البحث

عبارات مقترحة:

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

مما يهوِن المصيبة ويريح القلب

العربية

المؤلف ياسر دحيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. فقدُ الأحبة من المصائب العظيمة .
  2. أمور تهون المصيبة .
  3. الابتلاء سنة الله في المؤمنين .
  4. وصايا لأهل البلاء. .

اقتباس

اعلم أن الجزع لا يفيد, بل يضاعف المصيبة, ويفوّت الأجر, ويعرّض المرء للإثم, ولا يعيد غائباً, ولا يحيي ميتاً, وما قضى الله لك سيكون لا محالة, قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إن صبرت جَرَت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جَرَت عليك المقادير وأنت مأزور", فأيهما تختار: صبر وأجر, أم جزع ووزر؟!...

الخطبة الأولى:

الحمد لله كتب على خلقه الفناء, وتفرد وحده بالديمومة والبقاء, يبتلي عباده المؤمنين بما شاء, يبتليهم ليصطفيهم, ويمتحنهم ليضاعف أجرهم, ويورثهم الدرجات العلى, والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى, والنبي المجتبى, وعلى الآل والصحب ومن سار على نهجهم واقتفى.

أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

عباد الله: في هذه الحياة أحزان وهموم كثيرة, وبلايا ومحن وفتن عظيمة,  فما أقسى أن تفقد صاحباً أو حبيباً, يرحل عنك فجأة, فيترك غصةً في الفؤاد وحرقة؛ لذلك فحديثي اليوم لكل مهمومٍ محزون, فقد أحداً من أحبابه, وفقدُ الأحبة خطبٌ أليم, وأمرٌ جسيم, بل هو من أثقل المصائب على الإنسان, ولكنَّ المؤمن له مع هذه البلايا شأنٌ آخرٌ عجيب, يهوِّن عليه البلاء مهما اشتد, ويخفف عنه الكرب مهما عظُم.

فمما يريح القلب ويهوِّن المصيبة: أن تعلم أن الدنيا دار ابتلاء, لا يصفو لأحدٍ فيها حالٌ أبدا, الدنيا نكدٌ وكبد, ليس فيها لذةٌ إلا وهي مشوبةٌ بكدر, لا تخلو من ضيقٍ وبلية, ولا تصفو من محنة ورزية, الصحيح فيها يسقم, والكبير يهرم, والموجود يُعدم, فما أسرع تبدل الأحوال, وانقضاء الآجال!.

ثمانيةٌ لا بد منها على الفتى

ولا بد أن تجري عليه الثمانية

سرورٌ وهمٌ واجتماعٌ وفرقةٌ  

وعسرٌ ويسرٌ ثم سقمٌ وعافية

ومما يريح القلب ويهوِّن المصيبة: إيمان المسلم بالقدر خيره وشره، يعلم المؤمن أن مصيبته قدرها له العزيز العليم، واللطيف الحكيم, (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[التغابن: 11]؛ قال علقمة: "هُوَ الرَّجُل تُصِيبهُ الْمُصِيبَة, فَيَعْلَم أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه؛ فَيَرْضَى وَيُسَلِّم".

اعلم أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ, وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، قال الله -سبحانه-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)[الحديد: 22، 23].

ومما يهوِّن المصيبة: أن تنظر إلى مصائب غيرك, تفقدُ شخصاً عزيزاً واحداً, ويفقد غيرك أشخاصاً, مات لعبد الله بن عامر سبعة أبناء في يوم واحد, فقال: "الحمد لله إنني مسلِم مُسلِّم"، وكان أبو ذر -رضي الله عنه- لا يعيش له ولد، فقيل له: "إنك امرؤ لا يبقى لك ولد"، فقال: "الحمد لله كل ذلك في كتاب، الحمد الذي يأخذهم من دار الفناء, ويدخرهم في دار البقاء".

من منا لا يعرف الخنساء, شاعرة الحزن والرثاء, حين مات أخوها صخرٌ ملأت الدنيا عليه نواحاً ونحيباً, ورثاء وبكاء, لكن حينما أسلمت تغير حالها, فها هي في معركة القادسية تحرض أربعة من أبنائها شباباً على القتال, ويستشهد أبناؤها جميعاً في يومٍ واحد, فيالها من مصيبة عظيمة لهذه الأم, فما كان موقف هذه العجوز المسكينة وقد رزئت بأولادها جميعاً في يوم واحد, كيف ستتلقى نبأ وفاتهم ورحيلهم عنها؟! إنها حين علمت بالخبر قالت كلمة سجلها التاريخ لها, كلمة إيمانٍ ورضى: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم, وأسأل الله أن يجمعني بهم في مستقر رحمته", الله أكبر! ما أعظم الإيمان تصغر عنده المصائب ولو عظمت!.

ومما ويهوِّن المصيبة ويريح القلب: التأمل في ما أعده الله للمبتلين الصابرين, من الأجر العظيم والفوز المبين, ففي كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-, ما تقر به الأعين الدامعة, وتسكن به القلوب المكلومة, مما أعده الله لمن صبر ورضي واحتسب, من الثواب العظيم والأجر الجزيل, فلو قارن صاحب البلاء ما أخذه الله منه بما أعطاه؛ لوجد أن ما أعطاه الله من الأجر والثواب أعظم مما أخذ منه, بل لا مقارنة بين الأمرين, فكيف يقارن فانٍ بباقٍ, ولذةٍ مكدرة في الدنيا, بنعيم خالص في الآخرة؟!.

جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى- لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟, فيقولونَ: نَعَمْ, فيقولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَة فُؤَادِهِ؟, فيقولونَ: نَعَمْ, فيقولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟, فيقولونَ: حَمدَكَ وَاسْتَرْجَعَ, فيقول اللهُ -تَعَالَى-: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً في الجَنَّةِ, وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ"(رواه الترمذي), فيالها من بشارة عظيمة, أن يبشر المرء بالجنة والموت على الإيمان, فالله -تعالى- يأمر ببناء بيت له, ولابد  لصاحب البيت أن يسكنه غداً.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يقولُ اللهُ -تَعَالَى-: مَا لِعَبْدِي المُؤمِن عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْل الدُّنْيَا, ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الجَنَّةَ"(رواه البخاري), وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لَهَا يَشْتَكِي, فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخَافُ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ قَدَّمْتُ ثَلَاثَةً, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنْ النَّارِ"(رواه مسلم وهذا لفظ النسائي)؛ أي: احتميت بحمى عظيم من النار.

ما أعظم أجور أهل البلاء في الآخرة, أما هذه الدنيا فهي زائلة, كل من عليها يفنى, فيوفيهم الله أجورهم في الآخرة بغير حساب, (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10]؛ قال الأوزاعي: "ليس يوزن لهم ولا يُكال، إنما يُغرف لهم غَرْفاً", وعند الطبراني عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: "يُؤْتَى بِأَهْلِ الْبَلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةَ، فَلَا يُرْفَعُ لَهُمْ دِيوَانٌ، وَلَا يُنْصَبُ لَهُمْ مِيزَانٌ، يُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ صَبًّا", وَقَرَأَ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

حين يرى الناس الأجر الكبير الذي يعطاه أهل البلاء, يتمنون أن لو ابتلاهم الله في الدنيا؛ ليتحصلوا على هذا الثواب العظيم, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ جُلُودَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ؛ مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلاَءِ"(سنن البيهقي وحسنه الألباني), فسبحان الذي يرحم عباده ببلائه, ويثيبهم بما يكرهونه.

قد يُنعِم الله بالبلوى وإن عظمت

ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ

ماتت ابنة لابن عباس -رضي الله عنهما- فجاءه الخبر وهو في الطريق, فنزل عن دابته فصلى ركعتين، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: "الحمد وإنا لله، عورةٌ سترها الله، ومونةٌ كفاها الله، وأجرُ ساقه الله", وعروة بن الزبير بعد أن قطعوا قدمه؛ وقد أصابتها الآكلة، قالوا له: "أحسن الله عزاءك في رجلك، وأحسن الله عزاءك في ابنك فقد مات"، فقال: "اللهم لك الحمد إن كنت ابتليت فقد عافيت، وإن كنت أخذت فقد أعطيت، أعطيتني أربعة أولاد فأخذت واحدا. وأبقيت ثلاثة، وأعطيتني أربعة أعضاء فأخذت واحدا, وأبقيت ثلاثة", أهل الإيمان عندهم طمأنينة بأن أقدار الله وإن كانت مؤلمة على النفس فهي خير؛ لأنهم موقنون بأن الله لا يختار لعبده المؤمن إلا الخير, فلنثق في ربنا ونحسن الظن به.

اعلموا أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه, وكلما كان البلاء كبيراً, كان الجزاء عظيماً, فطوبى لمن صبر ورضي بما قدره الله عليه, فلم يسخط على قضاء ربه ولم يقل إلا خيرا, قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ, وَإنَّ اللهَ -تَعَالَى- إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ, فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا, وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"(رواه الترمذي), وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِه؛ِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ"(رواه الترمذي), وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ, ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِى جَسَدِهِ أَوْ فِى مَالِهِ أَوْ فِى وَلَدِهِ, ثمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِى سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى-"(رواه أبو داود), أرأيت -يا صاحب المصيبة- أن مصيبتك خيرٌ من الله لك؛ لأن الله -تعالى- يريد لك منزلة عالية في الجنة لا تستطيع بعملك أن تصلها مهما عملت, إنها منازل عالية لا يصلها إلا القلة ممن اصطفاهم الله لها, والله يريدك أن تكون من هؤلاء!.

أيها المبتلون: عليكم من الله الرحمات يوم أصبتم فصبرتم، ورضيتم فاحتسبتم، وابتليتم فشكرتم, رفعكم الله ببلائكم أعلى الدرجات، وأمنكم من الفزع يوم الكربات، وكتب لكم الهدى في هذه الحياة, والفوز الكبير بعد الممات, والله يقول: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[الأنبياء: 101 - 103].

الابتلاء سنة الله في أهل الإيمان, يقول ربنا الرحمن: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155 - 157].

أقول ما سمعتم, وأستغفر لي ولكم ولوالدي ولوالديكم, ولسائر المسلمين؛ فاستغفروه إنه كان غفارا.

الخطبه الثانيه:

الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لانبي بعده, وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:

يا صاحب البلاء: عليك بوصية نبيك -عليه الصلاة والسلام- عند حلول المصيبة, ففي صحيح مسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-, يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ تُصيبُهُ مُصِيبَةٌ, فَيَقُولُ: إنّا للهِ وَإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أُجِرْنِي في مُصِيبَتي وَاخْلفْ لِي خَيراً مِنْهَا؛ إِلاَّ أَجَرَهُ اللهُ -تَعَالَى- في مُصِيبَتِهِ, وَأخْلَفَ لَهُ خَيْراً مِنْهَا", قالت: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَة قلتُ كَمَا أمَرَني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فَأخْلَفَ اللهُ لِي خَيْراً مِنْهُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-.

يا صاحب البلاء: اعلم أن الجزع لا يفيد, بل يضاعف المصيبة, ويفوّت الأجر, ويعرّض المرء للإثم, ولا يعيد غائباً, ولا يحيي ميتاً, وما قضى الله لك سيكون لا محالة, قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إن صبرت جَرَت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جَرَت عليك المقادير وأنت مأزور", فأيهما تختار: صبر وأجر, أم جزع ووزر؟!.

يا صاحب البلاء: من رحل عن هذه الحياة استراح من همها وتعبها ومصائبها, فإن ختم له بخيرٍ؛ فذاك يخفف المصيبة ويهونها عند أهله, عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِىَ أُمُّ حَارِثَةَ ابْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ! أَلاَ تُخْبِرُنِى عَنْ حَارِثَةَ, وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمُ غَرْبٍ -أي: لا يعرف راميه -, فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ صَبَرْتُ, وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ الْبُكَاءَ, قَالَ: "يَا أُمَّ حَارِثَةَ! إِنَّهَا جِنَانٌ فِى الْجَنَّةِ, وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى"(رواه البخاري), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ, وَالْمَبْطُونُ, وَالْغَرِيقُ, وَصَاحِبُ الْهَدْمِ, وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ"(أخرجه البخاري).

يا صاحب البلاء: اعلم أن الذي قدر عليك الأقدار حكيم خبير, لا يفعل شيئاً عبثاً, ولا يقدّر شيئاً سدىً, قضاؤه -سبحانه- لحكمة, وهو أرحم بك من والدتك, تنوعت رحمته -سبحانه-, يرحم عبده بالمنع والعطاء, ويرحمه بالصحة والبلاء, ويرحمه بالفقر والغنى, (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء: 35], يكفر سيئاته, ويضاعف حسناته, ويرفع درجاته, وكل قضائه للمؤمن خير, ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم؛ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).