الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إن هبات الله -عز وجل- في أنفسنا وفيما حولنا كثيرة جدًّا لا نكاد نُحصيها؛ فالواجب علينا ألَّا نجحد هبات الله علينا، والواجب علينا أن نشكر الله -سبحانه وتعالى- على هباته؛ فهو الواهب الذي يعطي بدون مقابل حتى للكفار يعطيهم من هباته...، فسبحان الوهاب الذي يعطي بدون عِوَض.
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
عباد الله: حديثي اليوم عن اسم من أسماء الله -عز وجل- وهو اسم الوهاب .ومعنى الوهاب في حق الله -تعالى- هو الذي يهب العطاء بدون عِوَض، ويعطي الحاجة بغير سؤال، كثير النعم دائم العطاء .
وقد ورد اسم الوهاب في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران:8]، ودعا سليمان -عليه السلام- عندما قال: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[ص:35].
عباد الله: ينبغي أن نُوقن أن كل ما نحن فيه هو في الحقيقة هِبَات من الله -عز وجل-، وعند الله خزائن الهبات كما أخبر عن نفسه فقال: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ)[ص:9]؛ أي أنه الواهب من الخزائن المليئة بالنعم؛ سواء مادية أو معنوية، فكلها هبات الله -سبحانه وتعالى- حتى تعلم كثرة هبات الله لنا .
فحين خلقنا الله -عز وجل- من العدم، وبالتالي فإن نعمة الجسم ونعمة العقل هبة، وسمعه هبة، وبصره هبة، وقلبه هبة، وصحته هبة.
والكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة من الله للإنسان؛ فالهواء الذي تتنفسه هبة، والماء الذي نشربه هبة، والطعام الذي نخرجه من الأرض هبة، والشمس التي تمدنا بالدفء هبة، والنجوم التي نعرف بها المواقيت وجمال الكون هبة، والرسالات السماوية والرسل -عليهم الصلاة والسلام- هبات من الله -سبحانه وتعالى-، كما أن الهداية والإسلام والإيمان بالله -عز وجل- والقيام بواجبات الدين هبة من الله، ومن ذلك يقول الله -عز وجل-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النور:21].
كما أن الزوج هبة من الله للزوجة، وكذلك الزوجة هبة من الله لزوجها، والأبناء -ذكوراً أو إناثاً- هبة من الله -عز وجل-، قال -تعالى- عن نبيه أيوب -عليه السلام-: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[ص:43]، وقال -تعالى-: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى:49-50].
عباد الله: إن هبات الله -عز وجل- في أنفسنا وفيما حولنا كثيرة جداً لا نكاد نحصيها؛ فالواجب علينا أن لا نجحد هبات الله علينا، والواجب علينا أن نشكر الله -سبحانه وتعالى- على هباته؛ فهو الواهب الذي يعطي بدون مقابل حتى للكفار يعطيهم من هباته من الصحة والعافية والأموال والأولاد، وهم يكفرون به وهم يشركون به؛ فسبحان الوهاب الذي يعطي بدون عِوَض.
ونسأل الله الوهاب أن يرزقنا شكر هباته العظيمة، وأن يغفر ذنوبنا، ولا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
من ثمرات الإيمان باسم الله الوهاب أن ندعوه فنقول: يا وهَّاب هب لنا خيراً في الدنيا والآخرة. ومن دعاء الصالحين قولهم: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8] .
كما أنه قد يحرم الإنسان من بعض الهبات في موت ولد أو زوجة أو مرض بعد الصحة؛ فإن المسلم يجب عليه أن يصبر لذهاب الهبة، وليعلم أن سلب هذه الهبة لحكمة يريدها الله -عز وجل-؛ وهي خير لك إن صبرت وشرّاً إذا سخطت فعلينا دائماً بالصبر والرضى، فلله الأمر من قبل ومن بعد، والله يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ولا معقّب لحكمة ولا راد لقضائه -سبحانه وتعالى-.
نسأل الله أن يجعلنا من الشاكرين على هباته الصابرين الراضين على سلبها، وفَّقنا الله لما يرضيه؛ ألا وصلوا على سيدنا محمد كما أمركم الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّر أعداءَ الدِّينِ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا، رخاءً سخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم بفضلك عمنا، وبلطفك حفنا، وعلى الإسلام والسنة والجماعة جمعا توفنا، توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين، يا رب العالمين.
اللهم ما سألناكَ من خير فأَعْطِنا، وما لم نسألك فابتَدِئْنا، وما قَصُرَتْ عنه آمالُنا وأعمالُنا من خيرَيِ الدنيا والآخرة فبَلِّغْنا، اللهم إنَّا نسألكَ الهدى والتقى، والعفاف والغنى، اللهم إنَّا نسألكَ العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمِنْ روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتَنا، وفي القبور وحشتَنا، ويومَ القيامة بين يديك ذُلَّ وقوفنا، يمِّمْ كتابَنا، ويَسِّر حسابَنا، وثبِّتْ على الصراطِ أقدامَنا، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين.