البحث

عبارات مقترحة:

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

التعامل مع المخطئين

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. الهدي النبوي في التعامل مع المخطئين .
  2. أساليب جميلة وراقية في التعامل مع المخطئ .
  3. أخطاء في التعامل مع المخطئين .
  4. أهمية الإقناع والإشفاق والتصحيح والنصح برفق. .

اقتباس

لماذا إذا اختلفنا وتخاصمنا مع الأقارب والجيران؛ لماذا نفضحهم ونعيّرهم. ونشتمهم ونذكّرهم بأخطاء ارتكبوها قبل عشرات السنين؟، ثم نقاطعهم سنة وسنتين وعشرًا وعشرين، ثم نهجرهم من السلام والكلام والزيارة والصلة.., لماذا لا نكون مُنْصِفين...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً, وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله سيد المرسلين وخيرة الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وبارك ما تعاقب ليل ونهار.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

عباد الله: يقول الحق -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[سورة الأحزاب:21], نعم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوتنا, إنه قدوتنا، وأَنْعِمْ به وأَكْرِمْ من قدوة, كان قرآنًا يمشي على الأرض (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[سورة النجم:3-4]؛ المعلم الأول الصادق الأمين، من اقتدى به نجا، ومن اتبعه هُدِيَ، ومن سار على نهجه استقام.

كان -صلى الله عليه وسلم- يحسن التعامل مع المخطئين, ومَن منّا لا يخطئ؟ الجميع يخطئ الجميع تأتي منهم الهفوات والغلطات والتجاوزات, نخطئ على أقاربنا وما أكثر الخطأ على الأقارب!, ونخطئ على جيراننا، وما أقبح الخطأ على الجار!, ونخطئ على الناس، ولن يسلم من الخطأ أحد حتى لو حاول؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا بذلك فقال: "كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطًّائينَ: التَّوَّابونَ"(حسّنه الألباني في صحيح الترمذي).

كلنا نخطئ؛ نخطئ بالليل والنهار, نخطئ على الله، وهو رب العالمين؛ نذنب ونقصّر ونأتي بالسيئات، ومع ذلك الله يحلم علينا ويمهلنا، وإذا استغفرناه غفَر لنا، وإذا ندمنا وتبنا قبلنا (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[سورة نوح:10-12].

نستغفر فيغفر، ونتوب فيتوب، ونلجأ إليه من ذنوبنا فيؤينا ويمهلنا ويحلم علينا (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[سورة النحل:61]، فسبحان الحليم الرؤوف الرحيم!

وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرى الخطأ بعينه، أخطأ عليه الناس، وسبّوه وشتموه، واتهموه، وكذّبوه، وآذوه في أهله، وكسروا رباعيته، وشجّوا وجهه الشريف وتآمروا على قتله، وأخرجوه من بلده ومع ذلك كله ما دعا عليهم مع أن دعاءه مستجاب، بل كان يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ"(أخرجه البخاري ومسلم), ما دعا عليهم بل كان يقول -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي"(صحيح مسلم).

رأى الأعرابي يبول في المسجد فما نهرَه وما عيَّره، بل قال: "لا تُزْرموه، دعوه"، ثم أمر بصبّ الماء عليه ودعاه ينصحه ويبين له, فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ أعْرَابِيًّا بَالَ في المَسْجِدِ، فَثَارَ إلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا به، فَقالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "دَعُوهُ، وأَهْرِيقُوا علَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِن مَاءٍ، أوْ سَجْلًا مِن مَاءٍ، فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"(صحيح البخاري).

كان له -صلى الله عليه وسلم- أساليب جميلة ولطيفة وراقية يتعامل بها مع المخطئ، كان -صلى الله عليه وسلم- لا يسكت على الخطأ لكنه أثناء معالجته لا يُشهِّر بالناس ولا يفضحهم ولا يُعيِّر المخطئين، فإذا رأى الخطأ والذنب والتجاوز يكلم الناس ويقول: "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا" ما بال أقوام.. لم يقل فلان ولا آل فلان فعلوا كذا أبدًا, "ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا"؛ ينكر الخطأ, والصحابة -رضي الله عنهم- لا يعلمون من المخطئ.

ومن أساليبه -صلى الله عليه وسلم- مع المخطئ: أنه يقنع المخطئ؛ يأتي بالمخطئ ثم يناقشه بهدوء وشفقة, فيقول له: لِمَ فعلت كذا, ويقول له -صلى الله عليه وسلم- بالطريقة المثلى التي يجب أن تتبع, جاءه شاب جاهل يستأذنه في الزنا, مصيبة كبيرة من كبائر الذنوب فاحشة, كيف تعامل معه -صلى الله عليه وسلم-؟ هل ضربه؟ هل عيَّره؟ هل طرده من مجلسه؟ قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ. وقَالُوا: مَهْ مَهْ -للاستفهام أي: ما تقول, أو للكف والزجر- فَقَالَ: "ادْنُهْ", فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا, قَالَ: "اجْلِسْ", قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لأُِمِّكَ؟" قَالَ: لاَ وَاللَّهِ, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُِمَّهَاتِهِمْ" قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟" ثم قال له: "أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟"... ثم - وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"؛ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.(رواه أحمد وهو في السلسلة الصحيحة للألباني).

إقناع وإشفاق وتصحيح ونصح ودعوة وتربية.

ومن أساليبه -صلى الله عليه وسلم- مع المخطئ: أنه يقدّر ظروف الناس يراعي أحوالهم ويعذرهم بجهلهم, قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: بيْنَا أنَا أُصَلِّي مع رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ، فَقُلتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي القَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلتُ: واثُكْلَ أُمِّيَاهْ، ما شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ علَى أفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَبِأَبِي هو وأُمِّي، ما رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولَا بَعْدَهُ أحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، فَوَاللَّهِ، ما كَهَرَنِي ولَا ضَرَبَنِي ولَا شَتَمَنِي، قالَ: "إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ.."(صحيح مسلم).

ومن أساليبه -صلى الله عليه وسلم- مع المخطئين: أنه كان أحيانًا إذا رأى الخطأ يُرَى ذلك في وجهه -صلى الله عليه وسلم-, كان يغضب ويُعْرِض عن المخطئ، ويُرَى ذلك في وجهه -صلى الله عليه وسلم-.

ومن أساليبه -صلى الله عليه وسلم- العتاب والتأنيب: عتاب, تربية, تأنيب, تأديب, وليس عتاب قطيعة وشتيمة وتعيير، قال أبو ذر سببت رجلاً بأمه فقال رسول الله: "يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ"(أخرجه البخاري ومسلم).

ومن أساليبه -صلى الله عليه وسلم-: العفو والصفح مهما كان الخطأ, وما قصة حاطب بن أبي بلتعة عنا ببعيد، كان -صلى الله عليه وسلم- يعفو ويتغاضى، ويعذر ويدعو للمخطئ، يتحبّب حتى إلى الكفار كما كان يفعل مع جاره اليهودي.

أساليب مع المخطئين ليس لها مثيل، ولذلك أذهل الناس بجمال تعامله, أذهل حتى الكفار وأهل الباطل لم يروا أجمل من تعامله -صلى الله عليه وسلم-؛ فيا ترى أين نحن من هذه الأساليب كيف نتعامل مع من يخطئ علينا؟

اللهم صلِّ وسلم على نبينا وقدوتنا محمد -صلى الله عليه وسلم-, اللهم بلِّغه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة.

أقول ما تسمعون…

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.

عباد الله: أين نحن من أساليبه -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع المخطئين؟ كيف نتعامل مع من أخطأ في حقنا وتجاوز علينا؟ أنحن نتعامل معه بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أم وَفْق أهوائنا وكبريائنا وتعنّتنا؟

لماذا إذا اختلفنا وتخاصمنا مع الأقارب والجيران؛ لماذا نفضحهم ونعيّرهم. ونشتمهم ونذكّرهم بأخطاء ارتكبوها قبل عشرات السنين؟، ثم نقاطعهم سنة وسنتين وعشرًا وعشرين، ثم نهجرهم من السلام والكلام والزيارة والصلة التي أوجبها الله على الأرحام والأقارب والجيران؟, لماذا لا نكون مُنْصِفين من أنفسنا؟ فإذا تخاصمنا لا نرى أهلاً للحق إلا نحن، نُصِرّ على أن الحق لنا ومعنا ولو كنا مخطئين لماذا؟

لماذا لا نتغافل ونتجاهل عن الأخطاء البسيطة من إخوتنا وأرحامنا وجيراننا؟ لماذا نُكبّر أخطاءهم وهي لا تستحق ذلك؟ لماذا نعاقب على كل خطأ إما بالقطيعة وإما بالشتيمة وإما بالاعتداء ومد الأيدي؟ لماذا نكره من يخطئ علينا حتى كأنه يهودي أو نصراني؟ لماذا نتمنَّى لمن يخطئ علينا الموت والمرض والحوادث والكوارث؟ لماذا نشمت ونفرح وكأنها من أيدينا؟

لماذا نفضح مَن يخطئ علينا، ونُشهِّر به، لا ندع شاردًا ولا واردًا ولا قريبًا ولا بعيدًا إلا وأخبرناه وشكونا عليه أن فلان فعل كذا وكذا، ونزيد على الحقيقة مئة كذبة مثل الشيطان؟ لماذا لا نقبل عذر مَن اعتذر وجاء منكسرًا؟ الله -عز وجل- يقبل عذرك واستغفارك وندمك، وأنت لا تقبل عذر أخيك أو جارك أو قريبك, لماذا ظن السوء؟ تكلم قريبك أو جارك فلا يرد عليك، أو تسلم عليه فلا يراك، أما كونه مشغولاً أو لم يسمعك أو ما رآك ثم تزعل عليه وتظن فيه ظن السوء وهو معذور لم يتعمد لم يكن يقصد.

كثير منا لا يحسن التعامل مع المخطئين، لم يتبعوا سُنّة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-؛ ولذلك نرى الهجر والقطيعة والنفور وسوء الظن والتشفي والفهم الخاطئ وتقدير الأمور.

ألا فلنتق الله يا عباد الله، لا نخالف شرع الله، لا نخالف هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع المخطئين حتى لا نقع في الذنب، حتى نسلم من السيئات، حتى نرضي رَبّ البريات.

اللهم اهدِ قلوبنا، واجمع على الحق كلمتنا، وقِنَا شَرّ أنفسنا.

وصلوا وسلموا…