البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

وقفة مع الغبار

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. التأمل والتفكر في آيات الله الكونية .
  2. بعض حكم الله في السنن الكونية .
  3. السنن الكونية بين العقوبة والابتلاء .
  4. حال المؤمن والكافر عند حدوث السنن الكونية .
  5. خطر الذنوب على الحياة .
  6. أثر الإيمان والتقوى على الحياة .
  7. النظرة الصحيحة للسنن الكونية .
  8. بعض آداب وأحكام الغبار .

اقتباس

قد تكون الظاهرة، أو السنة الإلهية الواحدة عقوبة لقوم، وتكون ابتلاءاً لقوم آخرين، بحسب الحكمة.
خذ الموت مثلا، هو سنة الله، فقد قضى الله الموت على عباده كلهم بلا استثناء، والموت في ظاهره شرّ، ولكن كونه شرَّاً أو خيراً، فإنما هو كذلك بالنسبة للميت، فموت المؤمنين الصالحين ليس كموت المشركين، أو الظالمين. ألم يأمر الله نبيه والمؤمنين معه أن...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

يقول الله -تعالى-: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)[الجاثية: 3 – 6].

وصفت الآيات المعتبرين الذين تحركهم آيات الله الكونية بثلاث صفات: الإيمان، واليقين، والعقل: (لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ).

(آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

(آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

رزقَنِا الله وإياكم هذه الصفات الشريفة.

أيها الإخوة: آيات الله حولنا لا يحصى عددها، والخوف ليس من رؤيتها، والإقرار بوجودها، ولكن الخوف من أن تمر علينا الآيات فلا نعتبر ولا نتعظ ولا نستفيد؛ كما في قوله سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105].

وحديث المجالس في الأيام القليلة الماضية، وما زال مستمراً، هو حول الغبار الذي عم المنطقة، واستقر فيها فترة طويلة، لم يسبق لها مثيل، وما زال مستقراً، يخف يوماً ويزداد يوم آخر.

والمؤمن الحق -كما تقدم- يستفيد من هذه التقلبات ما لا يستفيد منه الغافل.

ولهذا نريد اليوم -إن شاء الله-: أن نتناول هذا الموضوع من جانبه الإيماني.

أيها المسلمون: إن الله -سبحانه- يبعث إلينا بين الحين والآخر من حقائق قدرته، ومِنَنِهِ العظيمة ما يغيب عن أذهاننا وحواسنا في غمرة الحياة ومشاغلها، ولو لم يفعل ذلك، ربما طالت غفلتنا كثيراً.

ومن هذه الحقائق: تصريفه المحكم لخلقه -جل وعلا-، وقدرته المطلقة على اتخاذه، من شتى مخلوقاته ما يؤدِّب به الناس، أو ما يؤمِّنهم، أو يخوِّفهم، أو يرقِّق قلوبهم.

ولهذا صح في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم لما خسفت الشمس: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيات من آيات الله يُريهما عباده؛ فإذا رأيتم ذلك فافزعوا للصلاة".

وقال أيضا: "فصلُّوا حتى يُفَرِّجَ الله عنكم".

فالظواهر الطبيعية من براكينَ وزلازلَ وفيَضَانَاتٍ وعواصفَ رعدية، أو جدْبٍ، كلها بمقدار: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد: 8].

بحكمة بالغة من العليم القدير، ولا يقدِرُ على دفعها أو منعها سوى ربِّ العباد، والناس تجاهها ضعفاء عاجزون.

ومهما بلغت قُوَّتُهُم وقدرتُهم العلمية والتِّقَنِيَّة، هُمْ قبل وُقوعها في حالة انتظار وعَجْز، وأثناء جريانها في حالة ذهول وكبَد، ولسان حالهم يقول: متى تتوقف هذه الظاهرة أو تلك الطامة؟

وقد تكون الظاهرة، أو السنة الإلهية الواحدة عقوبة لقوم، وتكون ابتلاءاً لقوم آخرين، بحسب الحكمة.

خذ الموت مثلا، هو سنة الله، فقد قضى الله الموت على عباده كلهم بلا استثناء، والموت في ظاهره شرّ، ولكن كونه شرَّاً أو خيراً، فإنما هو كذلك بالنسبة للميت، فموت المؤمنين الصالحين ليس كموت المشركين، أو الظالمين.

ألم يأمر الله نبيه والمؤمنين معه أن يقولوا لمشركي قريش: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) أي: النَّصر أو الشهادة: (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا)[التوبة: 52].

فسمَّى موت الكافرين عذاباً، وسمى موت المؤمنين حسنى، مع أن الموت واحد: (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) [التوبة: 52].

ولذلك لما قال أبو سفيان بعد معركة أحُد، يشمت بالمؤمنين يوماً، بيوم بدر، والأيامُ دُوَلٌ، والحَرْبُ سِجَالٌ، رَدَّ عليه عمر الفاروق -رضي الله عنه- فقال: "لا سواء! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار".

فالقتل واحدٌ، ولكن العاقبتين أبعد مما بين الأرض والسماء؛ ولهذا فإن تحديد الغاية أو الحكمة من الظاهرة أيّا كانت نعمة أو نقمة، إنما هو بغلبة الظن لا بالجَزْم، إلا فيما يتعلق بالكافرين الظالمين، فالمصائب في حقهم عقوبات، والنِّعَمُ إملاءٌ ومتاع إلى حين.

والمؤمن بخلاف الكافر، إذا مرَّتْ عليه، أو على غيره، هذه الآيات يتعظ ويتأمل، ويشكر نعمة الله، ويعرف قيمة الإيمان، وقيمة الرخاء، وقيمة الأمن، وقيمة كافة النعم، ويعظِّم ربَّه القدير، ويتذكر رحمته، فالغبار إذا استمر عرف المؤمن نعمة الله التي كان يعيش فيها من قبل، وتذكَّر صفاء الجو الذي كان ينعم فيه، وسأل الله العفو والعافية من أن يستمر هذا الغبار، ولا ينقطع.

وتفكر في قولَه تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [القصص: 71-72].

أيها الإخوة: قد يظن البعض: أن إرجاع بعض الظواهر السيئة في ظاهرها؛ كالعواصف، والهزات الأرضية، أو الغبار: أن إرجعاها إلى المعاصي، وتبديل النعمة كفراً بالتبذير، أو بخس الحقوق، أو الربا، أو موالاة الكافرين، أو إعانة المفسدين، ومعاداة المصلحين، أو ما شابهها من المعاصي؛ قد يظن البعض هذا خطأ، ومن التشاؤم!.

والصحيح: أن يظن المؤمن في نفسه التقصير في جنب الله دائماً، ولا يأمن مكر الله، ويتوب ويستغفر؛ فقد صح في السنن من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم.

وكان إذا رأى غيما، أو ريحا؛ عُرِفَ ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرِحوا رجاءَ أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرفَتْ في وجهك الكراهية! فقال: "يا عائشة، ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟ قد عُذب قومٌ بالريح: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) [الأحقاف: 24].

هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير البشر في خير العصور، ومع ذلك يحمل هذه المشاعر، فكيف بنا نحن؟

وقد صرح القرآن بكل وضوح: أن البحر والبر يفسدان بما تقترفه أيدي الناس من المعاصي: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

وصرح في الوجه المقابل بأثر الإيمان والتقوى على بركة السماء والأرض بقوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف: 96].

فلو قلنا: إن السبب الرئيسي وراء نشاط الغبار، أو الرياح، هو نشوء مرتفعات جوية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، تقابلها منخفضات في المحيط الهندي، فيما يسمى بموسم البارح، لكان ذلك صوابا.

ولو قلنا: إن هذا الغبار الذي يعم المنطقة اليوم هو أثر قدرة الله -تعالى- وقدَره، قدَّرَ وقتَه المحدد، حملته الرياح، وما زالت تحمله من مكانه المقدر لتنشره على منطقة الخليج والرياض؛ ليبين لنا ربنا ضرورة التوبة والإنابة والاستغفار، حتى ينجلي هذا الغبار، لكان ذلك أيضا صوابا.

ولو قلنا: إنه سبحانه يذكرنا بمِنَنِه علينا، إذ لم يجعل هذا الغبار علينا سرمداً إلى يوم القيامة؛ لَكان ذلك صواباً.

وقد ذكرنا في مقام سابق: أن العذاب أو العقوبة لها موعد محدد، لا يستأخر ساعة ولا يستقدم.

ولهذا ينبغي: أن نعلم أن قياس بعض الظواهر الطبيعية بعلم الحساب الفلكي المعروف، لا ينافي أصل مبعثها الذي هو الله -تعالى-، ولا ينافي موعدها المقدر.

فالإسلام هو دين العلم لا دين الخرافة، فما أمكن قياسه بالعلم الأرضي، وما كان خارجاً عن نواميس الحياة الدنيا من حياة برزخية أو أخروية، أو ما له علاقة بالروح، أو غيرها من أمور الغيب، أو المعجزات الثابتة في الكتاب والسنة، فهو من العلم، ولكنه لا يقاس بالمحسوس ولا بغيره، وإنما يؤمن الإنسان به بقلبه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) [الإسراء: 85].

ولهذا قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله- وقد كان موسوعة متكاملة في علم الشريعة والحياة والسياسة والفلك، قال معلقاً على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته".

قال: "وما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينافي كون الكسوف له وقت محـدد يكون فيه؛ حيث لا يكون كسوف الشمس إلا في آخر الشهر ليلة السرار، ولا يكون خسوف القمر إلا في وسط الشهر، وليالي الأبدار -أي حين يكون القمر بدرا-.

ومن ادَّعـى خـلاف ذلك من المتفقهة أو العامة، فلعدم علمه بالحساب؛ ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل، كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهِلَّة وما يستقبل، إذ كل ذلك بحساب؛ كما قال تعالى: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا) [الأنعام: 96].

وقال تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) [الرحمان: 5].

وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)[يونس: 5].

ثم قال رحمه الله: "كما أن تعذيب الله لمن عذبه بالرياح الشديدة الباردة؛ كقوم عاد كانت في الوقت المناسب، وهو آخر الشتاء، كما قد ذكر ذلك أهل التفسير وقُصاص الأنبياء".

قال: "وكذلك الأوقات التي ينزل فيها الله الرحمة؛ كالعشر الأخيرة في رمضان، والأول من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك، هي أوقات محدودة لا تتقدم ولا تتأخر، وينزل فيها من الرحمة ما لا ينزل في غيرها" ا. هـ.

ولهذا ينبغي -أيها الإخوة-: أن تكون لنا نظرتنا الإيمانية؛ فيما يتعلق بهذه الظواهر، فمن خلال هذه النظرة فقط يمكن الاعتبار والاتعاظ والاستفادة، وإلا فسوف تمر علينا الآيات والمتغيرات والظواهر الطبيعية، ونحن غافلون.

تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنها

من الملأ الأعلى إليكَ رسائلُ

وقد خُطّ فيها لو تأملتَ سَطرُها

ألَا كُلُّ شيءٍ ما خلا الله باطلُ

تشير بإثباتِ الصفاتِ لربها

فصامِتُها يهدي ومَن هو قائلُ

أسأل الله -تعالى- أن يحيي قلوبنا بالإيمان، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فنسأل الله العلي العظيم، اللطيف الكريم، الرؤوف الرحيم، أن يلطف بنا، ويتجاوز عن زلاتنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، فالأرض مليئة بذنوب العباد، سواء الجاحدين للنعمة منهم، أو أصحاب الإرادة الضعيفة المأسورين في سجن شهواتهم.

ونحن نتفاءل بالخير الباقي، ولكن مهما تفاءل المؤمن، فإن تفاؤله مقصور على قدَر الله، وتدبيره لعباده، ما مآله الخير.

فلا بأس بأن نبحث عن الإيجابيات في الحدَثِ نفسه، أو الظاهرة نفسها؛ كأن نذكر محاسن الغبار مثلا، لا بأس، لكن لا يكون ذلك على حساب نسيان التفكير في التقصير، ولا الإعراض عن التفكير في الإنابة، والتأمل في الأخطاء التي تمارَس في المجتمع، والتي قد تستوجب عقوبة ما مثل هذه الظاهرة، وأنه ربما يراد من طمرنا بالغبار الاستيقاظ من الغفلة.

ولقد وصلني من الأخبار قبل أن يستفحل الغبار من كان يربط بين صلاة الاستسقاء والغبار، فيقول: "لا يصلون صلاة استسقاء إلا جاء بعدها غبار!" فإذا كان صاحب هذه المقولة يقولها من قلب صادق، يعني يقولها من باب تحقير النفس، والاعتراف بالذنوب، والحث على التوبة النصوح التي يُتوسل بها في الاستسقاء، فذلك أهون -إن شاء الله-، وإن كان ترْك هذه المقولة مطلقاً أسلم.

أما إن كان يقولها من باب الاستهزاء والسخرية بأهل الفضل، فويلٌ له، ثم ويلٌ له؛ لأن الاستهزاء بأهل الفضل من أجل دينهم، ولمزهم في هيئاتهم وعباداتهم من علامات النفاق الأكبر، ونحن نعلم ما يفعل النفاق الأكبر بصاحبه؛ ولقد تكفل رب العالمين بنفسه بعقوبتهم: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر: 95].

أسأل الله -تعالى- أن يعفو عنَّا، وأن يرحم ضعفنا وحاجاتنا إلى مغفرته وكرمه.