البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

وجاء دور الخرافيين (2)

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الأديان والفرق - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. النص الإلهي يقطع التباين الفلسفي بين الناس .
  2. منهج السلف الصالح في تلقي وفهم النصوص الشرعية .
  3. عواقب إدخال كتب فلاسفة اليونان على المجتمعات المسلمة .
  4. أصول الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة وأبرز آرائهم .
  5. نشأة التصوف ومراحل تطوره .
  6. انحراف الصوفية وغلوهم وذكر بعض بدعهم .
  7. مقارنة بين طبقة الزهاد الأوائل ومبتدعة الصوفية المتأخرين. .

اقتباس

استسلم الجيل الأول للنص بلا تحريف ولا تعطيل ولا اعتراض ولا خلاف ذلك، فكانوا لا يعارضون النص بعقولهم، وإنما يستخدمون عقولهم في فهم النص، فإن أدركوا الحكمة فالحمد لله، وإن لم يدركوها سلموا بالنص كما هو. بعد هذه القرون الثلاثة الفاضلة، ومع إدخال كتب فلاسفة اليونان على المجتمعات المسلمة وترجمتها في العصر العباسي بدأت تبلور خروج تلك الفرق. وإن كانت أصول الفرق قد وجدت أصولها في عهد الصحابة، لكن إظهارهم لبدعتهم وضلالهم كان بعد ذلك كالخوارج المكفرة المستحلة للدماء المعصومة.

الخطبة الأولى:

إن الحمد؛ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لقد بعث الله -تعالى- رسله مبشرين ومنذرين وجعل لكل نبي برهانًا على نبوته يحاجج به ويدفع عن نفسه شبهة البهتان ويدعو الناس على بينة ونور يقول سبحانه (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد: 25].

ففي مثل هذه الأمور الجسيمة لا مكان للكلام الفلسفي المرسل لا مكان له في النبوة ودلائلها، فكل إنسان له نوع فلسفة يمكن أن يحجاجك بفلسفته، ويقطع هذا التباين الفلسفي بين الناس النص الإلهي، سواء كان في القرآن في السنة؛ لأن الله -تعالى- أنزل على نبيه نوعين من الوحي؛ القرآن، والوحي مما ليس في القرآن والمواعظ وتأويل الآيات.

يقول سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44]، وفي المشكاة بسند صحيح من حديث المقداد قال -صلى الله عليه وسلم- "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه".

وقد استسلم الجيل الأول للنص بلا تحريف ولا تعطيل ولا اعتراض ولا خلاف ذلك، فكانوا لا يعارضون النص بعقولهم، وإنما يستخدمون عقولهم في فهم النص، فإن أدركوا الحكمة فالحمد لله، وإن لم يدركوها سلموا بالنص كما هو.

ولهذا صح في البخاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبّلك ما قبّلتك".

وقال علي -رضي الله عنه-: "لو كان الدين بالرأي كان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه".

واستمر هذا المنهج القويم طوال القرون الثلاثة التي عدَّلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد لها بالخيرية دون غيرها من القرون في قوله من حديث ابن مسعود في صحيح البخاري: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته".

بعد هذه القرون الثلاثة الفاضلة، ومع إدخال كتب فلاسفة اليونان على المجتمعات المسلمة وترجمتها في العصر العباسي بدأت تبلور خروج تلك الفرق.

                         

وإن كانت أصول الفرق قد وجدت أصولها في عهد الصحابة، لكن إظهارهم لبدعتهم وضلالهم كان بعد ذلك كالخوارج المكفرة المستحلة للدماء المعصومة.

 وكالمرجئة الذين أخروا الإيمان عن العمل، فقالوا: لا علاقة للعمل بالإيمان حتى وصل بهم الأمر أن قالوا: يكفي التصديق القلبي بوجود الله لدخول الجنة؛ فيتساوى بذلك فرعون وهامان وقارون مع أنبياء الله.

وكأهل الكلام الذين تفلسفوا وقدموا العقل على النقل فعطّلوا صفات الله، وضلوا في الإيمان بالقدر، وقالوا: لا قدر، وإن الذنوب ليست واقعة بمشيئة الله ولا قدرته، وقالوا بأن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق كالمعتزلة والجهمية.

حتى إن قاضيهم أحمد بن أبي دؤاد الذي كان يحث الخليفة مأمون عل قتل ناصر السنة الإمام أحمد بن حنبل في فتنة خلق القرآن كان يقول له: "يا أمير المؤمنين! اقتله، ودمه في رقبتي"!، هذا القاضي المقرب من الخليفة كتب على ستارة الكعبة علق هذه الآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..) ولم يكملها (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ولم يكمل هذه لأنه ينفي عن الله السمع والبصر.

وكالأشاعرة وغيرهم من أهل الكلام الذين عطّلوا بعض الصفات، ونفوا عن الله العلو وقالوا: إن الله في كل مكان وغيرهم من غلاة أهل الكلام، ولذلك فإن ظهور أمثال هذه الفرق دفع العلماء إلى تسمية جيل القرون المفضلة هذه بجيل السلف الصالح حتى يميزوا بينهم وبين من جاء بعدهم.

يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "في أواخر عصر التابعين حدث ثلاثة أشياء؛ الرأي، والكلام، والتصوف، فكان جمهور الرأي في الكوفة، وكان جمهور الكلام والتصوف في البصرة أم الصوفية، فإن التصوف مر بمراحل مختلفة؛ إذ بدأ بشيء من الغلو في الزهد".

وهنا نذكر بأن كلمة صوفي لم تكن قد خرجت أو عرفت بعدُ، وإنما هي مستحدثة واختلف العلماء اللغويون في أصلها، فقال بعضهم: بأنها من الصوف ورجح كثيرًا منهم أنها يونانية الأصل، وقالوا: كلمة صوفي مأخوذة من صوفي اليونانية بمعنى الحكمة، فإنها لم عربت أو ترجمت كتب اليونان، حرفوا الكلمة، وأطلقوها على رجال التعبد والفلسفة الروحية، بمعنى الإشراق أو محب الحكمة الإلهية.

ولكن المسمى الأمثل في العربية هو الزهد، والزهد حَسنٌ، لو كان كزهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الغلو في الزهد ليس محمودًا، وكل ما خرج عن ما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جانَب الصواب وخير الهدي هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والزهاد في البصرة وأمثالها من أمصار المسلمين كانوا على نهج السلف الصالح في العقيدة والأخلاق، وكانوا يتميزون بكونهم في التعبد والذكر أكثر من غيرهم.

لكن الزمان كلما تقدم تدهور الوضع وتحول الزهد مع مرور السنين إلى طرق صوفية لكلّ منها معالمها الخاصة في الاعتقاد والذكر، كل طريقة لها أوليائها المطاعون طاعة عمياء وأقطابها المقدسون، فمن الطريقة الرفاعية إلى النقبشدية إلى الدسوقية، وغيرها من الطرق.

وصارت تنحرف عن منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام شيئًا فشيئًا حتى وصل الحال بأهلها إلى الغلو الشديد من الطواف بالقبور والاستغاثة بالأولياء والذبح لهم والقول بالكشف ورفع القلم عن بعض أوليائهم فلا تكتب لهم سيئات حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية الهندية والفارسية واليونانية المختلفة.

أيها المسلمون: مرت الصوفية بثلاث مراحل: المرحلة الأولى، وكان يغلب على أصحابها جانب العبادة، وتزكية النفس، وقلة الخلطة بالناس والتجافي عن الدنيا مع التزامهم بآداب الشريعة، وقد يغلب على بعضهم الخوف الشديد، والبكاء المستمر، وكان من هؤلاء في المدينة أي من الزهاد عامر بن عبدالله بن الزبير الذي كان يواصل الصيام من يوم لثلاث، ويقول له والده عبدالله بن الزبير: "رأيت أبا بكر وعمر ولم يكونا هكذا"؛ ينصحه لا تفعل.

وكان في البصرة طلق بن حبيب وعطاء السلمي الذي بكى حتى عمش، وابيضت عيناه، ومن هؤلاء الزهاد: إبراهيم بن سيار، وبشر بن الحارث الحافي الذي كان قد فاق أهل عصره في الزهد وحسن الطريقة واستقامة المذهب، وعزوف النفس. قال عنه هذا الكلام الخطيب البغدادي.

والجنيد بن محمد الجنيد الذي ينقل عنه صاحب تاريخ بغداد ينقل عنه قوله: "علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، ومن لم يحفظ الكتاب ولم يكتب الحديث ولم يتفقه، فلا يقتدى به".

فهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غيرهم أنهم على غير الجادة وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يجد في الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري.

هذا باختصار شديد ملامح المرحلة الأولى من التصوف الذي كان باسمه زهدًا.

المرحلة الثانية من مراحل الصوفية أدخل فيها المتصوفة مصطلحات غامضة تحدثوا عن الفناء والبقاء، وعلم الإشارة في المكاشفات إلى أن انتهوا إلى الذوق.

في هذه المرحلة نشأ دين يسمى بعلم الظاهر والباطن، وأعلنوا سقوط تكاليف الشريعة عن أوليائهم بأنهم وصلوا منزلة اليقين (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99]، فحولوا اليقين بمعنى الموت إلى اليقين بمعنى الإيمان، وعرفوا الحقيقة والكشف، وصاروا يقولون: إنه يكشف لأولئك الأولياء ما يكشف للملائكة، وزعموا الاطلاع على علم الغيب أي: أولئك الأولياء، فكثرت الأساطير والخرافات عندهم وشاعت أحبار الكرامات والخوارق؛ كشأن الباطنية تمامًا في سردهم للخرافات، ومن أقطاب تصوف هذه الطبقة أبو الحسن الشاذلي، وأبو يزيد البسطامي، وأحمد الرفاعي، وأحمد البدوي، وعبد القادر الجيلاني والتيجاني والنقشبندي.. وغيرهم.

ونختم اليوم بما نقله أحد مشايخ الطريقة الشاذلية في كتاب المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي للدكتور عبدالحليم محمود قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلم الشاذلي من داخل حجرته الشريفة، فلما قدم المدينة زادها الله تشريفاً وتعظيماً، وقف على باب الحرم من أول النهار إلى نصفه، عريان الرأس حافي القدمين، يستأذن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسليماً، فسئل عن ذلك فقال: حتى يؤذن لي.. يعني لم يذهب ويسلم عليه، قال: لا بد أن يأذن لي صوتًا -عليه الصلاة والسلام-، فسمع النداء من داخل الروضة الشريفة: "يا عليّ ادخل".

فمن كانت هذه مكانته لا يستبعد أن يقول: "لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يكون في غد وبعد غد إلى يوم القيامة"

مهما كبرت الدرجة العلمية والعقول، ومهما تقلد الإنسان من مناصب العلم، إن التربية الصوفية كثيرًا ما تلغي ذلك العقل.

وللحديث تتمة إن شاء الله..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين..