الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
أيها المؤمنون: ثلاثة أصولٍ عظيمة وأسسٍ متينة عليها مدار دين الله، وعليها مرتكز السعادة في الدنيا والآخرة، وهي واجبةٌ على كل مسلمٍ ومسلمة عِلمًا وعملا؛ ألا وهي: الرضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا. وهذه الأصول العظيمة لا يُنال طعم الإيمان ولا يُظفر بلذته وحلاوته إلا بتحقيقها. والرضا بهذه الأصول الثلاثة موجبٌ لدخول الجنة. وعندما يُدرج الميت في قبره يُسأل عن...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هادي له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له. وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون: ثلاثة أصولٍ عظيمة وأسسٍ متينة عليها مدار دين الله، وعليها مرتكز السعادة في الدنيا والآخرة، وهي واجبةٌ على كل مسلمٍ ومسلمة عِلمًا وعملا؛ ألا وهي: الرضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا.
وهذه الأصول العظيمة لا يُنال طعم الإيمان، ولا يُظفر بلذته وحلاوته إلا بتحقيقها، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً".
والرضا بهذه الأصول الثلاثة موجبٌ لدخول الجنة، ففي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يَا أَبَا سَعِيدٍ؛ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" قال فقلت: "أَعِدْهَا عَلَىَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ" فَفَعَلَ؛ أي أن هذه الكلمات وقعت في قلبه موقعًا عظيما فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعيدها عليه.
أيها المؤمنون: وعندما يُدرج الميت في قبره يُسأل عن هذه الأصول؛ ففي المسند وغيره عن البراء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال -وذكر الحديث وفيه- "فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ" أي المؤمن "فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"، وفيه أنهما يسألان الكافر عن هذه الثلاث فيقول: "هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي".
أيها المؤمنون: ومتأكدٌ على كل مسلم أن تعظم عنايته بهذه الأصول الثلاثة تجديدًا للإيمان مع تجدد الليالي والأيام؛ ففي سنن أبي داود وغيره عن ثوبان -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(حديث حسن).
أيها المؤمنون: وعند سماع النداء للصلاة بكلمات الأذان العظيمة القائمة على التوحيد والإخلاص والتعظيم والإيمان يُشرع للمسلم حين سماع الأذان أن يجدِّد هذا الرضا بهذه الأصول العظيمة؛ ففي صحيح مسلم عن سعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ"، وموطن قولها بعد الشهادتين، بعد أن يقول المؤذن "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله".
أيها المؤمنون: وبهذه الأحاديث العظيمة ندرك عظم شأن هذه الأصول، وأن الواجب علينا معاشر أمة الإسلام أن تعظُم عنايتنا بها عنايةً مستمرة مع مر الليالي وكر الأيام؛ تجديدًا للإيمان بها، ومحافظةً عليها، ورعايةً لها، وتمتينًا لها في قلوبنا.
أيها المؤمنون: والمسؤولية عظيمة على الآباء والمربين والمعلمين: أن يُعنوا بالأبناء تنشئةً لهم على هذه الأصول العظيمة، لتكون لحياتهم أصلًا متينًا وأساسًا عظيما؛ فإن مثَل هذه الأصول في دين الله -عز وجل- كالأصول التي للأشجار: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[إبراهيم: 24-25].
نفعنا الله أجمعين بهدي كتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أحمده حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، وأشهد أن لا إلـٰه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم.
عباد الله: إنَّ من نعم الله العظيمة ومنَنه الجسيمة التي منَّ الله بها على الإمام المجدِّد والعالِم المصلح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- أن وفَّقه جلَّ وعلا لتحرير هذه الأصول الثلاثة في رسالةٍ خاصة عظيمٍ نفعها كبيرٍ خيرها، نفع الله -سبحانه وتعالى- بها خلقًا لا يحصيهم إلا الله -جل وعلا-؛ فأقول: توفيق الله -جل وعلا- لهذا الإمام بتأليف تلك الرسالة، وهو أول من كتب في هذه الأصول مفردةً، وعموم النفع بها يُعدُّ من النعم العظام عليه وعلى من نفعه الله بما كتب.
ومن النعم علينا في هذه البلاد -بلاد التوحيد-: أن هذه الأصول مقررة على الأبناء والبنات في مراحل الدراسة مطلوبٌ منهم حفظها وضبطها وإتقانها، جعل الله ذلك في موازين حسنات ولاة أمرنا؛ فإنها حسنةٌ عظيمة وعملٌ جليل، كيف لا! أن ينشأ أبناء المسلمين على هذه الأصول العظيمات والأسس المتينات التي عليها مدار السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة؛ فلله الحمد أولًا وآخرا، وله الشكر ظاهرًا وباطنا.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفِّق ولي أمرنا لكل خير.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.