البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

فاستبقوا الخيرات

العربية

المؤلف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الدنيا ميدان تسابق وتنافس .
  2. التسابق في الخيرات وفضله .
  3. أقسام الناس في التسابق في الخيرات .
  4. الوسائل المعينة على تحقيق المسابقة في الخيرات .
  5. سرعة انقضاء العمر والحث على استغلاله .

اقتباس

أيها المؤمنون: الدنيا مضمار تنافس، وميدان تسابق: (فَاسْتَبقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا)[المائدة: 48]، وهذه حقيقة لابد أن تكون واضحة بين ناظري المسلم الناصح لنفسه حتى لا يفوت الأمر وتكون الندامة؛ الله -عز وجل- خلق الخلق في هذه الحياة لغايةٍ محددة، ومقصودٍ معيَّن (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، فمن الناس من هو منشغلٌ في هذه الحياة بما خلقه الله لأجله، ومنهم من شغله في هذه الحياة ما خُلق لأجله، فإن الله -عز وجل- خلق هذه الدنيا وسخرها لابن آدم لا لينشغل بها عن الله وعما خلَقه الله لأجله، وإنما خلقها لتكون معونةً له على طاعة الله -جل وعلا-، فلا ....

الخطبة الأولى:

الحمد لله الكبير المتعال، ذي الجلال والجمال، والعظمة والكبرياء، وذي العطايا والنوال، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء الذاكرين، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ: أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه. وتقوى الله -تعالى-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

أيها المؤمنون: الدنيا مضمار تنافس، وميدان تسابق: (فَاسْتَبقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا)[المائدة: 48]، نعم -عباد الله- هذه حقيقة لابد أن تكون واضحة بين ناظري المسلم الناصح لنفسه حتى لا يفوت الأمر وتكون الندامة؛ الله -عز وجل- خلق الخلق في هذه الحياة لغايةٍ محددة ومقصودٍ معيَّن (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، فمن الناس -عباد الله- من هو منشغلٌ في هذه الحياة بما خلقه الله لأجله، ومنهم من شغله في هذه الحياة ما خُلق لأجله، فإن الله -عز وجل- خلق هذه الدنيا وسخرها لابن آدم لا لينشغل بها عن الله وعما خلَقه الله لأجله، وإنما خلقها لتكون معونةً له على طاعة الله -جل وعلا-، فلا ضير على عبد الله المؤمن أن يأخذ نصيبه من الدنيا بما لا يكون فيه ثلْمٌ للدين ولا ضياعٌ للآخرة، ولهذا جاء في الدعاء المأثور عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم لاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا".

أيها المؤمنون: تأملوا -رعاكم الله- في هذا المقام -مقام التسابق والتنافس- قول الله -عز وجل-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الواقعة: 10-12]؛ فإن هؤلاء -عباد الله- هم صفوة الخلق، وخلاصة الناس، "والسابقون" أي في هذه الحياة الدنيا بالطاعات، وصنوف العبادات. "السابقون" أي في الدار الآخرة بعليِّ المنازل، ورفيع الدرجات.

أيها المؤمنون: لقد دعا الله -عز وجل- في آيٍ عديدة من القرآن إلى هذا التسابق وهذه المنافسة وإلى المسارعة في الخيرات ليفوز الموفق من عباد الله بثواب الله العظيم وأجره تبارك وتعالى العميم؛ فإن الله -عز وجل- دعا عباده في آيات كثيرة إلى هذا التسابق، وذكر جل وعلا ما أعد لهم من عظيم الثواب، وكريم المآب، قال الله -جل وعلا-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آل عمران: 133]؛ هذا عرضها فكيف بطولها! ثم كأنه قيل: ما صفات هؤلاء المتقين الذين لهم هذه الجنات؟ قال: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 134-135]، ويقول الله -سبحانه وتعالى-: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الحديد: 21].

أيها المؤمنون: الناس في هذا التسابق بين رجلٍ جدَّ واجتهد ونافس فسبق سبقًا بعيدا، وبين متباطئٍ متهالكٍ أضرَّ بنفسه وأوبقها بالمعاصي والذنوب، وبين من هو وسطٌ في ذلك؛ مقتصدٌ في طاعاته وأعماله، فلم يصل إلى درجة السابقين، ولم يهبط إلى درجة المقصِّرين، وقد ذكر الله -جل وعلا- هذه الأقسام الثلاثة في قوله سبحانه: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر: 32].

أيها المؤمنون: ولنتنبَّه في هذا المقام إلى حاجتنا لتحقيق هذه المسابقة، ونيل هذا الفوز العظيم إلى أمرين لابد منهما: الأول: صدق الاستعانة بالله، وحسن التوكل عليه جل في علاه، ولهذا قال في الآية المتقدمة: (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ) فالأمر بيد الله وهبةٌ منه جل في علاه، يُنال بالاستعانة، وصدق التوكل، وحُسن الالتجاء. والأمر الآخر: مجاهدة النفس على أن تكون مسارِعةً سبَّاقة، لا أن تكون متوانية متكاسلةً متباطئة.

وقد جمع النبي -عليه الصلاة والسلام- هذين الأمرين في قوله: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ".

أيها المؤمنون: الشباب يذهب، والحياة لا تدوم، والغنى لا يستقر، والصحة لا تستمر؛ فلا يغتر عبدٌ بصحته أو غناه أو شبابه أو قوَّته أو فراغه فإنه لا يبقى له شيء من ذلك، ولهذا قال الناصح الأمين -عليه الصلاة والسلام- : "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وغناك قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" فنصح عليه الصلاة والسلام نصحًا عظيما، وليكن العبد المؤمن ناصحًا لنفسه آخذًا بزمامها لتكون نفسًا منقادةً مطيعةً مسابقةً إلى الخيرات راجيةً ما عند رب الأرض والسماوات من عظيم الرُّتب ورفيع الدرجات.

نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا أجمعين لكل خير، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم.

عباد الله: يقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ"(رواه البخاري في صحيحه تعليقا).

أخذ من هذا الأثر العظيم أحد الحكماء قوله: "فعجبٌ لمن يقبل على المدبِرة ويدبِر عن المقبلة"، وهذا وصفٌ لحال كثير من الناس.

نسأل الله -جل في علاه- أن يأخذ بنواصينا أجمعين إلى الخير، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحُسن عبادته، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.

وصلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وذي النورين عثمان، وأبي الحسنين علي. وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.