الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
إنَّ الرَّوْع والجزع والخوف إذا وقع على الإنسان فإنَّه قد يُمرضه ويصيب جسمه بالضعف والوهن، ولا يهنأ بنوم ولا طعام؛ فليحافظ كلٌّ منا نهارًا ومساء على هذا الدعاء الجامع ليأمن من الروعات والخوف.. إنَّ في كثرة ذِكْر الله اطمئنانًا للقلب وفرحه وأنسه وزوال اضطرابه وقلقه..
الخطبة الأولى:
الحمد لله مجيب الدعوات وغافر الخطيئات وكاشف الكربات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا أيها المؤمنون: إنَّ أنفع الدعاء الذي يستحضر فيه الداعي معنى الدعاء الذي يدعو به، لا أن يكون حال دعائه غافلاً لاهيًا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ادْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ"(أخرجه الترمذي وصححه الألباني). قال ابن القيم -رحمه الله-: "أفضل الذكر وأنفعه، ما واطأ فيه القلبَ اللسان، وكان من الأذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده"(الفوائد لابن القيم: ص192).
عباد الله: من الأدعية النبوية: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي"(أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني).
والعورة هي العيب وكلُّ ما يَقبحُ قولاً كان أو فعلاً، وكلُّ ما يُستحيَى منه، وما يسوءُ صاحبَه أن يُرى منه من كلِّ عيبٍ وخللٍ وتقصير، وهذا دعاءٌ جامع نسأل الله فيه أن يستر عيوبنا إن وقعت منَّا سابقاً، أو ما يقع مستقبلاً.
وأنتم تعلمون -يا عباد الله- أنَّ كل بني آدم خطَّاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"(أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني)، وتعلمون -حفظكم الله بحفظه- فضل ستر العورات، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(أخرجه مسلم).
وقد حرَّم الله -تعالى- تتبُّع عورات المسلمين، وجعل جزاء من تتبَّع عورة أخيه المسلم من جنس عمله، بأن يَتَّبِع الله عورته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ"(أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني).
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ قَوْمًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُيُوبٌ، فَذَكَرُوا عُيُوبَ النَّاسِ، فَذَكَرَ النَّاسُ لَهُمْ عُيُوبًا، وَأَدْرَكْتُ أَقْوَامًا كَانَتْ لَهُمْ عُيُوبٌ، فَكَفُّوا عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، فَنُسِيتْ عُيُوبَهُمْ" (جامع العلوم والحكم: 2/291).
وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ، أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ"(أخرجه أبو داود وصححه الألباني)؛ فمن بحث عن معايب الناس وجاهَرَهم بها فإنَّه قد يؤدي إلى قلة حيائهم فيجترئون على ارتكاب أمثالها مجاهرة. (ينظر فتح الودود في شرح سنن أبي داود:4/ 571).
وهذا من مفاسد تتبع العورات، إضافة إلى الإثم المترتب عليها، أما من ستر عورة أخيه المسلم فهو مأجور على ذلك، إضافة إلى أنَّ الله يستر عورته في الدنيا والآخرة. ومن فوائد الستر: نشر الحب والألفة بين المؤمنين وإعانة العاصي على أن يتدارك نفسه ويتوب إلى الله توبة نصوحًا، فنسأل الله أن يستر عوراتنا.
عباد الله: ودعاؤه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "وآمن روعاتي"؛ فالروعات جمع روعة مما يدل على كثرتها وتعددها، وهي كل أمر يُخيفه أو يُحزنه أو يقلقه (ينظر كتاب: فقه الأدعية والأذكار للشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر: ص503).
وفي هذا الدعاء سؤال بالأمن من تلك الروعات، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "هل نقول: إنَّ هذا دعاء بأن يجعل في قلبك أمانًا إذا حصل الروع، أو هو دعاء برفع الروع وتخفيفه إذا وقع؟ الظاهر: الأمران؛ يعني: آمن من الروعات، أو ارفع عني الروع إذا نزل، والإنسان محتاج إلى هذا وهذا" (فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام: 6/494).
عباد الله: إنَّ الرَّوْع والجزع والخوف إذا وقع على الإنسان فإنَّه قد يُمرضه ويصيب جسمه بالضعف والوهن، ولا يهنأ بنوم ولا طعام؛ فليحافظ كلٌّ منا نهارًا ومساء على هذا الدعاء الجامع ليأمن من الروعات والخوف.
ولتعلموا -يا عباد الله- أنَّ في كثرة ذِكْر الله اطمئنانًا للقلب وفرحه وأنسه وزوال اضطرابه وقلقه (ينظر تفسير السعدي: ص417). قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد:28].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.