البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

التعزية: آدابها

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. تسلية المصاب وتثبيته .
  2. حكم التعزية .
  3. بعض آداب التعزية .
  4. بعض ما يجب على المصاب .
  5. الواجب فعله عند المحتضر .
  6. بعض الواجبات المتعلقة بالميت .
  7. بعض الأحكام المتعلقة بالعزاء .
  8. منكرات العزاء .
  9. إعداد القوة وأنواعها .
  10. خيرية الأمة المسلمة وقيادتها وريادتها .

اقتباس

إن فقد الأحباب من الأهل والأقارب والأصحاب؛ ابتلاء يبتلي الله به؛ ليكفر به الخطايا، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ غَمٍّ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بها مِنْ خَطَايَاهُ". إن المصيبة أحيانا يكون لها أثر على نفس المصاب، يذهله عن تذكر ما يشرع له أن يقول عند المصيبة وحلولها؛ لأن...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.

عباد الله: خلق الله الموت والحياة ابتلاءً للناس: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك: 2].

كتب الموت على كل العباد إنسهم وجنهم، حتى الحيوان فلا فرار ولا أمان: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن: 26-27].

(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].

إن فقد الأحباب من الأهل والأقارب والأصحاب ابتلاء يبتلي الله به؛ ليكفر به الخطايا، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَنٍ، وَلاَ غَمٍّ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بها مِنْ خَطَايَاهُ".

إن المصيبة أحيانا يكون لها أثر على نفس المصاب، يذهله عن تذكر ما يشرع له أن يقول عند المصيبة وحلولها؛ لأن الصدمة شديدة، ولهذا هو بحاجة إلى من يثبته، ويصبره عند المصيبة، ويذكره الأجر، والثواب للصابر المحتسب، فقد مر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بامرأة عند قبر تبكي على ولد لها، فقال لها: "اتقي الله وصبري" قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بما أصبت به، فلما ذهب النبي –صلى الله عليه وسلم- قيل لها: هذا رسول الله، فأتته، وليس عند بابه حاجب، فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، قال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".

فالمصاب بحاجة إلى من يثبته، ويقوي صبره ورضاه عن الله، ولهذا شرعت التعزية، فالتعزية لها فضل عظيم، وهي عبادة لمن أخلصها لله؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْجنة".

ويقول أيضا: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّى أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلاَّ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الجنة ما يغبط به".

ويقول: "من عز مصابا فله مثل أجره".

يعني ذلك أن التعزية حق للمسلم، وموقف المسلم من أخيه في الرخاء والشدة سواء، والتعزية تسلية المصاب، فيذكر بالله، ويعلمه أن هذا قضاء الله وقدره، ليرضى ويصبر ويحتسب الثواب عند الله -جل وعلا-، فكل لفظ يمكن أن يسلى به صاحب المصيبة، فليأتي به من غير إفراط ولا تفريط.

أيها المسلم: فليعزِ المسلم أخاه المسلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعزي أصحابه، وقد رفعت له أحد بناته ابنا لها يجود بنفسه، فقال: قل لها: "لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى، وَكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ بأجل مُسَمًّى، مروها فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ".

ودخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة يعزيها في أبي سلمة، فقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِى سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ أجمعين، اللهم افْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ".

ولما قتل جعفر بن أبي طالب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ اخْلُفْ جَعْفَراً فِي أَهْلِهِ، وَبَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ".

هكذا النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعزي أصحابه، فإذا قال المعزي: "أحسن الله عزاكم، وجبر مصابكم، وغفر لميتكم" كان ذلك عملا صالحا.

أيها المسلم: إن من آداب التعزية في ذلك:

أن تكون التعزية بعد موت الميت، سواء صلي عليه، أو لم يصلَ عليه.

وأن هذه التعزية لا تتقيد بأيام معدودة؛ بل يعزي ولو بعد أيام ثلاثة، ما دام حر المصيبة؛ لأنه بحاجة إلى من يصبره ويثبته، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اصْنَعُوا لآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ ما يشَغَلَهُمْ".

ويسن للمسلم: الاسترجاع، وذكر الله، والثناء عليه؛ فقد قالت أم سلمة: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ، فيقول: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أجره الله بمصيبته".

قالت: فلما توفي أبو سلمة قلتها، ثم قلت: من بعد أبي سلمة من مثله، أول بيت هاجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! قالت: فخلف الله علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

أيها المسلم: إن هذه التعزية حق للمسلم عليك، وأن تقف بجانبه، وتضمد جراحه، وتوصيه بالصبر والاحتساب، والرضا عن رب العالمين، والله على كل شيء قدير.

أيها المسلم: السنة إذا حضر الموت للإنسان أن يكون من عنده من يلقنه كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" برفق وسهولة: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة".

ويذكر عنده خيرا، ويوجهه إلى القبلة، فهي قبلتنا أحياءا وأمواتا، ويغمض عينيه، هكذا السنة التي دلت عليه سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، والبكاء على الميت جائز، فإن البكاء ليس منهيا عنه، إنما المنهي عنه النياحة، وشق الجيب، ولطم الخد، أما مجرد البكاء والحزن، فهذا أمر طبيعي، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بكى عند فقد حبيبه إبراهيم؛ فقد جاء في الحديث: أنه رفع ابنه إبراهيم فقبله، وشمه، فلما نزل به الموت، جعل يقبله، ويبكي، فقال بن عوف: أأنت يا رسول الله؟ قال: "يا ابن عوف إن هذه رحمة من الله، إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون".

وقال أنس: لما توفي عبد الله بن عثمان وهو مطعون، رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقلبه، حتى رأيت دموعه تسيل على خد عبد الله بن عثمان، وهو مطعون، بكاء ورحمة وشفقة منه صلى الله عليه وسلم.

ودخل الصديق -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، فكشف عن وجهه وقبله، وقال: "بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتب عليك فقد متها، ولن يجمع الله عليك بين موتتين" قالوا: ولما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- سمعوا مناديا معزيا يقول: إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، وتركا من فائت، فبالله ثقوا، وعليه توكلوا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

أيها المسلم: إن من السنة: المبادرة بتجهيز الميت، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، والدعاء له، وقضاء دينه، والاهتمام بهذا كله.

أيها المسلم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم - نهى المسلم أن يغلو في العزاء، فقال جرير بن عبدالله -رضي الله عنه-: "كنا نعد صنع الطعام لأهل الميت، والاجتماع عليه من النياحة" يعني أن أهل الميت لا يصلحون الطعام لغيرهم، لكن إذا أتى من غيرهم فلا مانع، من غير غلو، أو دعوة إليه، أو تحويل العزاء إلى موائد ضحك وسرور، وكأن الموت لم يكن، فإن الموت فيه عظة: "كفى بالموت واعظا" وزاجرا، فصنع الطعام جائز، لكن بطريقة لا تقتضي المبالغات.

إن بعض أبناء المسلمين يغالون في التعزية؛ فتراه يخرج من بيته، ويستأجر استراحة، أو فندق، ليقيم فيه العزاء، وهذا خلاف المشروع، فالعزاء مشروع في البيت، في السوق، في المسجد، في أي مكان، أما تخصيص موضع، أو استئجار مكان، والخروج من البيت لضيقه، واتخاذ مكان فسيح لذلك، هذا إنفاق في شيء ما شرعه الله، فلينتبه لذلك، ولنهتم بالأمر الشرعي، فإن هذه المصائب مصائب لكن المؤمن موقفه الرضا والتسليم، لا إفراط ولا تفريط.

أيها المسلم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِادَّ عَلَى مَيِّتٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا".

فنهى الحداد على الميت أكثر من ثلاثة أيام، وإنما شرع فوق ثلاثة أيام فقط، وما سوى ذلك فالأصل عدم هذه الأمور.

أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه؛ إنه على كل شيء قدير.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ *  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 34-35].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ:

فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.

أيها المسلم: المصائب مصائب، لكن المسلم يتلقاها بصدر رحب، وصبر ورضا عن الله -جل وعلا-، لا تكن تلك المصائب تخدر أعصابنا، وتمنعنا من التحرك والعمل، وأن نتخذ من المصيبة وسيلة إلى تعطيل أعمالنا، وترك واجباتنا، وتبديل مواعدنا، وإظهار الحزن الدائم، لا، هي تعزية، ودعاء للميت، ورضا بقضاء الله، أما أعمالنا ومواعدنا والتزاماتنا، فلا يجوز أن نلغيها لأجل ذلك؛ لأن في هذا حذرا شديدا.

علينا أن نعزي الميت، ونصلي عليه، ونقف بجانب أهله، لكن نعطل أعمالنا، أو نلقي باللوم على من لم يصبر معنا أياما معينة، نلقي عليه اللوم، ونصفه بالتقصير في حقنا، هذا أمر غير مشروع.

فالبعض نراهم عند الميت يجتمعون ثلاثة أيام، ويعطلون أعمالهم، ومواعيدهم، وتكون هذا الأيام أيام أكل وشرب وتسلية، وترك للمواعيد، وإبطال لها، بدعوة أنها أيام عزاء، وهذا كله غير مشروع.

سلم، وعزِ، وانصرف، أما هذا الجلوس الدائم الطويل، وتعطيل الأعمال، وإلغاء المواعيد والارتباطات، فكل هذا لا دليل يؤيده، فلنتقِ الله في أنفسنا.

أيها المسلمون: إن الله -جل وعلا- أعز هذه الأمة، ورفع قدرها، وجعلها خير أمة أخرجت للناس: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].

أكمل لها الدين، وأتم عليها النعمة، وبعث فيها سيد ولد آدم محمدا -صلى الله عليه وسلم-، وختم به الرسالات والشرائع كلها، ونسخ به الشرائع التي قبله.

أيها المسلم: إن الله -جل وعلا- أدبنا وعلمنا أمور ديننا ودنيانا؛ أرشدنا إلى ما في عز نفوسنا، وقوة إيماننا، وعلو مكانتنا ورفعتنا، فقال لنا في كتابه العزيز: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].

أمر الأمة أن تعد العدة قدر الاستطاعة: (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي: ما قدرتم عليه.

قوة الإيمان قبل كل شيء، قوة العقيدة وثباتها، قوة الثقة بالله، والتوكل عليه، ثم قوة العلم والمعرفة، وقوة الاقتصاد، وقوة الثقافة القوة العسكرية، وإعداد الأمة إعدادا صحيحا صالحا، إعدادا لاستقبال أي بلاء وأي محنة، تكون مستعدة دائما بقوتها المعنوية، وقوتها المادية والعسكرية، تكون دائما مستعدا، تربى شبابنا وتدربهم على الجد والاجتهاد، وتعلى بهم عن سفاسف الأخلاق والأعمال، تعدهم لأن يكونوا رجال الغد، قادة مستعدين قادرين بتوفيق الله على الدفاع عن دينهم، والدفاع عن عقيدتهم، والدفاع عن بلادهم، وعن محارمهم، يكون دائما في أهبة الاستعداد!.

لكن المصيبة أن قوة الأعداء تغلغلت في قلوبنا، وأصبحنا نخاف من أعدائنا، ونفكر ونؤمل، وكأننا لن نستطيع أن ندبر شيئا إلا بعد ما موافقة أعدائنا، وأننا لا نستطيع أن نقف على أقدمنا وحدنا، بل لا بد من أعدائنا أن نخضع لهم فيما يريدون، ويتآمرون علينا، وهذا كله من ضعف إيماننا، وقوة إدراكنا نحن أمة مسلمة، أمة مؤمنة، يجب أن نتربى على الخير والجد والنشاط، ونلغي الكسل والعجز، ونتطلع إلى مستقبل سعيد، ونربي أجيالنا تربية صالحة، والأمة الإسلامية متى رجعت إلى دينها، وإلى إسلامها، رأت الخير والسعادة!.

أما أن تبقى الأمة تتدبر أعداءها ما تتدبر، وتغير المعدات العسكرية تمد هذا، وتقطع عن هذا، فيوم لها رأي، ويوم لها رأي آخر، كل ذلك استضعاف لنا، واستغفال لنا وإشعار بأننا لسنا بشيء، وإنما نحن تابعون لهم، ويجب أن نخضع لهم.

إن هذه المصيبة يجب على الأمة أن تكون واعية مفكرة مستعدة دائما وأبدا، تربي أبناءها التربية الصالحة، خيرتنا شريان حياتنا، تحت أقدمنا، ومع هذا فالخوف والرعب في قلوبنا من أعدائنا، وكأننا لن نستطيع أن نحل مشاكلنا، ولن نستطيع أن ندبر أمورنا، حتى نرجع إلى أعدائنا!.

كم فرقوا بلادنا، ومزقوا شملنا، وألقوا الفرقة بين أبناءنا، حتى صار من الإسلام مسرحا لمؤامراتهم، ونواياهم السيئة، فرقوا الأمة، شتتوا شملها، شردوا أبناءها، أوقعوا فيها من البلايا ما أوقعوا!.

أعداؤنا هم أعداؤنا بالأمس، وأعداؤنا اليوم، يجب على الأمة أن تستشعر بأنها أمة مسلمة، الأمة لها القيادة الصحيحة!.

أمة يجب أن تربي شبابها على التربية الصالحة دينيا، وعسكريا واقتصاديا، وكل ما دعا الحياة إليه، علينا ننهض بأمتنا، فلعقول غير مقبورة، ولكن يفقدنا الإخلاص والصدق في أمورنا كلها، فإنا لله وإنا إليه راجعون!.

إن من يتأمل واقع الأمة وواقع أعدائها، وأن سياستهم معنا متقلبة يوم مع كذا ويوم مع كذا، يوم يمد مع هؤلاء، ويقطع المد عن هؤلاء!.

لماذا هذا التناقض وهذا الاضطراب؟! إنما يدل على أنهم لا يريدون خيرا، وإنما يريدون أن يخضعونا إلى ما يريدون، وإلى ما يشتهون، هذا كله ضعف وهوان.

إننا أمة مسلمة، فضلنا الله بهذا الدين، جعلنا خير أمة أخرجت للناس، يجب أن نحقق هذا الخيرية في أنفسنا، وفي واقعنا، وفي تصرفاتنا، لنواجه كل الكوارث، وكل المؤامرات بقوة إيمان وصدق وعزيمة.

أسأل الله أن يجمع الجميع على طاعته، وأن يوفق المسلمين، ويوحد شملهم، ويعيذهم من التفرق والاختلاف، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن ينقذ هذا الشعب المسلم شعب الشام من هذه الضلالات، ومن هذه المؤامرات، ومن هذه المؤامرات الدنيئة التي مزقت هذا الشعب المسلم، وشرد عن بلاده، يعيش بردا قارسا، وحياة تعيسة، نسأل الله السلامة والعافية.

إنها عبر وعظات إن الأمة يجب أن تعي واقعها، وأن تكون دائمة متفهمة لقضاياها، وتعلم أن عدوها لن يكون يوما ناصحا لها أبدا، عدوها لن يكون ناصحا لها، هو غاش لها مهما أراد، ومهما أظهر من المحبة، أو الموالاة، لكن العدو اللدود ترى تصرفاته، في ميوله، مع هؤلاء ومع هؤلاء، نسأل الله السلامة العافية.

واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.

اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا.

اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.

اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وأمده بالصحة والسلامة والعافية، وشد عضده بولي عهده ونائبه، واجعلهم جميعا على البر والتقوى إنك على كل شيء قدير.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرَ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.