البحث

عبارات مقترحة:

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

الثبات حتى الممات

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. الثبات على الحق أعلى مراتب الثبات .
  2. الدعاء بالتثبيت هدي النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين .
  3. ازدياد الحاجة إلى الثبات في عصرنا الحديث .
  4. بيان فتن الشبهات والشهوات في العصر الحديث .
  5. من أسباب الثبات .
  6. من حفظ الله حفظه الله من الفتن . .
اهداف الخطبة
  1. الحث على الثبات على الدين وبيان أسبابه
  2. وصف الفتن للتحذير منها

اقتباس

يا عباد الله، إن حفظَ العبد ربَّه بالعمل بما يرضيه هو من أظهر أسباب الثبات، ومن أقوى عوامل السلامة من الزيغ، كما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما بقوله: ((يا غلام، إني أعلمك كلمة: احفظ الله يحفظك،...

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله فتقوى الله خير زاد يصحب المرءَ في سيره إلى الله والدار الآخرة.

أيها المسلمون، إن الثبات على الطريق ولزومَ الجادَّة واتباعَ الصراط والحذرَ من اتباع السبل آيةُ رشد المرء، وبرهانُ نضجه، ودليلُ سداد رأيه. وإن أرفعَ مراتب الثبات وأعلى درجاته ثباتُ القلب على الحق، واستقامته على الدين، وسلامته من التقلب. ولذا كانت الخشية من الزيغ، شأنَ أولي الألباب ونهجَ أولي النهى وسبيل الراسخين في العلم، الذين يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ويزدلفون إليه، يرجون رحمته ويخافون عذابه. وقد ذكر سبحانه تضرّعَهم وسؤالهم إياه التثبيتَ على الحق والسلامةَ من الزيغ في قوله عز اسمه: (هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِهَـاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَبْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَلراسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَـابِ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران:7، 8].

وإنه ـ يا عباد الله ـ لحسٌّ مرهَف وضراعة مخبتة، ألفت في هدي خير الورى صلى الله عليه وسلم ما يبعث على كمال العبرة، وتمام القدوة، وحسن التأسي، وصدق الاتباع. فهذه أمُّ سلمة رضي الله عنها تحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: "اللهم مقلبَ القلوب، ثبت قلبي على دينك"، قالت: قلت: يا رسول الله، وإنَّ القلوب لتتقلب؟! قال: "نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا إن قلبه بين إصبعين من أصابع الله، فإن شاء الله عز وجل أقامه، وإن شاء الله أزاغه" أخرجه أحمد في مسنده والترمذي في جامعه بإسناد صحيح. وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك" ، قال: فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، هل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلّبها كيف يشاء" أخرجه الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه بإسناد صحيح.

وإذا كان صلوات الله وسلامه عليه قد خشي على هذه الثلة المؤمنة والطليعة الراشدة مع ما بلغت من رسوخ الإيمان وقوة اليقين وصدق العبودية، ومع أن قرنها خير القرون، كما جاء في الحديث المتفق على صحته، فكيف بمن جاء بعدهم من أهل العصور؟! لا سيما من أهل هذا العصر، الذي أطلت فيه الفتن، وتتابعت على المسلمين، فأقبلت رايات الباطل، وخفقت ألوية الضلال مبهرَجة لامعة، وعصفت بالقلوب ريح الشبهات والشهوات، وفُتح على الناس من أبوابهما ما لا منتهى له، وانبعث سيل من المغريات المغوية فيما يُقرأ ويسمع ويُرى، وتوطَّدت سبلُ الغواية واستحكمت، واتخذت من فتنة الكاسيات العاريات المائلات المميلات وسائرِ الشهوات المحرمات عماداً ومحوراً، ودأب فريق من الناس على الاستهانة بالثوابت، والاستخفاف بالمحكمات، وكان من أقبح ذلك وأشده نكراً الطعن في القرآن وكماله، أو في بعض أحكامه، أو في الرسالة وختمها وعمومها وصلاحها للعالمين في كل حين، أو في الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وفي نجاح دعوته، أو في سنته وسيرته، إلى غير ذلك من اجْتراء يعزُّ نظيره ويندر مثيله، وراجت بين كثير من المسلمين بدع محدثة أُدخلت على الدين وليست منه، وأضحت في أعرافهم ديناً يُتعبَّد الله به، وقربى يزدلفون بها إليه، وجامعاً يجتمعون عليه، وذكت نار الفرقة والاختلاف واستعرت، حتى أوشك أن يذهب ضحيتَها الإخاء الإسلامي، وبلغ السيل الزبى باستباحة الدماء المحرمة، وقتل الأنفس المعصومة، اتباعا للظن والهوى، وإعراضاً عن وصية نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم لأمته في حجة الوداع بقوله: "فإن دماءَكم وأموالكم ـ وفي رواية: وأعراضكم ـ عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟" قالوا: نعم، قال: "اللهم، اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فربَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" أخرجه البخاري في صحيحه.

فقرت بهذا الحال البئيس أعينُ أعداء الأمة، وطابت به نفوسهم, وبسطوا بالسوء ألسنتَهم.

وكل أولئك ـ يا عباد الله ـ مما تعظم به الخشية من الزيغ، وتتأكد معه الحاجة إلى تثبيت القلوب، ويستبين به عظم مقام هذا الدعاء النبوي الكريم، وشرفُ موضعه، وشدة الافتقار إلى اللهج به في كل حين.

ألا وإن للسلامة من الزيغ أسباباً تُرجى بفضل الله وبرحمته، منها صدق الإيمان وقوة اليقين، وإخلاص التوحيد لله، إذ لا سعادة ولا فوز ولا نجاة إلا بتحقيق التوحيد، والحذر من كل ما يضادّه ويناقضه.

ومن ذلك الاعتصام بالسنة، والحذر من البدعة، فإن كل بدعة ضلالة، كما بيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه بقوله فيه: "وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجه في سننهم بإسناد صحيح.

ومنها مبادرة الفتن بالأعمال، والإخلاصُ لله فيها، والاستدامة عليها، عملاً بالتوجيه النبوي الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا" أخرجه مسلم في الصحيح.

فاتقوا الله عباد الله، وخذوا من هذا النهج القويم خير العدة وأفضل الزاد، وسلوا الله أن يثبت القلوب على الدين وأن يجنبها الزيغ، فاللهم مقلبَ القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذًا لأَذَقْنَـاكَ ضِعْفَ الْحَيَوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) [الإسراء:73-75].

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ولي الصالحين، أحمده سبحانه يقلِّب قلوب الخلق أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، وخاتم النبيين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله، إن حفظَ العبد ربَّه بالعمل بما يرضيه هو من أظهر أسباب الثبات، ومن أقوى عوامل السلامة من الزيغ، كما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما بقوله: "يا غلام، إني أعلمك كلمة: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام ورُفعت الصحف" أخرجه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه بإسناد صحيح.

فعاقبه حفظ العبد ربَّه أن يحفظه الله من المضلات والشبهات، حتى يتوفاه على الإيمان، وحتى يدخله الجنة دار السلام.

ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على كل أسباب الثبات، وحذار من كل أسباب الزيغ، تكونوا من المفلحين.

وصلوا وسلموا على خير الورى، فقد أمركم بذلك المولى جل وعلا، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة...