البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الأعمال التي أكثر منها النبي أو أمر بالإكثار منها (1)

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أعمال صالحة أكثر منها النبي صلى الله عليه وسلم .
  2. الإكثار من زرع أشجار لك في الجنة .
  3. فضائل الكلمات الأربع .
  4. أحب الكلام إلى الله -عز وجل-. .

اقتباس

فاعمروا أوقاتكم -رحمكم الله- بهذه الكلمات الطيبة، فليس أحد أكثر ثواباً عند الله -عز وجل- من مؤمن يشغل وقت فراغه بهذه الكلمات الأربع؛ فهي أحب الكلام إلى الله -عز وجل-، فمن تأمل فضائل تلك الكلمات الأربع وكيف أجزل الله -تعالى- مثوبة مَن رطَّب لسانه بها، لا يستغرب أن يكنَّ أحب الكلام إلى الله -تعالى-....

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

هناك العديد من فضائل الأعمال التي أمر بها النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- وحثّ الصحابة على فعلها، وهناك نوع آخر من تلك الفضائل لم يفعلها النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فحسب، وإنما أكثر منها وحثّ على الإكثار منها، وما ذلك -والعلم عند الله تعالى- إلا لعظم ثوابها وأهميتها.

أحاول في هذا الخطبة وفي خطب قادمة -بإذن الله- أن أعرض لكم أهم الأعمال التي أكثر منها النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أو أمر بالإكثار منها، ثم أذكر بعض أسرار هذه الأعمال بالحديث عن فضائلها والمواطن التي تقال فيها؛ كي نقنع أنفسنا بضرورة الإكثار من هذه الأعمال التي رُغِّبنا بها؛ استجابة لأمر حبيبنا محمد -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-.

هذه الأعمال لا تكلف المرء مالاً ولا جهداً، يغفل عن فضلها وعظيم أجرها الكثير من الناس، فحريٌّ بنا أن نتعرف عليها أولاً، ومن ثَم نُكْثِر منها كما فعل سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم-. وأول هذه الأعمال التي صحَّت عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-:

- الإكثار من زرع أشجار لك في الجنة؛ فعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يقول: "إن في الجنة قيعانا فأكثروا من غرسها"، قالوا: يا رسول الله وما غرسها؟ قال: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"(رواه الطبراني).

ومثل هذه التسبيحات الأربع لها مزايا عديدة وفضائل، لو علمنا بعضها ما استغربنا من حثّ النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على الإكثار منها؛ لا يأمرنا النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بشيءٍ إلا وفيه مصلحة لنا في أمر ديننا أو دنيانا، فأهم خصائص هذه التسبيحات الأربع:

أولاً: أنها أحب الكلام إلى الله -تعالى- بعد القرآن الكريم؛ فعن سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "أَحَبُّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ"(رواه مسلم).

قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً)[الأحزاب:40-43]، وقال -تعالى-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[الأحزاب:35].

ثانياً: أنها تحطُ الخطايا من صحيفتك: روى أَنَسٌ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أَخَذَ غُصْنًا فَنَفَضَهُ فَلَمْ يَنْتَفِضْ، ثُمَّ نَفَضَهُ فَلَمْ يَنْتَفِضْ، ثُمَّ نَفَضَهُ فَانْتَفَضَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "إِنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، تَنْفُضُ الْخَطَايَا كَمَا تَنْفُضُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا"(رواه الترمذي).

وروى عبد الله بن عمرو بن العاص  -رضي الله عنهما- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا كفرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر"(رواه أحمد وصححه أحمد شاكر).

وروى أبو سعيد وأبو هريرة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "إِنَّ اللَّهَ -تعالى- اصْطَفَى مِنْ الْكَلامِ أَرْبَعًا؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ؛ كُتِبَ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً وَحُطَّتْ عَنْهُ عِشْرُونَ سَيِّئَةً، وَمَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ؛ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ كُتِبَتْ لَهُ ثَلاثُونَ حَسَنَةً وحُطَّتْ عَنْهُ بِهَا ثَلاثُونَ سَيِّئَةً"(رواه النسائي).

ولذلك رغبنا النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- على قولها حين نأوي إلى فراشنا لتغفر ذنوبنا، حيث روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ أَوْ خَطَايَاهُ، شَكَّ مِسْعَرٌ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(رواه ابن حبان، ومِسْعَرٌ أحد رواة الحديث).

ثالثاً: أنها تثقّل ميزان حسناتك: فعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "بخٍ بخٍ لخمس ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوفى للمرء المسلم فيحتسبه"(رواه أحمد).

رابعاً: أنها الوسيلة التي يمكن بها الإكثار من غراس شجرك في الجنة؛ فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ، عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا؛ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(رواه الترمذي).

وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِي تَغْرِسُ"؟ قُلْتُ: غِرَاسًا لِي، قَالَ: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا"؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ"(رواه ابن ماجه).

فأكثر من مزروعاتك وحدائقك في الجنة، ولا تدع الوقت يضيع عليك فيما لا ينفعك.

خامساً: أنها تقي قائلها من النار؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "خُذوا جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدِّمات، ومعقِّبات، ومجنِّبات، وهن الباقيات الصالحات"(رواه الحاكم).

سادساً: أننا أُمرنا أن نكثر منها دون غيرها في عشر ذي الحجة؛ ذكر النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بأن أفضل الأعمال الصالحة عند الله -عز وجل- تلك التي يعملها العبد في عشر ذي الحجة؛ وأن ثوابها سيزيد على ثواب الجهاد، ثم بيَّن -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بأن أفضل تلك الأعمال المرغوب الإكثار منها هي التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، فتأمل.

فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير"(رواه الطبراني).

سابعاً: أن دعاءً من أدعية الاستفتاح يقوم عليها؛ فقد روى عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ -رحمه الله تعالى- قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ بِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يَسْتَفْتِحُ قِيَامَ اللَّيْلِ، قَالَتْ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُكَبِّرُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا، وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافِنِي، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ضِيقِ الْمَقَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه النسائي).

ثامناً: أن صلاة التسبيح تقوم على هذه الكلمات الأربع: فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال له: "يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلا أُعْطِيكَ أَلا أَمْنَحُكَ أَلا أَحْبُوكَ أَلا أَفْعَلُ بِكَ عَشْرَ خِصَالٍ؟ إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ذَنْبَكَ؛ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ، خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ، صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ، سِرَّهُ وَعَلانِيَتَهُ، عَشْرَ خِصَالٍ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْتَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً"(رواه أبو داود).

تاسعاً: أنها تجزئ عن قراءة الفاتحة في الصلاة لمن لا يعرف القرآن -وقراءة الفاتحة ركن-؛ فعن عبد الله ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن؛ فعلمني ما يجزئني، فقال: "قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"(رواه أحمد).

العاشر: أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حثَّ الناس عموماً وكبار السن خصوصاً على إعمار أوقات فراغهم بها؛ فعن أم هانئ بنت أبي طالب -رضي الله عنها- قالت: مرَّ بي ذات يوم رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فقلت: يا رسول الله إني قد كبرت وضعفت، أو كما قالت، فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: "سبِّحي الله مائة تسبيحة، فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل، واحمدي الله مائة تحميده، تعدل لك مائة فرس مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ تحملين عليها في سبيل الله، وكَبِّري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة، وهللي الله مائة تهليلة"؛ قال ابن خلف: أحسبه قال: "تملأ ما بين السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ لأحد عمل أفضل مما يرفع لكِ، إلا أن يأتي بمثل ما أتيتِ به"(رواه أحمد).

الحادي عشر: أنها بديل لمن عجز عن قيام الليل والتصدق والجهاد: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحبَّ، فمن ضنَّ بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"(رواه الطبراني).

فاعمروا أوقاتكم -رحمكم الله- بهذه الكلمات الطيبة، فليس أحد أكثر ثواباً عند الله -عز وجل- من مؤمن يشغل وقت فراغه بهذه الكلمات الأربع؛ فهي أحب الكلام إلى الله -عز وجل-.

فمن تأمل فضائل تلك الكلمات الأربع وكيف أجزل الله -تعالى- مثوبة مَن رطَّب لسانه بها، لا يستغرب أن يكنَّ أحب الكلام إلى الله -تعالى-، كما لا يستغرب من حبّ رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لها، فهل نحبها كحبّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لها؟ فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"(رواه مسلم).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ولا فلاح إلا للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد عرفنا فضل قول أربع كلمات سهلة هن أحب الكلام إلى الله، وأمرنا بالإكثار منها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عرفنا بعض فضائلها، فهل سنكثر منها استجابةً لأمر نبينا -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حينما قال: "إن في الجنة قيعانًا فأكثروا من غرسها"، قالوا: يا رسول الله وما غرسها؟ قال: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".

فاملؤوا أوقاتكم ورطِّبوا ألسنتكم بهذه الكلمات الأربع التي أمرنا بالإكثار منها، فبدلاً من أن تغني قائلاً: يا ليل ويا عين، قل: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، تدرك كل الفضائل التي سمعتها عن هذه الكلمات الأربع.

وقد روى طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال: "ليس أحد أفضل عند الله -عز وجل- من مؤمن يعمر في الإسلام؛ لتكبيره، وتحميده، وتسبيحه، وتهليله"(رواه الطبراني).

كان ذلك العمل الأول من الأعمال التي أمرنا النبي -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- بالإكثار منها، وبقي قرابة عشرين عملاً، لعلنا نتطرق إليها في خطب قادمة -بإذن الله-.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين.

اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.