البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

أسرار الحج وحكمه وكلمة للحجيج

العربية

المؤلف صالح بن عبد الله بن حميد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الحج
عناصر الخطبة
  1. من أسرار الحج .
  2. معانٍ تربوية في الحج .
  3. جهود السعودية في خدمة الحرمين .

اقتباس

إن شعائر الإسلام تجمع المسلمين على توجه واحد وتوحيد واحد وممارسة واحدة، يستشعرون معاني الإخوة والمشاركة، ويشعرون بعظمة التجمع في مسجد الحي، ومسجد الجمعة الجامع، والمسجد الحرام، والمشاعر العظام، والمسجد النبوي الشريف، والحاج يجتمع له ذلك كله في رحلته المقدسة من صلاة ونفقة وسفر ورفقة، ينخلع عن أهله وولده وبيته وعمله وراحته، في أيام عظيمة، ونفحات إيمانية ومشاعر دفاقة...

 

 

 

 

الحمد لله مقدر الأزمان والدهور، مجري الأحداث والأعمال على قدرها المقدور، أحمده -سبحانه- هو أهل الحمد والمجد والكمال، لا يشغله حال عن حال، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، شهادة الحق واليقين، فيها النجاة والثبات يوم الدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه ورفع درجته على الناس أجمعين وعلى آله الطيبين الطاهرين، والصلاة والسلام على آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وزوجاته أمهات المؤمنين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله -رحمكم الله- فلله در أقوام امتثلوا ما أمروا، وزُجروا عن الزبل فانزجروا، جن الليل عليهم فسهروا واجتهدوا في المطلوب فجدوا ورغبوا وحرضوا، ربحوا وما خسروا، وعاهدوا فما غدروا، واعترفوا بنعم مولاهم فشكروا، لقد ذكروا بالذكر فذكروا: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا) [المؤمنون:111].

أيها المسلمون حجاج بيت الله: تقبل الله حجكم وأحسن عملكم، وجعل حجكم مبرورًا وسعيكم مشكورًا، وأعادكم إلى دياركم سالمين غانمين موفورة أجوركم، متقبلة أعمالكم، صالحة شؤونكم، محفوظين في دينكم وأهلكم.

أيها المسلمون حجاج بيت الله: وأنتم تتطلعون لشهود منافع الحج وحكم التشريع وأسرار الشرائع، فهذا هو الحج فريضةٌ محكمةٌ، وركنٌ من أركان الإسلام راسخٌ، من خصائصه أنه أكثر نفقةً وأكثر مشقةً وأعظم تضحيةً؛ ولذا كان الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة، ومن حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

الحج رحلة العمر والحياة إلى بيت الله المحرم، يقترن به غالبًا زيارة مباركة إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

حجاج بيت الله: تقبل الله منا ومنكم، وبلَّغنا منافع الحج، شعائر الإسلام الكبرى -الصلاة والصيام والزكاة والحج- تتجلى فيها جميعًا وحدة المسلمين واتحاد شعائرهم ومشاعرهم، تؤتى كلها في أوقات معلومة، وشعائر ظاهرة، ليس لأحد أن يزيد فيها أو ينقص؛ فالصلاة أوقاتها خمسةٌ معلومة، والصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والزكاة في وقتها معلوم: (وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام:141]، و (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) [البقرة:197].

إن شعائر الإسلام تجمع المسلمين على توجه واحد وتوحيد واحد وممارسة واحدة، يستشعرون معاني الإخوة والمشاركة، ويشعرون بعظمة التجمع في مسجد الحي، ومسجد الجمعة الجامع، والمسجد الحرام، والمشاعر العظام، والمسجد النبوي الشريف.

والحاج يجتمع له ذلك كله في رحلته المقدسة من صلاة ونفقة وسفر ورفقة، ينخلع عن أهله وولده وبيته وعمله وراحته، في أيام عظيمة، ونفحات إيمانية ومشاعر دفاقة، أيام إقبال على الله وابتغاء مرضاته في أماكن مقدسة طاهرة، يتجرد فيها عن الدنيا ومظاهرها، يطرق أبواب الرحمة والمغفرة، يتعرض لنفحات ربه في هذه المواقف الشريفة في عرفة والمشعر الحرام ورمي الجمار والطواف بالبيت المحرم وبين الصفا والمروة، أيام حج مباركة، وأعمال من الطاعات والقربات يتوافد فيها الحجيج، يحملهم الطهر ويحدوهم الأمل من رب كريم، في مظهر فريد في دنيا البشر لا نظير له ولا مثيل في أي كان أو أي زمان إلا لأهل الإسلام وديار الإسلام.

ملايين البشر من المسلمين اعتزلوا ما ألفوا، الكل في موقف واحد، آوتهم الخيام، وتجردوا من ثياب الترف والزينة، لئن كانوا في ديارهم يمثلون أذواقًا مختلفةً وأنماطًا متغايرةً وعاداتٍ متباينة، وأصواتهم متفاوتةٌ ولغاتٌ ولهجاتٌ متنوعة؛ فإنهم في يوم عرفة لونهم البياض، ولباسهم الإزار والرداء، ولغتهم التلبية والتسبيح والتكبير والتهليل والدعاء والاستغفار، ومشاعرهم مشاعر الضراعة والقرب، والابتهال في القلوب إيمانٌ وفي الألسنة ذكرٌ، وفي المشاعر رغباتٌ وآمالٌ بالفوز والنجاة والقبول والمغفرة.

معاشر الإخوة حجاج بيت الله: ومن شهود منافع الحج والنظر في حكم التشريع وأسرار الدين ما أعلنه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع من معالم الإسلام ومبادئه العظام، ومما تقتضيه المناسبة ما ذكروه من شأن المال ونظامه وتنظيمه، وعالم اليوم يعيش أزمة مالية خانقة، لقد قال -عليه الصلاة والسلام- فيما قال في هذا اليوم العظيم والمشهد الكبير: "كل ربا موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون". وفي نظرة موجزة فيما عليه نظام المال واقتصاده في الإسلام يتبين أين الخلل وأين المشكلة وأين الحل.

المال -عباد الله- له دائرتان: دائرة الكسب ودائرة الإنفاق:

أما دائرة الكسب: فهي إحدى صور العمل، ومنْ كَدَّ وعمل فهو حقيق بأن ينال جزاء عمله، وكسبه من جهده المبذول حسب قدرته وخبراته العلمية والبدنية والعقلية، وهذه القدرات والخبرات والقوى تختلف بين الناس اختلافا بيّنًا؛ ومن هنا فإن مكاسبهم ونتائج أعمالهم واستحقاقاتهم تختلف كذلك، وفي ميدان العمل والكسب كذلك؛ فإن الإسلام يفرّق بين الحلال والحرام، فكل درهم يأخذه الإنسان من غير وجهه فهو حرام وسحت، وكل لحم نبت عن سحت فالنار أولى به، مِنْ غِشٍّ وظلم وكذب وتدليس وكتمان واحتكار، والمال لا ينتج مالاً، والزمن لا يمنح ربحًا، وإنما يُكسب المال بالعمل والجهد والجد والكسب.

وكل تعدٍّ على الآخرين وارتكاب للحيل للاستحواذ على أموال الناس سحتٌ وحرامٌ وممنوعٌ في شرع الله ودينه، وجمع المال واكتنازه من غير أداء حق الله فيه مسلك في الشرع ممنوع، ناهيكم مما يجب التحلي به من الأخلاق العالية والقيم الرفيعة والصدقة والبذل والإحسان والرفق والسماحة في البيع والشراء وحسن الأداء والقضاء.

أما الدائرة الثانية: فهي دائرة الإنفاق؛ فدين الإسلام يدعو إلى الإنفاق من غير إسراف ولا تقتير، بل نهجه النهج القوام مما يبني ثقافة الصرح والاستهلاك الرشيد: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان:67]، (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) [الإسراء:29]، إنفاق يحارب البذخ والسرف والخيلاء والشح والتقدير مما يذهب بالمال من غير وجهه، ويورث الحسد والبغضاء ويوقع الفحشاء: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268].

ليس الاقتصاد وحداتٍ حسابيةً، أو تعظيمًا للربح والمنفعة العاجلة والنهم والجشع على حساب الحق والعدل والرحمة والصدق والرفق وحسن التعامل، ويكفي من مظاهر الظلم تسريح العمال وازدياد البطالة، وإذا زاد الإنتاج ألقوا بالفائض في البحر أو في النهر غرقًا وحرقًا حتى لا ترخص الأسعار وحتى لا يحل الرخاء، ولو مات العالم جوعًا وعريًا، ناهيكم بالعبث بالأسواق والأسعار وسوء استخدام أجهزة الإعلام في تحقيق المكاسب الحرام وخداع عباد الله.

وبعد:

عباد الله: ماذا يصنع من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ورعٌ يحجزه عما حرَّم الله، وحلمٌ يضبط به جهله وحسن صحبةٍ لمن يصحب؛ فلا تحقرن من المعروف شيئًا، فجنات عدنٍ أعدها الله للذين ينفقون في السراء والضراء، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين.

أيها الحاج الكريم -وقد حفظك الله فأتم لك نسكك، ويسر لك طريق العبادة-: اعلم أن حفظ حقوق الإخوان والالتزام بآداب الإسلام يمحو آثار الذنوب وظلمة الآثام؛ يتحرى الحاج كل برٍّ، ويتباعد عن كل منكرٍ؛ تقرًبا إلى الله وأخوةً للمؤمنين.

إن الحج في وفوده وحشوده تأكيدٌ لهذه الارتباطات، وتجسيدٌ لتلك المشاعر، صفوفٌ في الأبدان، وشهودٌ في الأفئدة، الحج رمز الوحدة والتوحيد، وعنوان البذل والتضحية، ملتقى المسلمين الأكبر يوم الحج الأكبر.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [البقرة:200-202].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله؛ رضي لنا الإسلام دينًا خالدًا، وشرَّف كل مؤمن من هذه الأمة فجعله على الأمم شاهدًا، وربطنا بأبي الأنبياء الجامع لكل فضل: (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ) [الحج: 78].

أحمده حمدًا يليق بجلاله، وأشكره على جزيل نواله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من وحَّد الله ربَّه حقًّا، والتزم بمقتضى الشهادة صدقًا.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، نشر دين الله في الآفاق، وقمع أهل الشرك والنفاق، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

أما بعد:

فمن لطف الله ورحمته وفضله ومنته أنه لما سهَّل التواصل في هذا الزمان، وصارت الحشود القاصدة لهذا البيت الآمّة لهذه المشاعر تزداد العام تلو العام، والموسم بعد الموسم، قيَّض الله للحرمين الشريفين ولاةً وخدامًا في دولة الوحدة والتوحيد تواكبًا مع هذه المواكب المتزايدة والوفود الوافدة، لقد شرَّف الله أهل هذه البلاد -قيادةً وشعبًا- لخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما، والانتساب إلى هذه البقاع الطاهرة، والالتزام بشرع الله كتابًا وسنة.

إن من أشرف مسئوليات هذه البلاد خدمة الإسلام والمسلمين، ورعاية الحرمين الشريفين والبقاع المقدسة لأن تكون -كما أخبر الله سبحانه- مثابةً للناس وأمنًا.

إن ولاة الأمر في هذه البلاد يبذلون الغالي والنفيس من أجل خدمة ضيوف الرحمة، وقاصدي الحرمين الشريفين وخدمتهما، وأداء المناسك بيسرٍ وسهولةٍ وأمانٍ واطمئنانٍ؛ ابتغاء مرضاة الله وفضله، يجسد ذلك تلكم المشاريع الجبارة والتوسعات المتتالية في الحرمين والمشاعر، مشروعاتٌ وخدماتٌ يتحقق من خلالها مقاصد الشرف، ويتيسر معها العبادات والطاعات، ويتحقق معها تلبية النداء المطهر: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ...) [الحـج: 27]، فالدولة بأجهزتها في حالة استنفار؛ ليكون البذل بقدر النداء.

إن هذه البلاد السعودية بلاد الحرمين الشريفين -قيادةً وشعبًا- يرون في خدمة الدين والمسلمين شرفًا لا يطاوله شرف، ورعاية الأماكن الطاهرة غايةٌ عظيمةٌ تتطاول لها الآمال وتسخّر من أجلها الأموال والثروات، ويتفانى السعوديون بكل ما أوتوا من قوةٍ وما يملكون من طاقة، مشروعات وخدمات تنتظم كل المواقع والأماكن وتدخل في أدق التفاصيل والمسالك، ومن يهتم بالتفاصيل لا يسأل عما عداها.

جهودٌ ومشروعاتٌ يبتغى بها وجه الله بعيدًا عن المقاصد الإعلامية أو الأغراض السياسية أو الاقتصادية، مشروعاتٌ وخدماتٌ تتم وفق خططٍ مدروسةٍ ورؤى بعيدة، ناهيكم في الأجهزة والإدارات الخاصة في الحرمين الشريفين ومشروعاتهم وخططهم، وقوى أمن الحج والمواسم ومراكز البحوث العلمية؛ ما يجسد الاستمرار والدوام والمتابعة في هذه الخدمة الشريفة والرعاية الكريمة، في ضخامةٍ من الجهود وسموٍّ من الأهداف، بارك الله في الجهود وسدد الخطى، وأحسن المثوبة وأجزل الأجور: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل:5-7].

ألا فاتقوا الله -رحمكم الله- واشهدوا منافع حجكم، وتأملوا أسرار التشريع وحكمه وأحكامه، واذكروا الله واشكروه على ما يسَّر من بلوغ بيته وقضاء النسك بأمنٍ وأمانٍ ويسرٍ واطمئنان: (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [البقرة: 202].

ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم فقال -عز قائلاً عليمًا- في محكم تنزيله قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعل به كلمتك، وانصر به دينك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللهم وفقه ونائبه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- واجعلهم رحمة بعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد؛ يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين.

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، والرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عينٍ لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنةٍ مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.

اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، ونسألك شكر نعتمك وحسن عبادتك، ونسألك قلوبًا سليمةً، وألسنةً صادقةً، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفر لما تعلم، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، واغفر لنا ولولدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا؛ فأرسل السماء مدرارًا، اللهم واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، (عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [يونس:85]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة:201].

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.