المتين
كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
إنها لمصيبة كبيرة, أن تنزل بالمرء العقوبة ولا يشعر أنه معاقب, ولا ينزع عن الآثام, ولا ينزجر عن الإجرام, بل ويحارب الله بالمعاصي ويجاهر بذلك, فالبعض من الناس يرى أن ما أصاب الناس إنما هو وباء عادي بسبب تصرفات بني آدم, من أكل وشرب, ولا علاقة له...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الحَمْدَ للَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً، أَمَّا بَعْدُ:
فيا أيها الناس: إن الله -سبحانه- له الحكمة البالغة, والمشيئة النافذة, يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, لا راد لقضائه, ولا معقب لحكمه؛ فالخلق خلقه, والأمر أمره, وكل تدبيره وقضائه خير, ولكن قد تخفى الحكمة في ذلك عن بعض الخلق.
عباد الله: إن عودة انتشار وباء كورونا بعد ضعف انتشاره, مؤشر خطر, في أمور الدنيا وأمور الآخرة, ورجوع للعقوبة بعد ارتفاعها, ودليل على عدم وعي الناس تجاه ما أصابهم.
ووالله إنها لمصيبة كبيرة, أن تنزل بالمرء العقوبة ولا يشعر أنه معاقب, ولا ينزع عن الآثام, ولا ينزجر عن الإجرام, بل ويحارب الله بالمعاصي ويجاهر بذلك, فالبعض من الناس يرى أن ما أصاب الناس إنما هو وباء عادي بسبب تصرفات بني آدم, من أكل وشرب, ولا علاقة له بالذنوب وليست عقوبة ولا نذر, ووالله إن هذا لمن انطماس الفطرة, واستحكام الغفلة, وقلة الدين, قال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30], وقال: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)[النساء: 79], ويقول: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41].
فالواجب على الناس جميعا بلا استثناء, الرجوع إلى الله, والتوبة إليه, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, عندها يأذن الله برفع البلاء؛ فالله -جل جلاله- هو الذي أنزل هذا البلاء, وهو الذي يرفعه إذا شاء.
والناظر لحال المجتمعات الإسلامية يجد البعد الشديد عن الصراط المستقيم, لدرجة الانحلال عن الدين عند بعض الدول, والله إذا أنزل البلاء على الناس إنما هو ليراجعوا دينهم, فإن اعرضوا فإنه لا يرفعه, فإن لم يستفيقوا, أخذوا على غرة في حين غفلة, والعياذ بالله!, قال الله -جل جلاله-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 42 - 45].
قال ابن بشر -رحمه الله- في تاريخه, عندما نزل الوباء والمرض في الدرعية, ابتداءً من عام 1224هـ واستمر إلى شهر جماد -لم يحدد أيهما-، "ومات خلق كثير؛ فزع الإمام سعود بن عبدالعزيز بكتابة نصيحة وزعها على أهل الدرعية وغيرها, حثهم فيها العودة إلى الله والتوبة النصوح, فما هي إلا أن رفع الوباء بفضل الله".
فالواجب على كل مكلف التضرع بين يدي الله والرجوع إليه والتمسك بشرعه, حتى تزول الغمة.
معاشر المسلمين: إن لنا ربا غفورا رحيما, يستر العبد ويحلم عليه, ويغفر ذنبه, ويعافيه, وحتى لو أعرض العبد, مد له وأخر عقوبته, لعله يتوب ويعود, روى في أخبار من قد سبق, أن رجلا أطاع الله عشرين سنة, ثم عصاه عشرين سنة, فاطلع في المرآة فرأى شيبا, فخاف منه وقلق من أجله, فقال: يا رب, إن تبت إليك فهل تقبلني؟, فنودي من خلفه: "أطعتنا فشكرناك, وعصيتنا فسترناك, وإن عدت إلينا قبلناك", فندم وتاب ورجع لربه.
عباد الله: ما منا إلا مذنب ومقصر, فلنبادر بالتوبة قبل استحكام العقوبة, ولا نسوف, أو نستهتر بالأمر؛ فإن الله يمهل للظالم, حتى إذا أخذه لم يفلته.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا, أقول ما سمعتم, واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فيا أيها الناس: إذا وقع البلاء فلا بأس بالأخذ بالأسباب التي تعين على رفعه مع التوبة والإنابة, ومن ذلك تلك الاحترازات الطبية التي حثت عليه وزارة الصحة, سواء في المساجد أو غيرها؛ فتلك الاحترازات من أسباب الشفاء -بإذن الله-, وهي من التوكل على الله -تعالى-.
فلا تستهينوا بالأمر فإن الأمر جد, لو كتب الله تفشي الوباء, فلن يكون بمقدور أحد رده بل ولا خفضه, فأولا تحصنوا عن الوباء بتقوى الله؛ فهي الحصن الحصين -بإذن الله-, ثم تحصنوا بالتدابير الوضعية التي سنها لكم أهل الاختصاص؛ فهي من الأسباب التي أباح الله لنا اتخاذها, بل ندب إليها الشارع وجعلها من الشفاء.
ولقد مرت بنا جميعا أيام فقدنا فيها المساجد والجمع والجماعات, وذقنا حرها ولوعتها, ثم رجعنا لها بحمد الله, فالله الله أن نؤتى من قبلكم, ولنحرص ولنتكاتف, لتعود الحياة كما كانت قبل الوباء.
وأكثروا من الدعاء أن يصلح الله الراعي والرعية, وأن يهدي ضال المسلمين, وأن يؤلف بين قلوبهم, وأن يرفع الوباء عن العالم بأسره, ولنكثر من الاستغفار, قولا وعملا.
اللهم ارفع عنا الوباء بمنك وكرمك