البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
فيا أَحِبَّتَنا، من الآباء والأمهات وأعزاءنا، من المعلمين والمعلِّمات: إننا وبقدرِ فخرنا بكم، وشُكْرنا لجهودكم، نتطلَّع حرصًا على مسيرة الأجيال الصاعدة، أن تبذلوا مزيدًا من الجهود التعليمية والتنسيقية والتربوية، حفاظًا على الجيل، وعلى صحة وسلامة طلابنا، وطالباتنا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونُثنِي عليكَ الخيرَ كلَّه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، خلَق العبادَ، وأبانَ لهم صحيحَ العمل والاعتقاد، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، خيرُ العبادِ، والهادي إلى سبيل الحق والرشاد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأمجاد، وصحبه الأنجاد، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد.
أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: اتقوا الله ربكم واعبدوه، وأطيعوه -تعالى- ووحِّدُوه، ما لكم من إله غيره، ولا ربَّ لكم سواه، ولا معبودَ بحقٍّ إلا إياه، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56].
حقُّ الإلهِ عبادةٌ بالأمر لا | بِهَوَى النفوسِ فذاكَ للشيطانِ |
مِنْ غيرِ إشراكٍ به شيئًا هُمَا | سَبَبَا النجاةِ فحبَّذا السببانِ |
أيها المسلمون: لقد أظلَّنا بظلاله عامٌ هجريٌّ جديدٌ، فاستفتِحوا عامَكم -يا رعاكم الله-، بتوبة نصوح من الزَّلَّات والسيئات، وداوِموا على الأعمال الصالحات، وأكثِروا من القُرُبات والطاعات، يقول صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصيامِ بعدَ رمضانَ شهرُ اللهِ المحرَّمُ"(خرَّجَه مسلمٌ في صحيحه).
وخُذُوا مِنْ تصرُّم الأعوام عِبَرًا، ومِنْ مرورِ الزمانِ مُدَّكَرًا.
عامٌ أطلَّ على الأنامِ جديدُ | فلكلِّ قومٍ في البسيطةِ عيدُ |
حَيَّتْهُ حينَ أطلَّ آمالُ الورى | ولكم صَبَوْنَا إليه وَهْوَ بعيدُ |
فاللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه.
أمةَ التوحيدِ: إنَّ أَوْلى ما ذُكِّرت به النفوس، ووُعِظت به القلوبُ في مستهل العام، توحيد علَّام الغيوب، لاسيما في زمن التحوُّلات الفكرية، والتموُّجات العقدية؛ إذ يجدُر بنا أن نقف وقفة جادة لاستشراف المستقبل ورَسْم آفاقه، واستنطاق أندائه وأعماقه، في ضوء عقيدة صافية، مستقرة في أعماق السويداء، لقد جاء الإسلام بعقيدة التوحيد الخالصة، (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزُّمَرِ: 3]؛ ليحرِّر القلوب من رق العبودية لغير الله، ويرفع النفوس إلى قمم العز والصفاء، ويسمو بها عن بوار الإلحاد والوثنية والشرك والشقاء، وغزو الشعوذة والخرافات، فلا مساوَمةَ على العقيدة مهما كانت المتغيِّرات، ولا تنازُل عن المبادئ مهما عَظُمَت التحديات والمؤامَرات؛ وبهذا تمكَّن الإيمان في قلوب سلفنا الصالح؛ فعزَّت بهم الأمة وسادت وانتصرت وقادت، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الرُّومِ: 47].
إخوةَ الإيمانِ: لقد خلَق الله عبادَه حنفاء، فاجتالتهم الشياطيُن عن دينهم، وزيَّنت لهم مسالك الانحراف والضلال، في الحديث القدسي أن الله -جل وعلا- قال: "إني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلهم، وإنهم أَتَتْهُم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أَحْللْتُ لهم، وأمَرَتْهم أن يُشرِكوا بي ما لم أُنزِلْ به سلطانًا"(خرجه مسلم في صحيحه)، فلا غنى للعباد عن الدين الحق والعقيدة الصحيحة، التي تُعلِي رايةَ التوحيد خفاقةً، وأن يُفرَد اللهُ -جلَّ وعلا- في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، كما يجب أن تكون الطاعة له وحده، والتحاكم إلى شريعته لا سواه، ولقد تجسَّد ذلك في هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قولًا وعملًا، فكانت حياته -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- صورةً حية، ناطقةً بالخضوع والتضرع، والافتقار والالتجاء إلى الله الواحد الأحد.
وَرَسَمْتَ لِلتَّوْحِيدِ أَكْمَلَ صُورَةٍ | نَفَضَتْ عَنِ الْأَوْهَامِ كُلَّ غُبَارِ |
فَرَجَاؤُنَا وَدُعَاؤُنَا وَيَقِينُنَا | وَوَلَاؤُنَا لِلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ |
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ)[الْأَنْعَامِ: 162-163].
أُمَّةَ العقيدةِ: لقد ربَّى الإسلامُ أتباعَه على سلامة التوحيد، وصحة العقيدة، وقوة اليقين، والتوكل على الله وحده، وابتعَد بهم عن الأوهام والظنون والخيالات التي تعبَث بعقولهم، وتلوِّث أفكارَهم، وتجعلهم يتصوَّرون الأمورَ على خلاف حقائقها، ونهى عن كل ما يخدِش سلامةَ التوحيدِ وصحةَ العقيدةِ؛ مِنَ التوسُّل بالأموات أو الأولياء، أو التمسُّح بالقبور وأَبْنِيَتِها، والأضرحة وقِبابِها، وقد شَدَّ فئامٌ إليها الركابَ، يسألونها من دون الله، رفعَ الدرجات، ودفعَ الكُرُبات، وقضاء الحاجات وشفاء المرضى، ويزعمون أنها تُبَلِّغُهم أسمى الْمَطالِب، وأرفعَ المراتب، وتحقِّق لهم قضاءَ المآرب، وبذلَ المواهب والأمن من المعاطب، وكأن الله -تبارك وتعالى- قد أغلَق أبوابَه دون حاجات خَلْقِه، تعالى الله عمَّا يقولون ويفعلون علوًّا كبيرًا.
إنما التوسل المشروع يكون بالله، ولله، قال الله -عز وجل-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 180]، أو يكون بالأعمال الصالحة؛ أو محبته ومحبة رسوله، -صلى الله عليه وسلم-، قال جل وعلا: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آلِ عِمْرَانَ: 16]، فهو وحدَه المستحِقُّ التوسُّلَ والرجاءَ، واللجوء إليه دون سواه؛ لكمال عِلْمه وقدرته وغناه، ولا يستحِقُّها أحدٌ غيرُه، سواءٌ أكان مَلَكًا مقرَّبًا، أم نبيًّا مُرسَلًا، أم وليًّا صالحًا، فلا صلاة إلا لله، ولا دعاء إلا لله، ولا ذبح ولا نذر إلا لله، ولا استعانة ولا استعاذة ولا حَلِفَ إلا بالله، ولا توكُّلَ إلا عليه، ولا رجاءَ ولا خوفَ إلا منه، فلا يملك قضاءَ الحوائج، وردَّ الغائب، وشفاء المرضى إلا الله وحده، ومن اعتقد أن أحدًا يستطيع جلبَ النفع له، أو دفع الضر عنه، أو يملك شفاءَ مرضه، أو تحقيق حاجته من دون الله، فقد أعظم على الله الفِرْيَةَ، وأبعَد النُّجْعةَ، وضلَّ ضلالًا مُبِينًا، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النِّسَاءِ: 116]، وكذا مَنْ جعَل بينَه وبينَ الله وسائطَ يدعوهم ويسألهم، ويتوسَّل بهم، أو يجعلهم شفعاءَ بينَه وبينَ الله، فقد أشرَك بالله، وقد قال رب العالمين -سبحانه-: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[يُونُسَ: 18]، ويقول سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ)[الرُّومِ: 13]، فهؤلاء الشفعاء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[الزُّمَرِ: 43-44].
وإذا كان أفضل الأمة وأشرفها عند الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- يخاطَب بقوله -سبحانه-: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)[يُونُسَ: 49]، وبقوله -تعالى-: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا)[الْجِنِّ: 21-22]، ويقول جلَّ وعلا: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[يُونُسَ: 107]، وإذا كان هذا في أكرمِ الخَلْقِ وأحبِّهم إلى الله، فغيرُه مِنْ بابِ أَوْلَى، فالله وحدَه مالك النفع والضر، لا إلهَ غيرُه ولا ربَّ سواه، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)[الْحَجِّ: 62].
إخوةَ الإسلامِ: ومن التنبيهات المفيدة في مسائل العقيدة: عدم الفهم الصحيح في باب الولاء والبراء، ووجود اللَّبْس فيه، بين الاعتقاد القلبي وحُسْن التعامل في العلاقات الفردية والدولية، كما هو مقرَّر في المقاصد المرعية، والسياسة الشرعية، والمصالح الإنسانية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[الْحُجُرَاتِ: 13]؛ إذ لا يتنافى مع عدم موالاة غير المسلم معاملتُه معاملةً حسنةً؛ تأليفًا لقلبه، واستمالةً لنفسه؛ للدخول في هذا الدين، فيكون المسلم مُحسِنًا إليه؛ ليستميل قلبَه إلى الدين القويم، قال تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 8]، وقال تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الْكَافِرُونَ: 6]، وقال سبحانه: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[الْبَقَرَةِ: 256]، وقال عز وجل: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)[الْبَقَرَةِ: 83]، وقولوا للناس؛ كل الناس، حسنًا، وفي الصحيحين من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "قَدِمَتْ عليَّ أُمِّي وهي مشركةٌ، في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قلتُ وهي راغبة: أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قال: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ"، فتكون في قلبها مبغضِة لإشراكها بالله -تعالى-، لكن تَصِلُها وتُحسِن إليها، وتُعامِلُها بالحسنى تأليفًا لقلبها، قال تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لُقْمَانَ: 15]، وقد توضَّأ صلى الله عليه وسلم من مزادة مشركة، ومات ودرعُه مرهونةٌ عند يهودي، وعامَل يهودَ خيبر على الشطر ممَّا يخرج من زروعهم وثمارهم، وأحسَن إلى جاره اليهودي؛ مما كان سببًا في إسلامه، وهكذا في وقائع كثيرة متعددة، تؤكِّد أن حقائق الدين تُستَقى من الأدلة الصحيحة، والبراهين الصريحة، فأين هذا المنهج الأبلج من الركون للعواطف المشبوبة، والحماسات الملهوبة، بل عِلْمٌ وعقلٌ وحكمةٌ وبصيرةٌ، ونظرٌ في العواقب، واعتبارٌ للمآلات، وحين يُغفَل منهجُ الحوار الإنساني، تُزْكَى جوانبُ الصدام الحضاري، وتسود لغة العنف والإقصاء والكراهية.
أُمَّةَ الإسلامِ: ومن أبرز معالم العقيدة الصحيحة المهمة وأُسُسها: لزوم الجماعة، وحُسْن السمع للإمام والطاعة، خلافًا لمنهج الخوارج المارِقين، والبغاة المقيتين، والأحزاب الضالَّة، وجماعات العنف المسلَّحة، والطائفية البغيضة، الذين يُكَفِّرون الولاةَ، ويَخرجون على الأئمة، ويَسفكون الدماءَ، ولا يؤمنون إلا بالتفكير والتدمير، وإنك لَواجِدٌ لهؤلاء رواجًا كبيرًا، وأجنداتٍ خطيرةً، تترَّس خلفَ مواقع التواصل الاجتماعي، فكن -أيها الموفَّقُ- على حذر وفطنة، وإياكَ ومسيرةَ الرَّعاع، وقد كشفت الأزمات وأظهرت المتغيرات خطورةَ هذه الأطروحات، على الأوطان والمجتمعات، فلطالما انخدع بها الدهماء، في اجتزاء وانتقائية للنصوص الشرعية، فعلى الأمة جمعاء شدُّ ركابها، صوبَ العناية بتصحيح العقيدة الإسلامية، وتنقيتها مما خالَطَها من المعتَقدات المغلوطة والمشبوهة.
ألَا فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا من هذه التنبيهات المفيدة، في مسائل العقيدة نبراسًا لكم في حياتكم، تسعدوا في دنياكم وأخراكم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النَّحْلِ: 97].
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بهدي سيد المرسلين، وثبِّتْنا على الهدى والصراط المستقيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافَّة المسلمين والمسلمات، من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوَّابين غفورًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ الله- في السر والعلن، واحمدوه واشكروه على ما شرع لكم من الدين وسنَّ، تبلُغوا مراضي الرحمن وأعظم المنن.
إخوةَ الإيمانِ: إن أصل الأصول، وأساس الملة، التذكير والثبات على عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، فهي طَوْق النجاة، الموصِل إلى بر الأمان، والحصن الحصين من الأفكار الهدَّامة، ومسالك الفُرْقة والخلافات، والتقسيمات والتصنيفات، التي تمزِّق الجمع النظيم، وتبدِّد الشمل الكريم، وفي هذه الآونة تعظُم الأمانة، وتجلُّ المسئولية، المناطةُ بأهل الدعوة والإصلاح، السائرين على المنهج الرباني الوضَّاح، وكذا القادة والساسة، أن ينتشلوا المجتمَعات والأجيال من أوهاق الافتئات على العقيدة الإسلامية الصحيحة، والمزايَدة على مراميها البلجاء، وأن يتَّخِذوا من التوحيد أطيبَ سقي وغراس، وخير منهاج ونبراس، لإصلاح أحوال الأمة وتوثيق اتحادها، ودَحْر الأرزاء عنها، وتحقيق أجلِّ مرادِها، خاصةً في قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين، والمسجد الأقصى المبارك؛ فهي قضيتنا الإسلامية الأُولى، التي يجب ألَّا تُنسى في جديد الصراعات والتحولات والمتغيرات، دون مزايَدات إعلامية، أو مبالَغات صحفية، أو معارك إليكترونية.
بَنِي الإسلامِ قد حان اعتصامٌ | بحبلِ اللهِ نهجًا والتزامَا |
لنرفعَ رايةَ الإسلامِ عدلًا | ونحمي حوزةَ المجد اعتزامًا |
إذ ذاك يأبى الله -سبحانه- تحقيقًا لوعده، إلا أن يُتِمَّ نورَه بكشف الغمة، ونصر الأمة، قال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَنْعَامِ: 82].
ومما يُعِين على معرفة العقيدة وصحيح الاعتقاد: العناية بالعلم والتعليم، وممَّا يحقق البشائر والتفاؤل والآمال، ونحن في غُرَّة عام هجري استهلال عام دراسي جديد، مفعَم بالتطلُّعات والطموحات؛ إذ إنه في ظل هذه الجائحة المستجِدَّة، يُقبِل أبناؤنا وفتياتُنا من طلابنا وطالباتنا على مقاعد الدراسة، غيرَ أنها في مثل هذه الظروف الاحترازية، تكون بالمقاعد الافتراضية، وهنا تبرُز أهمية التعليم عن بُعد، وضرورة الاستفادة من وسائل العصر التقنية، والمنصَّات الافتراضية، والتحوُّلات الرقمية، في جَمْع بين لغة الحاضر، والرؤية المستقبلية، في خدمة المسيرة التعليمية، كما تبرُز أهمية تعاوُن البيت والأسرة مع المدرسة والجامعة، في تحقيق ذلك.
فيا أَحِبَّتَنا، من الآباء والأمهات وأعزاءنا، من المعلمين والمعلمات: إننا وبقدرِ فخرنا بكم، وشُكْرنا لجهودكم، نتطلَّع حرصًا على مسيرة الأجيال الصاعدة، أن تبذلوا مزيدًا من الجهود التعليمية والتنسيقية والتربوية، حفاظًا على الجيل، وعلى صحة وسلامة طلابنا، وطالباتنا، وشكَر الله للجميع تجاوبهم وتعاونهم، في خدمة دينهم ووطنهم، في ظل توجيهات ولاة الأمر -حفظهم الله-، والشكر موصول لرجالات وأبطال التعليم، وكفاءات المعرفة، الذين يَدْأَبُونَ في إيصال رسالة التعليم، في ظل الأوضاع الراهنة، والله المسئول، أن يَرزُقَ الجميعَ العلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ، وأن يرزقنا التمسُّكَ بالكتاب والسُّنَّة، بمنهج سلف الأمة، وأن يرفع الغمةَ، عن هذه الأمة، فهو ذو الفضل والكرم والْمِنَّة.
هذا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على خير الورى، كما أمرَكم بذلك ربُّكم -جلَّ وعلا-، فقال عزَّ من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا".
مِنِّي عليه سلامٌ نَشْرُه عطرٌ | مَا سَارَ بدرُ الدُّجَى في الأفق مُنتَقِلَا |
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنكَ حميد مجيد، وبارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالَمين إنكَ حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الأئمة الخلفاء، الأربعة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، ومَنْ سار على نهجهم واقتفى، يا خيرَ مَنْ تجاوَز وعفا، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا وولي أمرنا، خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده، وأعوانهم إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخير للبلاد والعباد، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين، اللهم اجعلهم رحمة على عباد المؤمنين، اللهم اجعلهم لشرعك محكِّمين، ولسُنَّة نبيِّكَ -صلى الله عليه وسلم- متَّبِعينَ، ولأوليائك ناصرينَ.
اللهم احقِن دماءَ المسلمينَ، اللهم احقِن دماءَ المسلمينَ، وأصلح أحوالهم، اللهم أصلح أحوالهم في كل مكن يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم أنقذ المسجد الأقصى، اللهم اجعله شامخا عزيزا إلى يوم الدين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم اشفِ مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وارحم موتانا، وتولَّ أمرنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، ووفِّقنا لما تحب وترضى، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّق رجالَ أمننا والمرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا، عاجلًا غير آجِل، اللهم تقبَّل شهداءهم، وعافِ جرحاهم، واشفِ مرضاهم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارفع الغمة عن هذه الأمة، ووفِّق أبطالَ صحتنا واجزِهم خيرَ الجزاء على ما قدَّموا ويُقَدِّمون للبلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّوْل والإنعام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالِدينا ووالِديهم وجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 180-182].