البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
تتجدد المشاعر -عباد الله- في مثل هذه الأيام عندما يتوافد الحجاج والزوار من أنحاء الدنيا وأرجاء المعمورة، فما أن يصلوا إلى هذه البلاد الكريمة، والأراضي الطيبة، إلا وتبتهج قلوبهم، وتسر نفوسهم، وتقر أعينهم بزيارة هذه الأراضي الطيبة، والبُقع المباركة...
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، ومبلّغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: في مثل هذه الأيام من كل عام يتجدد لدى ساكني هذا البلد وأهله شعور بقيمة البلد ومكانته، ومنزلته العلية، ورتبته الرفيعة، يتجدد لأهل المدينة وساكنيها شرف المكان الذي يقطنونه، والبلد الذي يسكنونه، بلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بلد الإيمان، مأرز الإيمان، ومهبط الوحي، وعاصمة الإسلام الأولى، البلد الذي شعّ منه نور الإيمان، وانطلق منه ضياؤه إلى أرجاء المعمورة، البلد الذي هاجر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومات فيه -عليه الصلاة والسلام-، وفيه دفن، ومنه يُبعث، البلد الذي تهوي إليه أفئدة المؤمنين، وتتوق إليه قلوبهم، وتشتاق إليه نفوسهم.
تتجدد المشاعر -عباد الله- في مثل هذه الأيام عندما يتوافد الحجاج والزوار من أنحاء الدنيا وأرجاء المعمورة، فما أن يصلوا إلى هذه البلاد الكريمة، والأراضي الطيبة، إلا وتبتهج قلوبهم، وتسر نفوسهم، وتقر أعينهم بزيارة هذه الأراضي الطيبة، والبُقع المباركة.
عباد الله: إن من أكرمه الله -جلَّ وعلا- بسكنى هذه البلاد، أو الإقامة فيها، عليه أن يحمد الله -جل وعلا- على هذه المنة العظيمة، والنعمة الكبيرة، أن يسر له الإقامة في بلد فاضل، وفي مكان فاضل، إليه الإيمان يأرز، ومنه الإيمان انتشر إلى أنحاء الأرض.
عباد الله: إن الواجب على من أكرمه الله سكنى هذا البلد أن يعرف لهذا البلد فضله، وأن يعرف له مكانته وقدره، وأن يحمد الله -عز وجل- حمدًا كثيرًا طيبًا على أن جعله من أهل هذا البلد، ثم يسعى في تحقيق الآداب المطلوبة، والحقوق الواردة في الكتاب والسنة، التي يجب على أهل هذا البلد أن يحققوها، وأن يعنوا بتطبيقها والعمل بها. وهذه وقفة -عباد الله- أذكر نفسي وإخواني ببعض الآداب والحقوق، التي ينبغي على أهل المدينة رعايتها والعناية بها، أقول ذلك مذكرًا، وإلا فهي معلومة معروفة.
أولاً -عباد الله-: أن يكون ساكن هذا البلد محبًّا له؛ لحب الله له، ولحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- له، ولأنه بلد محبوب، منه شع الإيمان، وانتشرت أضواؤه في المعمورة، كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- إذا سافر ورجع إلى المدينة ورأى جُدُراتها حرك دابته، وأسرع في المسير؛ من حبه لهذا البلد -عليه صلوات الله وسلامه-.
الأمر الثاني -عباد الله-: أن يستشعر ساكن هذا البلد فضله ومكانته ومنزلته العلية؛ فهو بلد الإيمان، بلد درج فيه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ودرج عليه الصحابة الكرام، وتابعوهم بإحسان، فيعرفوا شرف المكان وفضيلته، والطاعة في المكان الفاضل لها شأنها، وكذلك المعصية فيه لها خطرها، ولهذا وجب على ساكن المدينة أن يعرف لهذا البلد حرمته، فهو بلد حرام، حرّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ففي الحديث الصحيح يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إن إبراهيم -عليه السلام- حرّم مكة، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة"، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثًا، أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
وإن من واجبات ساكن هذا البلد أن يكون قدوة في الخير؛ فهو في بلد الإيمان، وفي مهبط الوحي، في البلد الذي شع منه نور الإيمان؛ ولهذا فإن من يقدم إلى المدينة من الحجاج والزوار يرون أنهم قادمون على أشخاص يعيشون في المدينة وفي بلد الإيمان، فيهم سيم الإيمان وعلاماته، يرون أنهم قادمون على أبناء الصحابة، وحفدة المهاجرين والأنصار، يرون أنهم قادمون على أهل الإيمان، والعمل والصلاح، والجد والاجتهاد؛ ولهذا قد يصدم بعضهم عندما يفاجَأ من قلة أو من بعض الناس بأعمال سيئة وأفعال منكرة يمارسونها في بلد رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-.
وإن من الحقوق -عباد الله- على ساكن المدينة، أو من قدم لها، أن يعرف لأهل هذا البلد حقهم، وفي ذلكم يقول -عليه الصلاة والسلام-: "من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله -جلَّ وعلا- كما يذاب الملح في الماء". رواه مسلم في صحيحه.
ومنْ منَّ الله عليه بسكنى هذا البلد عليه أن يصبر إذا ناله شيء من الشدة أو الفقر أو التعب؛ ففي ذلك ترغيب عظيم، وحث ثابت عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-؛ ففي صحيح مسلم يقول -صلى الله عليه وسلم-: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يثبت أحد على شدتها ولأوائها إلا كنت له شفيعًا يوم القيامة"، فمن ابتلاه الله -جلَّ وعلا- بشيء من الفقر أو المرض أو نحو ذلك من المصائب فعليه أن يتلقى ذلك بالصبر والاحتساب، ورجاء موعود الله، وأن يكون الرسول الكريم -عليه الصلاة و السلام- شفيعًا له يوم القيامة.
عباد الها: وعلى ساكن المدينة أن ينهض بنفسه لمعالي الأمور ورفيعها، وكريم الأخلاق وعظيمها، وجميل الآداب وحسنها، وأن يبتعد عن سفسافها ورذيلها، فهو في بلد الآداب والأخلاق، في بلد المكارم والشيم، في بلد الرسول -عليه الصلاة والسلام- وصحابته من المهاجرين والأنصار، فيتأدب بآدابهم، ويتحلى بأخلاقهم، ويقف على سيرهم الكريمة وآدابهم العظيمة.
كرِّر عليَّ حَديثَهم يا حادِي
عباد الله: وعلى ساكن المدينة أن يتقى الله -جل وعلا- فيمن يزورها ويقدم إليها من الحجاج والمعتمرين والوافدين؛ فهؤلاء تعبوا زمنًا طويلاً في جمع الأموال القليلة عامًا بعد عام، ويومًا بعد يوم، حتى يكون له ما يؤهله للقدوم والمجيء لهذا البلد، فلا نقابلهم إلا بالبشاشة وطلاقة الوجه وحسن المعاملة، ويا ويل، ثم يا ويل من يتلقاهم بالغش والخديعة والمكر والابتزاز والاحتيال... وغير ذلك من المعاملات السيئة، أيعامل بذلك حجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه-؟! فالواجب نحو هؤلاء أن يُتلَقَّوا بالبشر وحسن المعاملة وطيب الأخلاق؛ فهم وفد الله -جل وعلا- كما جاء في الحديث الصحيح: "الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم". وإنا لنسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر لحجاج بيت الله الحرام، ولزوار مسجد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن ييسر لهم أمورهم، وأن يعيننا على القيام بحقوقهم، إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية، مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
عباد الله: إن من أكرمه الله ومنَّ عليه بسكنى المدينة، أو الإقامة فيها لفترة محدودة، عليه أن يعلم أن الأرض أيًّا كانت ومهما كانت لا تقدس أحدًا، كما قال سلمان -رضي الله عنه- قال: إن الأرض لا تقدس أحدًا، وإنما يقدس المرء عمله. فعلينا -عباد الله- أن نقبل على الله -جلَّ وعلا- بالأعمال الصالحة، والطاعات الزاكية، وأن نتقرب إليه بما يحب من سديد الأقوال وصالح الأعمال، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعبادك المؤمنين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلحه وأصلح به يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ووفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رأفة ورحمة على عبادك المؤمنين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم وأعنا فيها على طاعتك وما يقرب إليك، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نُضل، أو نزل أو نُزل، أو نظلم أو نُظلم، أو نجهل أو يُجهل علينا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا، نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم نسألك سقيا رحمة، لا سقيا هدم ولا عذاب ولا غرق.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم هذه أيدينا إليك مدت، ودعواتنا إليك رفعت، وأنت لا ترد عبدًا دعاك، ولا تخيب مؤمنًا ناداك، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.