التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
المعلِّم هو الأساس والمرتكز لكلِّ أُمَّة، فهو الذي ينشئ العقول لدى شباب المستقبل، وهو الذي يبني مناهجهم في الحياة، وكل أمة تهتم بمعلميها، وتبوؤهم المنزلة التي تليق بهم، وتعيطهم الاحترام اللائق بهم، تجدها أُمّة متفوقة...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه وَنستَعِينُه ونسْتغْفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرُورِ أنفُسِنا وسَيِّئاتِ أعمالِنا، مَن يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومَن سَار على نهجِه، واقْتَفَى أثرَه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بَعْدُ: فاتقوا اللهَ أيها المسلمون والمسلمات، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:21].
أيها المؤمنون: ونحن نعيش في جائحة كورونا، وكل يوم تظهر لنا نِعَم كنا نعيش فيها ولا نَقْدُرها قَدْرها، ثم إذا بنا نفقدها كليًّا أو جزئيًّا، ووالله إنَّ هذا لداعٍ عظيم للناس أن يتفقدوا طريقة تعاملهم مع الله، فهذه كلها نُذُر؛ لعل الناس أن يرجعوا لدينهم، كما قال -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم:41]
وإنَّ مما افتقدناه بسبب هذه الجائحة: نعمة التعليم والذهاب للمدرسة، فأصبح التعليم عن بُعد، ولا يخفى ما في التعليم عن بُعد من خللٍ؛ إذ التعليم الأصل فيه أن يكون عن قُربٍ، ومخالطةٍ، ومشافهةٍ على الواقع، خصوصًا المرحلة الأوليَّة.
ولعلنا في هذه الخطبة نلقي الضوء على موقف الأسرة من التعليم عن بُعد:
عباد الله: لا يخفى على كلِّ عاقلٍ منصفٍ ما تقوم به وزارة التعليم من جهود لضبط التعليم خلال هذه الجائحة، ولا شك أن الأمر سيكون فيه تقصير ونقص وخلل، لكن ما لا يُدْرَك كله لا يُتْرَك جُلّه، ولا بد أن نكون مع الوزارة يدًا بيد لتجاوز هذه الجائحة، والمستفيد أولاً وآخرًا هو الطالب.
يحزن كل عاقل عندما يرى بعض الخلق يسخرون من التعليم عن بُعْد، وجهد الوزارة في ذلك واضح، مع ما فيه من قصور، ولكنَّ هذه السخرية تَفُتّ في العضد، وتجعل الناس لا يأخذون الأمر محمل الجدّ.
إن التعليم عن بُعْد سيصيب هذه الفترة بضعف في المخرجات في جميع المراحل خصوصًا المراحل الأولية، وهذا مما يؤثر على أولادنا ومستقبلهم، وعطائهم بعد تولّيهم المناصب لقيادة الدولة، فلا بد من سدّ هذا الخلل، وذلك بالوقوف جنب الطلاب وإكمال الناقص عليهم شرحًا وتعليمًا، حتى لو اضطر ولي الأمر للاستعانة بمعلمٍ خاصّ.
معاشر المسلمين: إن كثيرًا من الأُسَر لا تبالي بموضوع تعلُّم الأولاد، ولا تقيم له وزنًا، وهذا إضاعة للأمانة، وتهاون في المسؤولية التي علَّقها الله في عنق الولي، فلا بد للوالدين أن يُهيِّئا الوضع للأولاد للتعلم، وكأنهم في فصل دراسي، ومتابعتهم في الحضور عبر المنصة في أول الوقت، وحلّ الواجبات، فالبعض -هداهم الله- ينام عن الأولاد ولا يدري هل درسوا أو لا، ولا يدري هل يتواصل الولد مع منصته أو لا، فلا بد من المتابعة وإشعار الولد بالمسؤولية، وبيان أهمية الدراسة عن بُعد له، وأنه ربما يرسب في الاختبار، وعلينا أن نشجعهم على ذلك ونبذل لهم المحفزات.
أيها الناس: بَيِّنوا لأولادكم كيف يتعلم الطلاب في بعض الدول الفقيرة، وما هي وسائل التعلم عندهم، ولو أن ينظروا له عن طريق النت، فالبعض يدرس في الشارع وآخرون تحت الشجرة في البرية، وبدون كتب مدرسية، ومع ذلك يجاهدون ويكافحون ليتعلموا.
شَجِّعوهم وبَيِّنوا لهم أهمية العلم، درسوهم ما درستم في الصِّغر، أنَّ مَن جدَّ وجد، ومن صبر ظفر، ارفعوا هممهم في أمانيهم في المستقبل، بيِّنوا لهم أن من أراد ذلك فعليه بالجد ليناله، أخبروهم أن العلم لا يُنَال براحة الجسد.
اللهم أصلح أولادنا، ويَسِّر لهم أمورهم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: إن المعلم هو الأساس والمرتكز لكل أُمَّة، فهو الذي ينشئ العقول لدى شباب المستقبل، وهو الذي يبني مناهجهم في الحياة، وكل أمة تهتم بمعلميها، وتبوؤهم المنزلة التي تليق بهم، وتعيطهم الاحترام اللائق بهم، تجدها أُمّة متفوقة، ولديها عقول نابغة، والعكس بالعكس.
أقول هذا لما أرى وأسمع من تهكم البعض بالمعلمين، واستنقاص منزلتهم عند البعض، حتى انغرس ذلك في قلوب طلابنا؛ فاهتزت مكانة المعلم عندهم، فجعلهم لا يستفيدون منه حق الفائدة، ولا يحترمونه كما يجب، إلا من رحم الله.
عباد الله: ويجب على المعلمين أن يحترموا وظيفتهم، ويعلموا أنها وظيفة الرسل، وأن على عاتقهم مسؤولية تعليم النشء، وتربيتهم على معالي الأمور، وألَّا يُؤخَذ التعليم على أنه وظيفة وحسب، بل هو رسالة يجب أن يستشعر المعلم عظمتها، وكبير نفعها على الأمة، وأن يجعل من تعليمه قربة إلى الله يرجو ثوابها، فبَثّ العلم من أعظم الصدقات الجارية التي تجري على المعلم بعد موته.
عباد الله: متى ما استشعر الطالب مكانة العلم، وحفظ للمعلم مكانته، واحترم المعلم مهنته، وأدى رسالته، خرج لنا نتاج يُسْعِد الأُمَّة وينفض عنها غبار الكسل، وأصبحت الأمة قائدة للأمم، فالتعليم هو الأساس، وبدونه تهوي الأمة في الحضيض.
وختامًا عباد الله: تكاتفوا في هذه الأزمة، فالمستفيد الأول هم أولادكم، وهي أزمة ستمر -بإذن الله- كما مر غيرها.
وصلوا وسلموا....