليف المآسي والأزمات، والتطهر والاضطرابات، وقد اجتاح أرجاء المعمورة في أيام معدودات، فساعِدُوا على اجتثاثه ومحاصرته، فعن سعد بن أبي وقاص أنه سأل أسامة بن زيد، -رضي الله عنهم-: "ماذا سمعتَ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في الطاعون؟ فقال أسامةُ: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الطاعونُ رجزٌ أو عذابٌ أُرسِل على بني إسرائيل، أو على مَنْ كان قبلَكم، فإذا سمعتُم به بأرض فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتُم بها فلا تخرجوا فرارًا منه" (رواه مسلم).
معاشرَ المسلمينَ: اتقوا الإشاعات والافتراء، والتهويل والإرجاف والاستهزاء، واحمدوا الله على العافية، ولا تتعرضوا للبلاء، واتقوا أسباب العدوى وأماكن الوباء، واسألوا الله الصحة والعافية والشفاء، وتحصنوا بالأذكار والدعاء، تحصنوا بالأذكار والدعاء، فلن يخيب في الله الرجاءُ، فِرُّوا من قَدَر الله إلى قَدَر الله، فِرُّوا من قَدَر الله إلى قَدَر الله، واضرَعُوا إلى الله، ولا تيأسُوا من رَوْح الله:
يا صاحبَ الهَمِّ إن الهَمَّ مُنفرِجٌ | أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ الله |
اليأسُ يقطع أحيانًا بصاحبه | لا تيأسنَّ فإن الكافيَ الله |
الله يُحدِث بعد الكرب ميسرةً | لا تَجْزَعَنَّ فإن الكاشفَ الله |
إذا بُلِيت فَثِقْ باللهِ وارضَ به | إن الذي يكشف البلوى هو الله |
إذا قضى اللهُ فاستسلِم لقدرته | ما لامرئ حيلةٌ فيما قضى الله |
واللهِ ما لكَ غير الله مِنْ أحدٍ | فحَسْبُكَ اللهُ في كلٍّ لكَ الله |
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ منفرِجٌ | أَبْشِرْ بخيرٍ فإن الفارجَ الله |
اللهم يا كاشف الضر، اللهم يا كاشف الضر، ويا مجيب الدعاء، اكشف عنا البلاء، وارفع الداء، وعَجِّلْ بالشفاء، وسَخِّرِ الدواءَ، وسَخِّرِ الدواءَ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ إنَّا كنَّا من الظالمين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهَر منها وما بطَن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين.
اللهم يا مالك الملك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمُكَ، عدلٌ فينا قضاؤك، نعوذ بك من سوء القضاء، ودَرَك الشقاء، وشماتة الأعداء، ونزول البلاء، وانتشار الوباء، اللهم يا ذا العظمة والكبرياء، يا مسبل العطاء، أنت حسبنا ونعم الوكيل، أنت حسبنا ونعم الوكيل، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين، نسألك سلامًا ما بعده كَدَر، ورضًا ما بعدَه سخطٌ، وفرحًا ما بعدَه حزنٌ، اللهم عليكَ توكَّلْنا، وإليكَ أَنَبْنا وإليكَ المصيرُ، نعوذُ بكَ من شرور أنفسنا، ومِنْ شرِّ كلِّ دابةٍ أنتَ آخِذٌ بناصيتِها، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّده بتأييدِكَ، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما تحب وترضى، يا سميع الدعاء.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.