العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | راشد البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
أما الزوجاتُ، وما أدراكَ ما الزوجاتُ، فماذا تَصِفُ؟ هُنّ الأجمَلُ والأكمَلُ، والألطَفُ، والأنظَفُ؛ (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)[البقرة:25]، حَيِيَّاتٌ حَفيّاتٌ، مَرِحاتٌ حُورياتٌ: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ)[الطور:20]، شاباتٌ شَهياتٌ، أعمارُهنَّ وثُديُّهنَّ وَصْفُهُ بكَلِمَتينِ: (كَوَاعِبَ أَتْرَابًا)[النبأ:33].
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذيْ أظهرَ لعبادهِ منْ آياتِه دليلاً، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له المتفردُ بالخلقِ والتدبيرِ جُملةً وتفصيلاً، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ أصدقُ الخلقِ قِيلاً، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ لهمْ بإحسانٍ، وسلَّمَ تسليمًا.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ؛ فتقوَى اللهِ ما جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلَ.
أتتمنَى قصرًا فخْمًا تُحيطُهُ أشجارِ الفواكهِ، وتَسقيْها المياهُ الجاريةُ؟ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)[البقرة: 266]، لكنْ: (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ)[الفرقان:15]، فَدَعْنَا نَتَخَيَّلُ الآنَ حالَنا وكأنَنا نسيرُ للجنةِ -بفضلِ ربِنا لا بأعمالِنا- نسيرُ بأبهَى حلةٍ، وأفخمُ مركبٍ، نسيرُ وُفودًا للجنةِ: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا)[الزمر:73].
نَسيرُ والنورُ يُضيءُ طريقَنا (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ)[الحديد:12]، حتى وهمْ في طريقِهم للجنةِ لا يَدَعُونَ الدعاءَ قائلينَ: (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم:8].
يا تُرى! كمْ مسافةُ السيرِ؟!
قريبةٌ، ومع قُربِها فإنها تُقَرَّبُ إكرامًا لهم: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ)[ق31]
أتدريْ متى ندخُلُها؛ بفضلِ اللهِ لا بأعمالِنا؟
ندخلُها في شدةِ حرارةِ الشمسِ، فيا للهِ ما أجملَ توقيتَ الدخولِ بعد أهوالٍ وأحوالٍ؛ (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)[الفرقان:24]، المنازلُ كثيرةٌ، والجموعُ غفيرةٌ! فيا تُرى هل يَتِيْهُونَ؟ لا؛ فإِنَّهُ بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ أَهْدَى مِنْهُ بِمَسْكَنِهِ فِي الدُّنْيَا (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)[محمد:6].
هل يَنتظرونَ فتحَ الأبوابِ؟
لا؛ (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ)[ص:50]. أتدري أن لهم ضيافةً يَجِدونَها أولَ ما يَدخلونَ؟ أتدريْ من أعَدَّها لهم؟ الذي أعدَّها لهمْ هو الربُ سبحانَه: (نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)[آل عمران:198].
هلْ يَمَلُّون النعيمَ؟
(لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)[الكهف:108].
هلْ يَموتونَ؟
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[الدخان:56].
ماذا يَقولونَ أولَ ما يَدخلونَ؟ يَقولونَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ)[الزمر:74].
ماذا عن فَوَاكِهِهِم؟
العنِبُ هو العنِبُ، والرمانُ هو الرمانُ، لكن بالاسمِ فقطْ، أما الطَعمُ فَلَذّةٌ مُتناهيةٌ، وأما الأحجامُ فمَهولةٌ، وأما الأنواع فهائِلةٌ (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا)[البقرة:25].
الفاكهةُ قريبةٌ دائمةٌ لذيذةٌ، والشرابُ لذيذٌ فاخرٌ لا يَضرُّ، ولذتهُ لا تُمَلُ.. يا الله! (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ)[الحاقة: 22-23]، (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود:108]، (أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا)[الرعد:35]، (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ)[الزخرف:70، 71].
وشرابٌ آخرُ لذيذٌ: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ)[الصافات45 - 47].
أيَتنعمونَ ألفَ سنةٍ؟! لا! مليونَ سنةٍ؟! لا. مليارًا؟!
لا نهايةَ! بل خالدوووونَ. فوَاشوقاهُ لتلكَ الكلمةِ التي يقولُها داخلَها: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[يس: 26-27].
كم أنهارُها؟
أنهارُها لا تُحصَى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)[القمر:54]، لكنَّ العجيبَ أن منها أنهارًا أربعةً، هي مَشروباتٌ ومَناظرُ مَشُوقاتٌ. (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)[محمد:15].
ما أنواعُ مَساكنِ أهل الجنة –جعلنا الله منهم؟
خيامٌ – غُرَفٌ - مساكنُ- قصورٌ. (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا)[الفرقان:10]، (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ)[التوبة: 72]، (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ)[الزمر:20]، (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)[سبأ:37]، (حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ)[الرحمن:72].
ماذا نَلبَسُ؟
في الأيدي وفي الأعناقِ وفوقَ الرؤوسِ (مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ)[فاطر:33]، (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ)[الكهف:31].
صِفْ لي مَجَالِسَهُمْ.
سُرُرٌ من ذهبٍ وأرائكُ ووسائدُ مبثوثةٌ، معهمْ أحبُ جُلسائِهمْ بجمالِ نسائهِمْ وخدمةِ غلمانهِمْ (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ)[الطور:20]، (مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ)[الواقعة:16]، (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا)[الإنسان:13-14]
ماذا نسمعُ من الأصواتِ في الجناتِ؟
غناءُ الحورِ، ومجالسُ الحبورِ: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ)[الرعد: 23، 24].
أما الزوجاتُ، وما أدراكَ ما الزوجاتُ، فماذا تَصِفُ؟
هُنّ الأجمَلُ والأكمَلُ، والألطَفُ، والأنظَفُ؛ (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ)[البقرة:25].
حَيِيَّاتٌ حَفيّاتٌ، مَرِحاتٌ حُورياتٌ: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ)[الطور:20].
شاباتٌ شَهياتٌ، أعمارُهنَّ وثُديُّهنَّ وَصْفُهُ بكَلِمَتينِ: (كَوَاعِبَ أَتْرَابًا)[النبأ:33].
(إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ)[يس:55]، بمَ مشغولونَ؟
بنعيمٍ لا يَحولُ ولا يزولُ، مشغولُون بِفَضِّ الأبكارِ، والتظللِ بالأشجارِ، والتمتعِ بجَرْيِ الأنهارِ (فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ)[يس: 55-56].
أثمَّتَ زوجاتٌ أُخرَيَاتٌ! غيرُ الأُولَياتِ؟ نعمْ! أينَ؟!
(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) [الرحمن:72].
والسؤالُ الأخيرُ: أتريدُ الجنةَ؟ أتفكِّرُ فيها كثيرًا؟!
إذًا فأبشرْ، ولا تأْبَ دخولَهَا: قالَ رسولُكَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى"(صحيح البخاري:7280)
فاللهمَ آمنا بالجنةِ وما رأيناها؛ اللهم –بفضلِكَ- فآتِناها.
اللهم من كلامِكَ الحقِ وكلامِ رسولكِ الصدقِ اشتَقْنَا لها.
اللهمّ إنكَ أعطيتَنا الإسلامَ من غير ِأن نسألَكَ، فلا تَحرِمْنا الجنّةَ ونحنُ نَسألكَ، اللهم اجمعْنا ووالدِينا وأولادَنا وأزواجَنا وأحبابَنا في الفردوسِ. اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المسلمين. اللهم قِهمْ فِتنَ الشبهاتِ والشهواتِ. اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ. اللهم احفظنا والمسلمينَ أجمعينَ. واكفِنا شرَ الوباءِ بقدرتِكَ، وارفعهُ برحمتِكَ.
اللهم وفِّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ. اللهم احفظْ أبطالَ الأمنِ والصِّحةِ، وسدِدْ متابعِي منصاتِ التعليمِ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45]